الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 18 / أبريل 17:02

نسرين سرحان وقصيدتها عن "النكبة"/ بقلم: شاكر فريد حسن

شاكر فريد حسن
نُشر: 19/05/20 09:44,  حُتلن: 12:27

يجمع الفلسطينيون أن ما حدث العام 1948 هو " نكبة "، وأن الدولة العبرية أقيمت على أنقاض أرضنا وحقنا التاريخي في فلسطين. وهذه النكبة شكلت الوعي الوطني الفلسطيني، وساهمت في بناء ذاكرة جمعية أرخ لها المثقفون والمؤرخون والمبدعون الفلسطينيون بأشكال مختلفة، منها الشعر والرواية.

وقد كتب شعراؤنا الفلسطينيون الأوائل، الذين عاشوا المأساة وعايشوا التهجير والاقتلاع من الوطن، وعاصروا النكبة التي حركت مشاعرهم وكانت بوصلتهم للتعبير عن آثارها، وما تركه هذا الحدث الموجع على الذات الفلسطينية، وكيف قلب حياة الإنسان الفلسطيني رأسًا على عقب، كتبوا الكثير من القصائد والأشعار التي تحاكي التغريبة الفلسطينية، والمعبأة بالحنين والإحساس الوطني وتورث حب الوطن للأجيال الفلسطينية المتعاقبة، وتصور الجرح الفلسطيني الغائر، وتتناول واقع التشرد واللجوء والحياة في المخيمات الفلسطينية، وتؤكد على الانتماء والهوية، ونقل تفاصيل المأساة الفلسطينية، وتعكس مشاعر الفلسطيني المعذبة، وتوقه الدائم للعودة ومعانقة شمس الحرية.

وهنالك نصوص شعرية حديثة كتبت عن النكبة والتراجيديا الفلسطينية المستمرة، وما خلفته من آثار نفسية على الوجدان الفلسطيني، وما أنتجته من اسئلة حارقة على النسق الفكري لشعبنا الفلسطيني، مثل سؤال الهوية والانتماء وفكرة الوطن.

ومن التجارب الشعرية الجديدة التي استرعت انتباهي وشدتني قصيدة للأخت والصديقة ابنة يافة الناصرة، نسرين سرحان، وهي تتعاطى كتابة الشعر منذ زمن بعيد، وكانت قد نشرت كتاباتها الشعرية الأولى في مجلة " الغد" الشبابية المحتجبة، و صحيفة " الاتحاد "، لكنها انقطعت عن النشر لفترة من الزمن، وظلت في دائرة الظل.

وهذه القصيدة كانت قد كتبتها نسرين في الذكرى الخمسين للنكبة، وتعيد نشرها في كل ذكرى للنكبة على صفحتها الشخصية في الفيسبوك. وهي قصيدة من روح روحها، تنبض بالحُب للوطن والارض والتراب وللشجر والحجر، وتزخر بالمشاعر والاحاسيس الوطنية والوجدانية، وجاءت بلغة حسية واضحة وموحية، تقول فيها :

حن الجليلُ الى النقب

يا ذلّ من عاش الهوان وانتكب

خمسون عاما في رزايا الصمت

أقهر

خمسون عاما في مرج السنابل

والرمان ابحر..

لا الدمع يكفيني لا، ولا نخل بيسان

يصبر..

يكفي نحيبا يا عرب..

هذا أوان السيف لا وقع الخطب

هذا أوان الحزم الى المخاض

هذا أوان الشد "فاشتدي زِيَمْ"

سيري على قافلة البراق

من الشام الى مصر الى العراق

من مكة الرحبة الى هاتيك الهضاب

من عهد آدم اكتحلتُ بالدماء

يكفي تعب.. لا لم يعد مجال للعتب

يكفي صخب ..يكفي صخب

ترقد القدس على جمر اللهب

لن يفك القيد غير السيف في ارض

الغضب

رفع الجليلُ هامته ونادى منتظر

الصباح

هل لاح فجر يا تباشير الصباح

هل بدا النجم في عليائه

وتململ القمر المتيم "حي على الفلاح"

رد الخليل غاضبا..

لعق الجراح في تعب

دمع النقب.. دمع النقب

دق الحجارة بالجبال

والدم سال الدم سال

ذكرتني بالجرح.. وغاب عنا

الانتصار

وغدت ذئاب الليل تنهش لحم هاتيك

الديار

يا أمة نامت على ريح الشواء على

الطرب

يا أمة هانت وما عاد الكلام سوى اللغب

مال الجليل على السواحل مكتحلا

غيم الأفق

مرنما حب القصيدة من عبق

يافا.. وحيفا

عنقاء ترقص في تعب

عنقاء تنفش في الهواء ريشها

مالت على السمراء ثم حنت

وتمنت...............ثم أهدت

قبلةْ الصُّبح الى خد الجليل

الى ثغر الخليل

الى قلب النقب

خمسون مرت

مذ مات جدي

لا شمس ولا حب ولا طيف

بأرضي......

قبره مازال " بمعلول "هناك

ارضه مازالت أملاك غائبين

اه يا زمن التائهين

هل حصد قمح ذاك الصيف؟

هل خبز عجين ذاك النهار؟

مغموس هو بالدمع بالدم بالنار

بعرق الثوار..

لا الدمع المالح ثوبي

لا القهر الرافض هويتي

لا.. لم يخمدوا في الغضب

لم يشنقوا في الأمل

لم يرحلوا من جرح خاصرتي

لم يعرفوا دمع الأرامل

لم ينظروا في عين "آمنة"

وآمنة عجوز تنتظر صباحا/غائبا

خمسون مرت على وجهها المثقل

باللهاث

لأخٍ لا تعرف حتى اليوم انه مات

لم تعرف ان العمر مرّ هباء

لم تدري ان الدمع يتحجر.. يُسكَبُ

عبثا

ينقر في الارض

يحفر أخاديد عميقة

في صخر الحلم النائم فينا

سألت عجوزاً مرة

كيف عشتم بعدها!

كيف حملتم ثقلها!

كيف حملتم وزرها!

أجابني..

وردّد معه الصدى

كانت مؤامرة

طن الصوت في المدى.....

إنها قصيدة وطنية ملتزمة نازفة متوهجة بالنكبة والتغريبة الفلسطينية، معبرة عن خلجات نفسها وروحها، وتحمل بين سطورها وحروفها الأنين والشجن والوجع والغضب في آن، وفيها الكثير من المقاربات والدلالات والمعاني العميقة والصور الشعرية المختزنة في ذاكرتها الحية المتوقدة.

ويبقى القول، نسرين سرحان شاعرة متواضعة مشرقة كالشمس على جبال الجليل، تكتب بإحساسها المرهف المولع بحب الوطن والإنسان الفلسطيني، بكل الصدق العفوي، وتعبر في نصوصها عن أساها من الواقع البائس والحالة العربية المأزومة، بلغة مدججة بالوعي المعرفي والفكر الوطني النقي والوجدان الصافي، ترافقها المعاني الرقيقة والبوح الشفاف. فلها خالص التحيات، وننتظر المزيد من نصوصها الشعرية الحارة ، التي تعكس موهبة تستحق الإشادة والاهتمام.

 موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com


مقالات متعلقة