الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 02:02

كل ما يجب معرفته عن السكري/ بقلم: د. رياض طاهر

د. رياض طاهر
نُشر: 01/07/20 12:57,  حُتلن: 14:42

كل ما يجب معرفته عن السكري:
في السنوات الأخيرة تحول السكري إلى وباء حقيقي. بالرغم من أن له ميزات وراثية، المسببات الأساسية للمرض تتعلق بأسلوب حياتنا. كيف نتعامل مع التعقيدات الناجمة عن المرض؟ ما الذي تغير في طريقة العلاج في السنوات الأخيرة؟ وكيف نحمي القلب والكلى المعرضة للضرر بسبب السكري؟

يعتبر السكري وباء القرن الـ 21 وهو آخذ بالازدياد في العقود الأخيرة. بحسب التقديرات بين 80-90% من كل المرضى، مصابون بسكري نوع 2 وهو النوع الأكثر انتشاراً من المرض. بحسب منظمة الصحة العالمية من المتوقع أن يصل عدد مرضى السكري لما يقارب الـ 300 مليون شخص حول العالم خلال أقل من خمس سنوات. فعلياً، هنالك منحنيين مقلقين يحصلان بالتوازي: عدد المرضى بإزدياد مستمر، وظهور المرض بأجيال أصغر.

السكري هو مرض أيضّي الذي يتميز بتركيز عالي للجلوكوز (سكر) في الدم. مرضى السكري يعانون من نقص جزئي أو تام في هرمون الإنسولين المفرز كنتيجة لإرتفاع نسب السكر في الجسم. عدم وجود الإنسولين أو النقص في فعاليته يؤدي إلى تراكم كمية كبيرة من السكر في الدم - إرتفاع مستوى السكر في الدم. كنتيجة لذلك، قد يشعر المرضى بأعراض مثل العطش، فقدان الوزن، الضعف، التعب، خلل بالشعور بالأطراف والتبول بكميات كبيرة لذلك يجب أن يكونوا متوازنين دائماً.

ليس وراثي بل أسلوب حياة
قد يكون السكر نتيجة لعامل وراثي. إلا أن السبب الرئيسي للمرض هو أسلوب الحياة. تغذية غير صحية - التي تشمل إستهلاك أغذية تحوي كميات كبيرة من السكريات، الكربوهيدرات والمحليّات- تزيد خطر الإصابة بالمرض. بالإضافة، قلة النشاط البدني، نقص في النوم، التدخين والضغط النفسّي قد تؤدي لإنتشار السكري من النوع 2.

في حالات قليلة هنالك تأثير للعامل الوراثي على خطر الإصابة بالمرض، لكن لأسلوب الحياة يوجد تأثير أكبر تطور ومنحى المرض. في عام 1950 نسبة مرضى السكري (نوع 2) في إسرائيل كانت 2% فقط، مقارنة بعام 2020 نسبة المرضى إزدادت بشكل بارز وقد وصلت اليوم ما يقارب ال 8.5%. لو كان المسبب للسكري هو العامل الوراثي فقط - لكانت نسبة المرضى مماثلة.

بالإضافة إلى ذلك، في الماضي سميّ السكري من النوع 2 - "بسكري البالغين"، لأنه حتى سنوات قليلة سابقة كان المرض منتشر أكثر عند الأشخاص فوق عمر ثلاثين وإنتشاره إزداد مع زيادة العمر. لكن في السنوات الأخيرة نرى إنخفاضاً في جيل ظهور المرض، وأحياناً يتم تشخيص أطفال مع سكري (نوع 2). نحن في عصر يسمى "جيل الشاشات"- العديد من الأطفال والشباب يشاهدون التلفاز، الحاسوب والهاتف النقّال لساعات طويلة ويؤدون نشاطات بدنية قليلة. في العقود الأخيرة هنالك إرتفاع بارز أيضا بإستهلاك الطعام المصنّع الذي يحوي كميات كبيرة من السكريات والكربوهيدرات. هذه العوامل - بشكل غير مفاجئ- أدت لظهور السكري بأجيال صغيرة.

نسبة المرض أعلى في الوسط العربي
نسبة الإصابة بالمرض في الوسط العربي أعلى منها في الوسط اليهودي (11.5% مقابل 8.1%). الفروق بين الوسطين لا تبرز فقط في الفرق بنسبة المرض بل أيضا بجيل ظهور المرض - في الوسط العربي يظهر السكري في أجيال أصغر مقارنة بالوسط اليهودي. عند البالغين العقد الخامس لحياتهم نسبة المرض في الوسط اليهوديّ تصل لـ 4% مقابل 12% في الوسط العربي، عند البالغين للعقد السادس لحياتهم نسبة المرض في الوسط اليهودي تصل 12% مقابل 30% في الوسط العربي. بالإضافة لذلك، النساء العربيات يصبن بالسكري أكثر من الرجال العرب. كما ذكر سابقاً، للعامل الوراثيّ تأثير على ظهور المرض، لكن السمنة، التدخين وعدم وجود نشاط بدني هي المسببات الرئيسية للسكري.

