الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 20 / أبريل 02:02

دروس من الهجرة النبوية-الشيخ سعيد بكارنة

الشيخ سعيد بكارنة
نُشر: 20/08/20 23:45,  حُتلن: 23:46

تطل علينا في هذه الأيام ذكرى هجرة سيد الخلق والأنام محمد عليه الصلاة والسلام . هذه الهجرة النبوية المباركة من مكة المشرفة إلى المدينة المنورة كانت من أعظم الأحداث التي غيرت مجرى التاريخ ، فقد أدت إلى إقامة الدولة الإسلامية ، التي رفعت من مكانة العرب وجعلتهم سادة وقادة للشعوب والأمم . وأدت كذلك إلى بناء الحضارة الإسلامية التي أشعت بنورها على العالم كله . ولأهمية الهجرة النبوية فقد أرخ بها المسلمون عندما وضعوا التاريخ الهجري في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

ومن خلال قصة الهجرة النبوية نتعلم أبلغ الدروس ومن أهم هذه الدروس : درس
في اختيار الصديق المرافق للرحلة الطويلة من مكة إلى المدينة فيختار عليه الصلاة والسلام صاحبه أبا بكر الصديق رضي الله عنه رفيقا له يعينه على السفر ، ليعلمنا أهمية اختيار الأصدقاء والرفاق الذين يعينون على الحق ، ويساعدون على تخطي الصعوبات . ويدخل الرسول صلى الله عليه وسلم "غار ثور" بصحبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه فينسج العنكبوت خيوطه على باب الغار ، وتبيض الحمامة على باب الغار ويصعد فريق من ملاحقيه من كفار قريش الجبل ويقفون على الباب فلا يطأطىء أحدهم رأسه لينظر في الغار . قال أبو بكر: يا رسولَ الله ، لو نظرَ أحدُهم إلى أسفلِ قدميه لرآنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟!
إنها المعجزات الإلهية والكرامات التي تكون مع الأنبياء وأصحاب الدعوات كي تؤكد صدق دعوتهم !
وما حوى الغـــارُ مِن خيرٍ ومِن كَرَمِ * * * وكُــلُّ طَرْفٍ مِنَ الكفارِ عنه عَمِي
فالصدقُ في الغــارِ والصدِّيقُ لم يَرِمَـا* * * وهُم يقولون مـا بالغــارِ مِن أَرِمِ
ظنُّوا الحمــامَةَ وظنُّوا العنكبوتَ على* * * خــيرِ البَرِّيَّـةِ لم تَنسُـجْ ولم تَحُمِ
وِقَـــايَةُ اللهِ أغنَتْ عَن مُضَــاعَفَةٍ* * * مِنَ الدُّرُوعِ وعن عــالٍ مِنَ الأُطُمِ

ودرس في حب الوطن، ،فعندما خرج الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من مكة بعد تآمر أكابر مجرميها على قتله وقف على تلة من تلال مكة يخاطبها- ومشاعره تفيض حبا وألما على فراق وطنه - قائلا : "وإني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلى، وأكرمه على الله، ولولا أن أهلك أخرجوني منكِ مَا خرجت". درس آخر يعلمنا إياه سيد الخلق وحبيب الحق محمد عليه الصلاة والسلام هو أهمية تأدية الأمانات إلى أهلها،عندما أمر علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالبقاء في مكة المكرمة كي يؤدي الأمانات لأصحابها، رغم هذه الظروف الشديدة التي كان من المفروض أن يكتنفها الاضطراب ، بحيث لا يتجه التفكير إلا إلى إنجاح خطة هجرته فقط،وهذه إشارة عظيمة منه صلى الله عليه وسلم لأهمية تأدية الأمانات وردها إلى أصحابها.

