الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 20 / أبريل 03:01

جاسوس 566 ومحاولة جادة لاعطاء المصداقية/ بقلم: خالد خليفة

خالد خليفة
نُشر: 06/05/20 16:41,  حُتلن: 21:26

خالد حليفة في مقاله:

تحكي قصة العميل " 566" حيثيات تجنيد الجاسوس الإسرائيلي في سنوات الخمسينات للمخابرات الاسرائيليه وزرعه في دولة عربية

يدّعي البرنامج بأن شخصا مصريا كان يعمل عميلا مزدوجا مع ال CIA ومخابرات أخرى، هو الذي سهل له دخول بيروت و من ثم سوريا

ما يلفت الانتباه هو ظهور عدد من الفنانين العرب في أفلام ومسلسلات إسرائيلية كمسلسل فوضى، الذي يظهر الجانب الإنساني لعمليات المستعربين الذي يقومون باختراق المجتمع والمواطنين الفلسطينيين

جاسوس رقم 566، هي قصة العميل الإسرائيلي "أيلي كوهين"، الذي زُرع في دمشق بين الأعوام 1960-1965، تعود من جديد في دراما بثلاثة فصول تعرض في التلفزيون الاسرائيلي في خضم هذه الايام.

عرض الفصل الأول في الثالث من مايو أيار2020 في التلفزيون الإسرائيلي وكان قد عرض ايضا قبل اقل من عام في "النيتفليكس" باللغة الانجليزية، حيث حولته إسرائيل الى بطلا قوميا في عالم الجاسوسية و المخابرات لكي يعود" ايلي كوهين " من جديد على شاشة التلفزيون المحلي للجمهور الإسرائيلي.

وتحكي قصة العميل " 566" حيثيات تجنيد الجاسوس الإسرائيلي في سنوات الخمسينات للمخابرات الاسرائيليه وزرعه في دولة عربية.
و قد قدمت عائلة " كوهين " من مصر إلى فلسطين في أواخر عام 1949,وطلب منه آنذاك ان يبقى لوحده في مصر ليقوم بأعمال تخريبية هناك تتعلق بضرب مصالح بريطانيه في القاهرة من قبل مواطنين يهود مصريين , الامر الذي أدى فعلا الى ضرب العلاقات المصرية البريطانية , وقد حقق الموساد هذا الهدف آنذاك .
ولم تستطع المخابرات المصرية إلقاء القبض على " ايلي كوهين " في مصر، مع ان شكوكا كانت تحوم حوله في تلك الفترة .
و في عام 1955 قدم إلى البلاد و بطلب من المخابرات الإسرائيلية ,حيث سكن وعمل مدة قصيرة في مدينة حيفا و تزوج من " ناديا كوهين " و كان عمره 31 عاما آنذاك , و قد اقُنع و جُند ثانية للمخابرات الإسرائيلية بهدف زرعه في دولة عربية , أما الدولة المستهدفة فكانت سوريا .
بحيث بدأت أفكار الوحدة العربية و الناصرية تتعاظم في هذه الدولة، وأرادت المخابرات الإسرائيلية زرع نفوذ استخبارية في هذه الدولة على شاكلة جاسوس إسرائيلي يتخفى في المجتمع السوري ويرسل لهم نبض هذا الشارع .
هذا و أًرسل كوهين في مطلع عام 1958 إلى الأرجنتين، حيث ألقيت عليه مهمة التجسس و اختراق الجالية العربية هناك و كان له ذلك. وقد شارك في حفل للسفارة السورية في الأرجنتين بدعوة من الملحق العسكري الجينيرال أمين الحافظ، والذي أصبح لاحقا رئيسا للجمهورية العربية السورية.
و بعد ان أعطي له جواز سفر أرجنتيني، ألقيت عليه مهمة التوجه الى مصر، و من ثم الى لبنان، حيث انتظرته سيارة مزودة بآليات تجسس , و من هناك انتقل عبر الحدود البرية الى دمشق .

