الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 24 / أبريل 23:02

الهبة الشعبية وانتفاضة السود في أميركا!

خالد خليفة
نُشر: 03/06/20 17:46,  حُتلن: 23:06

لقد صُدم العالم بما يحدث في خضم هذه الأيام على الساحة الاميريكية، بحيث ان هناك مئات الآلاف من الأمريكيين من أصول افريقية يعبرون وبشكل صاخب وصارخ عن غضبهم وسخطهم من السياسات العنصرية التي ينتهجها الشارع و المؤسسة الاميريكية، ويمكن القول ان هذه الاضطرابات و المظاهرات الضخمة كانت قد بدأت في منتصف الستينات و قادها الزعيم الأمريكي من أصول افريقية "مارتن لوتر كينج" والذي حاز على جائزة نوبل للسلام عام 1964، هذا و استمرت هذه الاحتجاجات في أميركا خلال الستينات وكان اوجه في مظاهرات ديترويد وأعمال العنف العصيان المدني في قطاع السيارات، وقد نادى كينج بالمقاومة السلبية السليمة والحوار وإعطاء السود حقوقهم الشرعية في المؤسسة الاميريكية، لمواجهة سياسة العنصرية و القهر التي فرضت على السود، و انتهى هذا الصراع انذاك باغتيال زعيم حركة حقوق الإنسان مارتن لوتر كينج على ايدي متطرف عنصري ابيض في عام 1968.

و بعد اغتياله، بدأت المؤسسة الأمريكية بمحاولة تغيير النهج وسياسات ألتفرقه المفروضة على السود، وقد حصل السود في السبعينات و الثمانينات على بعض الحقوق الدستورية، ولكن الاراء المسبقة والعنصرية التي استمرت في نهج و فكر الإنسان الأبيض الأمريكي، أثرت كثيرا على استمرار ألتفرقه و العنصرية اتجاه السود في أميركا، ولم يستطع المجتمع الأمريكي بناء مجتمع مدني متكامل يستطيع توحيد كافة عناصر و فئات هذا المجتمع من شعوب واعراق تقتن في الولايات المتحدة وخاصة الامريكيين من اصل افريقي، الهسبان الصينيين، و الأسيويين .

و لم تأبه الإدارات الاميريكية المتعاقبة حتى أواخر الثمانينات في إجراء إصلاحات جذرية مدنيه لتحسين وضع الأمريكيين السود في أميركا، على الرغم من انتهاجها لسياسة " Affirmative action "،و هي سياسة التمييز الايجابي لصالح المواطنين السود و الاقليات الأخرى،بل انشغلت في سباق التسلح ومواجهة الاتحاد السوفيتي إبان الحرب الباردة .
بحيث أن تغير حقيقي لوضع الإنسان الأمريكي من أصول افريقية لم يحدث في أرض الواقع، و في عام 1992 انفجر كل شيء من جديد بعد حادثه مقتل المواطن والسائق الأسود "رودني كينج" في لوس انجلوس من قبل الشرطة الاميريكية و كان عملا مشابها لعملية القتل التي حدثت في مدينة "مينيابوليس " و أودت بحياة "جورج فلويد".
و في اغسطس 1993، سادت الولايات المتحدة، احتجاجات و عمليات عنف ضخمة للمواطنين السود في العديد من الولايات المتحدة و خاصة في جنوب غرب كاليفورنيا، بعد صدور قرار بتبرئة رجال الشرطة الذين اعدموا " رودني كينج" قبل عام .
وقد اثارت تلك الاحتجاجات ارتباك قويا في الإدارات الاميريكة،الى ان استطاع الرئيس الديمقراطي " بيل كلينتون " استيعاب هذه الهبة الشعبية الواسعة النطاق في اميركا، بحيث وعد الامريكين من أصل افريقي بتحسين احوالهم و تعزيز المساواة و ايجاد فرص عمل أكثر لهم .

