الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 04:02

دولة القانون/ بقلم: حازم القواسمي

حازم القواسمي
نُشر: 13/05/20 17:09,  حُتلن: 21:19

ما أجمل أن يسود القانون بالتساوي على الجميع: على الوزير كما هو على الغفير، وعلى الغني والفقير، وعلى المسلم والمسيحي، وعلى العربي وغيرها من القوميات. لا فرق بين مواطن وآخر مهما اختلف دينه أو عرقه أو جنسه أو لونه. ما أجمل أن يثق المواطنون بدولتهم ونظامها القانوني وقضائها العادل. وما أروع أن تشعر أن حقك لن يضيع وأن الدولة التي وظيفتها الأساسية أن ترعى مواطنيها ستجلب لك حقك المسلوب. وما أرقى هذا الشعور حين يثق المواطن بشرطته، وبجيشه وبقضائه، أنه لو تظلّم لها أنصفته. وما أجمل أن يثق المواطن بقيادته وبنزاهة حكومته وممثليه في البرلمان.

فالتفرقة بين المواطنين وتفضيل أحد على آخر فقط لأنه ابن فلان أو لأنها ابنة علان يشيع الشعور بالظلم والفساد. وهو بالفعل ظلم وفساد. وهذا هو الحال للأسف في أغلب دولنا العربية، حيث يغيب استقلال القضاء ويتم تطبيق القانون على أناس دون آخرين. الواسطة والمحسوبية والعلاقات كفيلة بتغيير مجرى القانون وحكم القضاء، لأن سيادة القانون ليست من ركائز الدولة العربية، ولأن البرلمان الذي يجب أن يحاسب يحتاج لمن يحاسبه هو قبل غيره. القاضي يغير حكمه فقط بمكالمة من مسؤول أو وزير. والمسؤولين يرون أنفسهم أكبر من القانون، والواسطة والمحسوبيات أكبر من كل شيء. إن مجتمعاتنا العربية قبلية وعشائرية يحكمها منطق القبيلة والعشيرة قبل القانون، والأدهى أنها تتمسك بذلك وكأنه إرث مقدس، بل وتورثه لجيل بعد جيل. وهكذا توالت علينا الأيام منذ مائة عام، ونحن مكانك سر. الأقوى يأكل الضعيف لان الضعيف لا يجد قوة القانون التي تسنده وتدافع عنه. والقوي يتوغل في عنفوانه وجبروته لأنه لا يجد حكم القانون الذي يردعه. القانون في بلادنا العربية، لا يطبق إلا على الضعيف والفقير والمواطن الغلبان الذي لا حول له ولا قوة. أما القوي، وخاصة إذا كان من الحزب الحاكم، فله واسطته في البلدية، وفي الوزارة، وفي المؤسسات الصحية والتعليمية، ولا يعجز عن شيء. والمال والرشوة والهدايا كفيلة بتذليل كافة العقبات. في بلداننا العربية، حتى مخالفة السير يمكن أن تلغى إذا بتعرف شرطي. ويمكن أن تعمل في تجارة الأعضاء وتهريب المخدرات وتجلس على رأس الموائد الرمضانية مع "رجال الخير" ويتم تكريمك بالدروع والميداليات. فليس القانون وحده هو الغائب، بل ايضاً المحاسبة المجتمعية. فمن ينجح بالهروب من القضاء، ينجح أيضاً بالتسلق على أكتاف الناس بالمال والرشوة. وكأن المجتمع بتركيبته القبلية يعطي الحصانة والحماية للمتنفذين الفاسدين.

إن سيادة القانون تحمي الأقليات والفئات المستضعفة في المجتمع، ويأخذ كل ذي حقّ حقه، سواء أكانت المرأة أو الطفل أو أصحاب الاحتياجات الخاصة أو الأيتام، لأن الدولة الديمقراطية تضع القوانين الكفيلة بحمايتهم. فالدولة الديمقراطية لها مؤسساتها الاقتصادية والاجتماعية التي تعمل وفق القوانين ولا تحيد عنها. ولها مؤسساتها التشريعية التي تسن جميع قوانين الدولة، وتراعي انسجامها وعدم تغولها على الحريات الفردية. فبالإضافة لحماية الأفراد من التغوّل على بعضهم من بعض، يسعى حكم القانون إلى حماية الفرد أيضاً من تغوّل الدولة عليه. ومن يضع القوانين وينفذها، أولى بالتقيّد بها من غيره. في دولة حكم القانون يتحرر المواطن من الخوف من الدولة وأجهزتها المخابراتية، ويرى الدولة كمؤسسة خدماتية موجودة لخدمته ورعايته وإعطاؤه حقوقه. فمفهوم حقوق الإنسان لا ينفصل عن سيادة الدولة لأن كلاهما يهدف إلى ان يعيش المواطن بحرية وكرامة. لذلك، بالرغم من وجود دولاً غير ديمقراطية مثل الصين تطبق القانون بصرامة، لكنها لا تربطه عضوياً بحرية الفرد وحقوقه ولذلك يسود تغوّل الدولة وأجهزتها.

في دولة القانون للمساجين حقوقهم الكاملة داخل السجن، وعمال النظافة لهم حقوقهم الكاملة، وعمال المصانع لهم حقوقهم وتأميناتهم ومستحقاتهم فهم ليسوا عبيداً عند الاقطاعيين. حتى المواطن الذي لا يعمل في الدولة الديمقراطية له حقوقه على الدولة أن تعيله مادياً إلى أن يجد عملا يناسبه. والمسن الذي دفع الضرائب للدولة طيلة عمره وهو يعمل، له واجب على الدولة بعد سن معين أن تعيله في شيخوخته وترعى صحته ونفسيته. والقوانين، والإجراءات السليمة المبنية عليها، هي التي تضمن أن تذهب الأموال إلى مستحقيها، مباشرة إلى حسابهم في البنك، لأنها ليست منة من أحد على أحد بل هي حقوق واجبة على الدولة تجاه مواطنيها. في دولة القانون، لا داعي أن يتدخل الرئيس أو الملك كل فترة ويمن على الفئات المهمشة بفتات من عطائه وكرمه، وكأن أموال الدولة ورثها عن أبيه. إن سيادة القانون جزء لا يتجزأ من باقي المبادئ والقيم التي تحكم الدولة المدنية الديمقراطية التي تقوم على المواطنة والحقوق والحريات وتسعى إلى إرساء المساواة والعدل والعدالة الاجتماعية. وكما قال مونتيسكيو: "القانون يجب أن يكون مثل الموت الذي لا يستثني أحداً". 

القدس- 13 أيار 2020

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   

مقالات متعلقة