ويدّعي البرنامج بأن شخصا مصريا كان يعمل عميلا مزدوجا مع ال CIA ومخابرات أخرى، هو الذي سهل له دخول بيروت و من ثم سوريا،  لكي يُتهم لاحقا هذا المصري بأنه كان من وراء إفشاء سره الى السلطات السورية، حيث ان هذه القضية مليئة بكثير من الغموض.
و قد استطاع " أيلي كوهين " و الذي سمي آنذاك ب" كامل أمين ثابت ", اختراق المجتمع السوري و إظهار نفسه على انه مغترب سوري ولد و ترعرع في الأرجنتين , وقدم الى مسقط رأس أجداده سوريا , كرجل أعمال ثري في الساحة الدمشقية .
وقد استطاع " كامل أمين ثابت " التعرف على الطبقات العليا و المؤثرة في المجتمع السوري , كرجال الإعمال , السياسة , الجيش والإعلام .
ولا يعلم الكثيرين السبب الحقيقي الذي أسفر عن اعتقاله , و يحاول هذا البرنامج الإجابة على ذلك بمقابلات مع عائلته و رجال من الموساد الذين كانوا يعلمون حيثيات تشغيله آنذاك .
وقد اتهم أخيه و زوجته ناديا , بأن الموساد أفرط في استعماله , و هدفه الأساسي كان جني الأكثر من المعلومات و إبقائه في الخطر السوري هناك ولمدة طويلة , على الرغم من انه اعلم الجانب الإسرائيلي بأنه يشعر بأن خطر بدأ يداهمه في دمشق , ولكنهم قالوا له لا تأبه, و أرسلوه ثانيه إلى الموت المحقق في حبل المشنقة السورية .
لا نعلم بالضبط ما هي الفائدة الحقيقة لهذا الجاسوس في قلب الحدث السوري ,و لكنه يمكننا القول بأنه استطاع اختراق النظام السوري خلال الوحدة العربية مع مصر , بحيث كانت إسرائيل تحتاج إلى أعين و أذان في تلك الفترة في قلب العالم العربي , كما انه استطاع إعطاء معلومات للجانب الإسرائيلي عن بعض القدرات العسكرية و ألاقتصاديه لهذا النظام , كأي جاسوس أخر يزرع في دولة معادية .
أما الأمر الأخطر من كل ذلك , فأن إرسال مثل هذا الجاسوس الى سوريا في مطلع الستينات , أكد أن إسرائيل كانت تخطط بالفعل لعدوان 1967 , و الذي جاء لاحقا بعد سنتين من إعدام " أيلي كوهين" , على عكس ما تحاول إسرائيل أن تعطي الانطباع بأنها كانت هدف لعدوان ثلاثي عليها من هذه الدول.

وهنالك أمر اخر يثير الانتباه وهو تكتم الطرف السوري على كيفية تعقبه، اعتقاله وشنقه آنذاك، حيث بذلوا جهودا ضخمة كانت بعضها محلية لوجوستيكية و أقليمية دولية في القبض عليه و إعدامه لاحقا في أيار عام 1965 أي قبل 55 عاما من يومنا هذا.

وقد رفض الجانب السوري، وبشكل مطلق، أي عملية تبادل تسفر عن تسليم جثمانه الى إسرائيل مقابل أثمان باهظة عرضت على سوريا.

وتحاول أطراف إسرائيلية مجهولة في إطار هذا البرنامج أن تصور " أيلي كوهين " و بشكل درامي بطولي، حيث اقتبسوا بروتوكولات المحكمة الاستثنائية السورية كما ظهرت في صحيفة الثورة آنذاك لمحاكمة " أيلي كوهين " أمام القضاء العسكري السوري لمحاكمته ومسائلته عن عملية التجسس في سوريا، بعد ان القي القبض عليه متلبسا وهو يرسل معلومات أستخباريه بالمورس إلى إسرائيل من قلب دمشق.

هذا وقامت اسرائيل في هذه الايام باستنفار إعلاميين عرب للمشاركة في هذا البرنامج, لإعطائه صبغه عاليه من الشفافية والشرعية والمصداقية للرواية الاسرائيليه عن " أيلي كوهين "، ويعتبر صوت" فهمي فرح "وهو إعلامي عربي ذا صوت مميز قريب من اللهجة السورية , يعمل في راديو الشمس في الناصرة والذي شارك في هذا البرنامج كحاكم في المحكمة الثورية الاستثنائية السورية يحقق و يسأل " أيلي كوهين " عن عملية التجسس وحيثيات تجنيده للمخابرات الاسرائيلية، وتعتبر مشاركة فهمي فرح في هذا البرنامج بمثابة دعم يزيد من تأكيد المصداقية الإسرائيلية .

وكنت قد سألت فهمي فرح عن سبب قبوله للظهور في هذا المسلسل الإسرائيلي المجند، حيث أجاب أن الذي مثل دور " أيلي كوهين " هو أيضا عربي و يدعى " لؤي نوفي " وهو ليس صحفيا كفهمي فرح بل فنانا قام بتمثيل أفلام إسرائيلية عديدة .

وما يلفت الانتباه هو ظهور عدد من الفنانين العرب في أفلام ومسلسلات إسرائيلية كمسلسل فوضى، الذي يظهر الجانب الإنساني لعمليات المستعربين الذي يقومون باختراق المجتمع والمواطنين الفلسطينيين.
ان ظهور مثل هؤلاء العرب في هذه البرامج و الأفلام تعزز الرواية الإسرائيلية ومصداقيتها و تضعف في نفس الوقت القضية الفلسطيني او أي شأن عربي أخر، تماما كما ظهر برنامج "جاسوس 566" ومسلسل فوضى.

* خالد خليفة - صحفي ومحلل سياسي.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com     

مقالات متعلقة