ويتجلى دور المرأة المسلمة في الهجرة الشريفة من خلال الدور الذي قامت به عائشة بنت أبي بكر وأختها أسماء "ذات النطاقين" رضي الله عنهما حيث حافظتا على سر الهجرة الذي لم يعلم به سوى عدد قليل من الناس، وانشغلتا بتحضير الطعام وسائر لوازم الرحلة الطويلة إلى المدينة المنورة، وتصعد أسماء الجبل العالي وتحضر الطعام إلى أبيها الصديق والنبي صلى الله عليه وسلم. هذا الدور العظيم للمرأة في الهجرة النبوية جاء ليؤكد اعتناء الإسلام بالمرأة وتكريمه لها حيث أنها الركيزة الأساسية في بناء الأسرة والمجتمع الصالح، في زمن نسمع بعض الناس يتهم الإسلام والمسلمين بظلم المرأة وحرمانها من حقوقها مع أن الإسلام الحنيف كرم المرأة أعظم تكريم بعد أن كانت في الجاهلية مهضومة الحقوق تعد من سقط المتاع لا يقام لها وزن.
ومن الدروس العظيمة التي نتعلمها من الهجرة النبوية هو إرساء الصلح وإقرار مبدأ الأخوة الإسلامية .فما إن وطأت أقدام الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أرض يثرب التي تحول اسمها إلى المدينة حتى قام بإحلال الصلح بين قبيلتي الأوس والخزرج التي مزقتهما الحروب التي امتدت عشرات السنين رغم صلة القرابة التي تجمع بينهما .وهذا يؤكد أنّ أهم مقاصد الدعوة الإسلامية بعد توحيد الله عزّ وجل، وحدة الكلمة وجمع الصفّ والقضاء على الفُرقة الناجمة عن العصبيات القبلية .
يا هجرة فجرت حبا ومرحمة فالقوم فيها الأحباء الأخلاءُ
تقاسموا نعمات العيش وائتلفوا كما تآلف في الأجساد أعضاءُ
كل يرى لأخيه الخير أجمعه والخير موطنه الرهط الأعزاءُ
وهؤلاء الأنصار أعداء الأمس تاقت نفوسهم إلى الأمن والأمان والطمأنينة والاستقرار فاستقبلوه عليه الصلاة والسلام بالأناشيد:
" طلع البدر علينا من ثنيات الوداعْ
وجب الشكر علينا ما دعا لله داعْ
أَيُّهَا المَبْعُوثُ فِينَا جِئْتَ بِالأَمْرِ المُطَاعْ
جِئْتَ شَرَّفْتَ المَدِينَة مَرْحبًا يَا خَيْرَ دَاعْ"
ثم قام الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بخطوة تاريخية عظيمة وهي المؤاخاة بين المهاجرين وهم المسلمون من أهل مكة وبين الأنصار وهم المسلمون من أهل المدينة ، وبلغت هذه المؤاخاة مبلغا عظيما وهو أنهم كانوا يتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام في بداية الأمر .
ومعنى هذا الإخاء كما قال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله:" أن تذوب العصبيات الجاهلية، فلا حميّة إلا للإسلام، وأن تسقط فوارق النسب واللون والوطن، فلا يتقدم أحد أو يتأخر إلا بمروءته وتقواه. وقد جعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذه الأخوة عقداً نافذاً، لا لفظاً فارغاً، وعملاً يرتبط بالدماء والأموال، لا تحية تثرثر بها الألسنة ولا يقوم لها أثر. وكانت عواطف الإيثار والمواساة والمؤانسة تمتزج في هذه الإخوة وتملأ المجتمع الجديد بأروع الأمثال" .
لقد كان لإرساء الصلح بين أهل المدينة ولإقرار مبدأ الأخوة الإسلامية بالغ الأثر على نجاح الدعوة الإسلامية وأدت إلى تقوية المسلمين حتى أصبحوا مثلا يحتذى به وأصبحوا شامة بين الأمم وتمكنوا من بناء حضارة متينة يشهد لها العالم بأسره.
فما أحوجنا نحن العرب في هذه الديار في ظلال ذكرى الهجرة النبوية العطرة، ما أحوجنا لإرساء صلح عام في مجتمعنا
أرجو أن أكون قد وفقت في هذه العجالة من إلقاء الضوء على بعض الدروس المستفادة من الهجرة النبوية المباركة.


 

مقالات متعلقة