يمكن التقدير بأن الفجوات بين الوسطين بنسبة المرض وبجيل ظهور السكري، تنبع من إختلاف الثقافة وأسلوب الحياة. للأسف الشديد، الوسط العربي أقل حفاظاً على التغذية السليمة، ولا يوجد توعية كافية لأهمية النشاط البدني ولا تشجيع للحفاظ على نمط حياة صحي. للتعامل مع هذه المشاكل، يجب القيام بفعاليات شرح لتغيير العادات لدى الأطفال منذ أجيال البستان والمدرسة الإبتدائية. لنقود نقلة نوعية قد تقلل من نسب الإصابة بالمرض في المستقبل، يجب تشجيع إستهلاك الفواكه والخضار، تقليل إستهلاك الأغذية الغنية بالكربوهيدرات والسكريات وإضافة نشاطات جسدية للحياة اليومية لكل أفراد العائلة.

السكري قد يؤدي إلى مضاعفات
مرضى السكري عرضة للإصابة بمضاعفات صعبة وجدية. مضاعفات المرض ناجمة عن ضرر للأوعية الدموية بسبب تراكم السكر. المضاعفات تختلف من مريض لآخر ومعظمها يشعر بها المريض بعد عدة سنوات من ظهور المرض - أحياناً قد تظهر بعد عقد. جزء كبير من المضاعفات مرتبط أيضاً بعوامل مسببة أخرى مثل التدخين، إرتفاع ضغط الدم، سمنة زائدة والخ. كنتيجة للسكري قد ينجم ضرر للرئة، ضرر لأعصاب الإحساس في أعضاء مختلفة بالجسم - بالأساس في اليدين والقدمين وضرر للكلى والذي قد يسبب خلل في الامتصاص، احتياج لغسل كلى وحتى زرع كلى. في معظم الحالات، عندما يكون المريض متوازن بالإمكان منع المضاعفات السابقة.

لكن هنالك مضاعفات أخرى شائعة قد تظهر لدى المرضى المتوازنين. هي مضاعفات متعلقة بالقلب وبالأوعية الدموية وقد تظهر في كل مراحل المرض. كل ما استمر مرض السكري لسنوات أكثر، ازدادت احتمالات حصول نوبات قلبية أو أمراض أوعية دموية أخرى. مرضى السكري أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب الناجمة عن نقص التروية وفي حالة كون المريض مدخنا ً- احتمال الإصابة يرتفع بشكل بارز.

الأدوية التي تحمي القلب والكلى
العلاج الأساسي للمرض هو الوقاية بالطبع. من أصيب بالمرض، عليه المواظبة على موازنة مستويات السكر بالدم وموازنة العوامل المسببة الأخرى التي قد تؤدي إلى أمراض القلب - الحفاظ على ضغط دم سليم، الحفاظ على مستويات صحية للدهون في الدم والإقلاع عن التدخين. ينصح بإتباع نمط حياة صحي، الحفاظ على تغذية سليمة والقيام بنشاطات بدنية بشكل منتظم.

مع كل ذلك، لا يكفي القيام بخطوات لتغيير نمط الحياة. على كل مريض البدء - منذ لحظة تشخيص المرض - بتناول علاج دوائي مخصص له. في السنوات الأخيرة تم تطوير أدوية عديدة تساعد في موازنة السكر وأيضا تعالج الأمراض المرافقة له. هذه الأدوية من نوع مثبطات SGLT 2 والتي لديها القدرة على حماية القلب والكلى. في الأبحاث التي نشرت في الآونة الأخيرة وجد أن مجموعة الأدوية هذه أظهرت فاعلية عالية بالحفاظ على استمرار وظائف الكلى، إنخفاض في الإعتلالات القلبية وإنخفاض بالإستشفاء لقصور القلب عند مرضى السكري الذين تناولوا العلاج.

في أعقاب هذه الأبحاث، قبل ما يقارب النصف سنة حصل تغيير بارز في توجيهات المنظمة الأوروبية للقلب لعلاج السكري. بحسب التوجهات الجديدة، ينصح بإعطاء المرضى أدوية من نوع مثبطات SGLT2 فور ظهور المرض (خط أول) في حالة كان المريض يعاني أيضاً من أمراض قلبية أو عرضة للإصابة بمرض كلوي. في هذه الحالات يصبح من الغير ضروري إعطاء مريض السكري أولاً الدواء القديم "ميتافورمين" أو يتم إعطائه في حبة واحدة تدمجه مع دواء SGLT2i.

طريقة عمل الأدوية من نوع مثبطات SGLT2 على الكلى والقلب غير متعلق بتأثيرها على موازنة مستويات السكر بالدم. لذلك، بالإمكان التخمين بحذر أنه بالمستقبل حتى مرضى القلب والكلى الغير مصابين بالسكري سيتمكنون من تناول هذه الأدوية التي تم تطويرها أصلاً للسكريين. على سبيل المثال في البحث الذي نشر في السنة الماضية وجد أن الدواء، "فورسيجا" (SGLT2i) المعد لمرضى السكري نوع 2، قد نجح في تقليل الإستشفاء بسبب قصور قلبي أيضا لدى مرضى القلب الغير مصابين بالسكري بنسبة 26%. بدون شك، يدور الحديث حول نقلة طبية حقيقية لملايين المرضى حول العالم.

** دكتور رياض طهَار- الكاتب هو طبيب خبير في المركز الطبي رمبام ومختص في الطب الداخلي، السكري والغدد.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com

مقالات متعلقة