ومع كل هذه السياسات الى ان الاميريكيين السود يعتبرون من الطبقات الفقيرة في المجتمع الأمريكي، و يعيشون في مدن و تجمعات مغلقة في العديد من الولايات الأمريكية، واذا كانت نسبة و معدل ممتلكات العائليه من أصل ابيض تصل الى 160 الف دولار، فأن معدل ممتلكات العائلة من أصل افريقي تصل فقط الى 10% من هذا المبلغ اي 16 الف دولار .
وهنالك 3 عناصر مركزية يمكن ان تصف وضع العلاقة بين السود و البيض في أميركا،
أ. يعمل غالبية المواطنين السود الاميريكيين في ألاعمال الغير مهنية وأعمال الخدمات و هي أعمال لا تحتاج الى درجات تعليمية عالية، بحيث أن التعليم غير متوفر بالشكل الكافي للاميريكيين من أصل افريقي،أما البيض فأن دخلهم يعتبر اعلى و يعملون في أعمال أكثر تقنية و مهنية، الامر الذي يضر عليهم دخل اكبر بكثير .
ب. ونتيجة لذلك فأن الامراض المزمنة و الغير مزمنه، تصيب المواطنين من أصل أفريقي بنسب أكبر بكثير من المواطنين البيض، وهو عدم وجود التأمين الصحي المجاني لدى الولايات المتحدة الذي يضمن سلامة المواطنين، بحيث أن سوء هذه الاوضاع الصحية والمالية و عدم ايجاد فرص عمل ملائمة يؤدي بالتالي الى انهيار وضع المواطن الأمريكي الأسود في أدنى درجات السلم المجتمع هناك .
ت . إن عشرات السنوات من ممارسات التفرقة العنصرية و المدنية والعبودية في الولايات المتحدة ضد المواطنين الاميرييكن من اصل افريقي،ساعدت على تنامي العنصرية الخفية في المجتمع الأمريكي على كافة فئاته و طوائفه،التي تبرز على السطح كسياسية عنصرية ممنهجة تمارس من مرة لمرة من قبل الشرطة، المؤسسة الحاكمة، وباقي فئات المجتمع .
و يبلغ عدد المواطنون السود في اميركا حوالي 13% من مواطني الولايات المتحدة اي 42 مليون إنسان و لكن تمثيلهم في الكونغرس و مجلس الشيوخ لا يصل إلى 2 أو 3 % على عكس اليهود مثلا، الذي تصل نسبتهم إلى 2% و يبلغ تمثيلهم في مجلس الشيوخ حوالي 14% .

وإذا كان كما قلنا نسبتهم تصل إلى 13% فأن ساكني المعتقلات و السجون من السود يصل الى40%، هذا أمر عنصري و مجحف على كافة الأصعدة ولا يوجد اي شخص في الولايات المتحدة يحاول العمل في هذا المضمار بالعمل على إقناع المؤسسة القضائية الاميريكية لوقف حدة القسوة و العنصرية مع هذه الفئة الاميريكية من أصول افريقية .
ولا توجد أي خطة أميركية لتحسين وضع المواطنين السود في أميركا، بل أن هنالك نظام رأس مالية جشع لا يهتم بالمواطن الفردي ولا تصرف الميزانيات داخليا لتحسين أوضاع هؤلاء اذا كان ذلك في المسكن، الاقتصاد او التعليم .
و قد جاءت جائحة كورونا التي دمرت و عرت النظام السياسي تحت إدارة ترامب الذي لم يستطع إيجاد اي حلول حقيقية في الولايات المتحدة في خضم هذه الأيام التي تمر بها اميركا، فمليارات الدولارات التي اقتطعها ترامب من البنك الفيدرالي سوف لن تضخ للمواطنين السود، كما ان الجهاز الإداري و البنية التحتية في وضع يرثى له و يحاول في نفس الوقت أن يقوم بمغامرات خارجية تتعلق بانتقامه من الصين متهما إياها بأنها السبب في نشرها لوباء الكورونا وفي خلاصة الأمر، و في ظل استمرار الاضطرابات و الاحتجاجات الشرسة لهذه المواطنين فيبدو ان دونالد ترامب، الرئيس المعادي لهؤلاء، و الذي يعد الرأي العام بقمعهم، لا يملك أي حلول حقيقة لمشاكله الداخلية أو الخارجية، و بقي علينا القول بأن الاضطرابات و الاحتجاجات الضخمة سوف تزداد في ظل نظام يميني فاشي لا يتجاوب و يتفهم مطالب المواطنين السود في أميركا، الأمر الذي يمكن أن يؤدي الى انتهاء حياته السياسية في نوفمبر القادم اذا استمرت هذه ألانتفاضه السوداء حتى نهاية اوكتوبر و طرده شر طرده من البيت الأبيض .

* خالد خليفة   - صحفي و محلل سياسي 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   

مقالات متعلقة