الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 20 / أبريل 05:02

العالم بعد الكورونا

إما ثورة إجتماعية أو الفاشية بقلم: د. مصطفى البرغوثي

د. مصطفى البرغوثي
نُشر: 20/04/20 08:53,  حُتلن: 18:10

مثلما كشف وباء الكورونا عيوب النظام النيوليبرالي العالمي، فإنه عرى وفضح السياسات العنصرية، وأنماط التسلط والهيمنة الاقتصادية والسياسية. وأظهر الوباء قصور السياسات العالمية، في معظم دول العالم، عن توفير الموارد للصحة، والتعليم، والبحث العلمي، وجاءت فداحة الكارثة التي حلت بالبشرية جمعاء لتجرم المنظومة القائمة على قياس كل شيء بمنظار الربح الرأسمالي، مما أدى سابقا إلى إغلاق آلاف المستشفيات، وإفقار مئات مراكز البحث العلمي والجامعات، وحصر الإستثمارات فقط فيما ينتج ربحا، دون أدنى احترام لصحة الإنسان وسلامته باعتبارها الربح الأكبر للبشرية.

وقد صار مؤكدا أن كارثة الكورونا ستؤدي إلى أزمة اقتصادية عالمية غير مسبوقة، وخسارة تقدر بتريليونات الدولارات، وكساد قد يفوق الكساد العالمي الكبير عام 1929، والذي أنتج الفاشية، والنازية، والحرب العالمية الثانية. كل ما جرى يؤكد الحاجة إلى ثورة إجتماعية عالمية شاملة تعيد توجيه مسار البشرية، نحو العدالة الاجتماعية، وتطوير المؤسسات والقدرات الصحية، ومراكز البحث العلمي. ثورة تعيد هيكلة النظام الاقتصادي العالمي بما يوقف تلوث البيئة، ويكرس الموارد للوقاية من أي أوبئة أو كوارث طبيعية محتملة.

ومثلما اجتاح وباء الكورونا العالم، دون إعتبار لحدود، أو جدران أو حواجز، فإن مواجهة آثاره لا يمكن أن تُحصر في بلد أو بلدان، بل لا بد أن تكون عالمية في عصر صارت معه البشرية تعيش في قرية عالمية اسمها الكرة الأرضية. لكن يخطىء من يظن أن القوى الاستغلالية، والعنصرية، والاستعمارية ستستسلم للتغيير بسهولة، ولا شك أنها ستحاول استخدام كل قوة ممكنة للحفاظ على مصالحها الأنانية.

وهل هناك دليل على ذلك أفضل من سلوك دونالد ترامب الذي ارتكب خطيئة تجاه شعبه، بتجاهل تحذيرات الخبراء والأطباء من إنتشار وباء الكورونا، وتقاعسه عن القيام بالإجراءات الوقائية نزولا عند أطماع داعميه من كبار الاحتكاريين. وبدل أن يعترف بأخطائه، يواصل بإسلوب هستيري، البحث عن أكباش فداء لإلقاء اللوم عليها، بموت آلاف الأمريكيين وإصابة مئات الآلاف بالوباء. فمن مهاجمة الصين وتسمية وباء الكورونا بالفيروس الصيني، إلى مهاجمة حكام ولاياته، إلى تحريض الناس بأسلوب شعبوي ضد إجراءات الوقاية الصحية، وأخيرا الهجوم على منظمة الصحة العالمية، و ارتكاب أم الخطايا بقطع التمويل عنها، في وقت تقود فيه المواجهة العالمية لوباء الكورونا.

وهذا الإتجاه الخطير يمكن بسهولة أن يتحول نحو الفاشية لحماية مصالحه كما جرى في ثلاثينات القرن الماضي. لن تستطيع قوى التغيير لصالح البشرية والإنسانية أن تواجه وتنتصر على غوغائية و شعبوية ترامب وأمثاله، إلا بتنظيم نفسها شعبيا وسياسيا، وتبني نهج تغيير ثوري وجذري. ولن يستطيع شباب وشابات العالم أن يحموا مستقبلهم و إنسانيتهم، من توحش النيوليبرالية ومخاطر الفاشية، إلا إذا انخرطوا في حركات اجتماعية، وتنظيمات سياسية تكافح من أجل مستقبل أفضل للبشرية.

أخطأت البشرية خطأ فادحا عندما تسامحت مع صعود النازية بعد الأزمة العالمية عام 1929، فدفعت ثمنا باهظا بمقتل خمسة وثمانين مليون إنسان، وتدمير آلاف المدن والقرى خلال الحرب العالمية الثانية. ولا يجوز أبدا التقليل من إحتمالات ظهور نزعات فاشية خطيرة، فبوادر ذلك كانت واضحة في تصاعد الشعبوية والتطرف العنصري البغيض في الولايات المتحدة، وعدد من البلدان الأوروبية، وفي تعاظم ظواهر كره الأجانب، واللاجئين، والمهاجرين، وفي التسامح مع ظهور نظام أبرتهايد عنصري جديد على يد حكام إسرائيل. ليس أمام العالم بعد جائحة الكورونا إلا واحد من طريقين، إما ثورة اجتماعية تحقق العدالة الإجتماعية والإنسانية، أو مواجهة خطر صعود الفاشية من جديد.  

**د. مصطفى البرغوثي -الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   

مقالات متعلقة