الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 19:01

المدرسة العسكرية تُعلم الإلتزام والإنضباط وتكتيك القتال ولا تعلم فن السياسة

محمد محاميد

محمد محاميد
نُشر: 27/03/20 07:56,  حُتلن: 13:06

محمد محاميد في مقاله:

أي قارئ للحلبة السياسية في البلاد فهم الصورة بوضوح حتى وإن كان مِن عداد المبتدئين فبالتأكيد أن داهية ساسة إسرائيل المعاصرين بنيامين ناتنياهو أدرك تفاصيل الخارطة الجديدة التي فرضتها إنتخابات اذار الأخيرة!

الفخ الذي أعده بنيامين ناتنياهو لبنيامين جانتس - اليساري الضعيف المتكئ على القائمة المشتركة الذي لا يحافظ على حصانة هاتفه الخاص - كما وصفه ناتنياهو خلال الفترة الماضية، كان يا سادة يا كِرام فخ "الكورونا"، نعم قد لاحظ الجميع إهتمام ناتنياهو المفرط بجائحة الكورونا بل وإدارته المباشرة لملف مكافحة انتشار الوباء في البلاد

بعيدا عن صلب موضوع مقالي هذا ولكني اخترت هذه المقدمة لتكون مدخلا افتتح به هذا المقال، لا يختلف عاقلان بأن أحد أهم أسباب فشل أنظمة الحكم في العالم الثالث وتردي أوضاعها الإجتماعية والسياسية والأقتصادية والعسكرية والثقافية والعلمية.. هو الفساد المستشري في أجهزتها الحكومية المتآكلة والمهترئة، وفي معظم تلك النماذج سيئة السمعة والصيت نجد المؤسسة العسكرية تشكل درعا وسيفا لحماية عصابات الطغاة ومصاصي دماء الشعوب وناهبي ثروات البلاد.

بل وفي بعضها نجد ذوي البزات العسكرية هم من يتقلدون زمام الحكم عبر إنقلابات عسكرية مقيتة سواء سُفكت فيها الدماء ام حُقنت او حركتها الأطماع الشخصية ام الوصايات الدولية فالنتيجة كانت على الأرجح واحدة، نظام حكم شمولي فاشل لأبعد الحدود لا يفقه من أمور الحكم سوا إلزام الشعب على الطاعة العمياء وإقصاء كل صوت منتقد يدعو للإصلاح تماما كما في اروقة العسكر!، وبالتالي نجد أصوات حرة كثيرة تندد بحكم الجنرالات للحياة المدنية لأن فضائها اوسع من أن تضبطه العقلية العسكرية مع تشكيل هذا العنصر لعصب مركزي ومهم في حياة الأمم والدول!.

نعود إلى موضوع هذا المقال، صحيح أن معظم قادة إسرائيل كانوا مِن خريجين المؤسسة العسكرية وذلك لخصوصية "دولة الجيش"، ولكن مِن الجدير ذِكره أن هذه المؤسسة العسكرية كغيرها تُعلم الإلتزام والإنضباط وفنون القتال والحروب المختلفة ولا تعلم فن السياسية!!، ولا ننكر أنها خرجت ساسة ذوي حنكة سياسية عالية جدا - مع إختلافنا معهم - اكتسبوها بالفطرة ونموها بشكل سليم اثناء توليهم لمواقع قيادية لتلك المؤسسة العسكرية!، ولكن من المؤكد أن بنيامين "بيني" جانتس لا ينتمي إلى تلك الكوكبة التي شكلت ملامح هذه البلاد!.

الجنرال بيني جانتس رغما عن إنفصال اورلي ليفي من حزب "جيشر" عن تحالف حزبيّ "العمل وميرتس" واتخاذها من اليمين قِبلة، وتهديدات تسفي هاوزر ويوعاز هندل من تحالف أزرق وأبيض الذي يرأسه جانتس نفسه بعدم تصويتهما لصالح أي حكومة مدعومة من القائمة المشتركة، فكان الجنرال لا يزال يمتلك الأغلبية التي تؤهله لسن وتجميد وإلغاء كل قانون يريده بما في ذلك القضاء على إمكانية أن يكون بنيامين "بيبي" ناتنياهو رئيسا للحكومة وذلك بسن قانون يحظر على أي عضو كنيست صدرت بحقه لائحة إتهام من النيابة أن يترأس الوزراء في دولة إسرائيل!، بالإضافة إلى قدرته على تكوين حكومة ضيقة يرئسها بنفسه!.

كما أن أي قارئ للحلبة السياسية في البلاد فهم الصورة بوضوح حتى وإن كان مِن عداد المبتدئين فبالتأكيد أن داهية ساسة إسرائيل المعاصرين بنيامين ناتنياهو أدرك تفاصيل الخارطة الجديدة التي فرضتها إنتخابات اذار الأخيرة!، لذلك استغل ناتنياهو موهبته العنكبوتية بنصب الفخاخ لخصومه ومنافسيه والتي علق بشباكها جميع امراء الليكود الذين نافسوه على صدارة الليكود في بداية حياته السياسية وحتى اليوم "كدافيد ليفي، دان مريدور، بيني بيجن، موشي فيجلين، وجدعون ساعر، والقائمة صدقا تطول.."، وكذلك خصومه من الأحزاب الأخرى وأشهرهم "ايهود باراك، شائول موفاز، تسيبي ليفني.." الذين لا نجد لهم أي أثر في أدنى واقع الحياة السياسية في البلاد سوا تغريدات على التويتر وتصريحات لا وزن حقيقي لها هنا وهناك!.

الفخ الذي أعده بنيامين ناتنياهو لبنيامين جانتس - اليساري الضعيف المتكئ على القائمة المشتركة الذي لا يحافظ على حصانة هاتفه الخاص - كما وصفه ناتنياهو خلال الفترة الماضية، كان يا سادة يا كِرام فخ "الكورونا"، نعم قد لاحظ الجميع إهتمام ناتنياهو المفرط بجائحة الكورونا بل وإدارته المباشرة لملف مكافحة انتشار الوباء في البلاد، وعقده للمؤتمرات الصحفية اليومية التي كان يوجه الجمهور خلالها وحالة الهلع والفزع التي كان يبثها بخطابه والتي لا تنسجم بنسبة مرتفعة مع سياسة إدارته للأزمة على أرض الواقع!!!، بل وأتبع كل ذلك بتسويقه لفكرة إقامة "حكومة طوائ وطنية" تدير أزمة الكورونا المصيرية الوجودية!.

الجنرال جانتس ذلك المبتدئ سياسيا القادم من أعلى مكتب في قاعدة الكيريّا العسكرية تعرض كجميع المواطنين إلى حملة غسيل الدماغ النتانياهوية التي كانت بمثابة المطرقة مِن جهة ومن جِهة أخرى سِندان تمرد النزر القليل في معسكره وتحدث استطلاعات الرأي عن انخفاض شعبيته نظرا لإخلافه وعده لجمهوره خلال الحملة الإنتخابية الأخيرة بأنه لن يجلس مع القائمة المشتركة!، وبينما هو مضغوط بين ذلك وذاك سار كالمخمور إلى مقصلة ناتنياهو "حكومة الطوارئ الوطنية"، وبذلك اخلف وعدا آخر قطعه على نفسه امام جمهور ناخبيه بأن لا يجلس في إئتلاف يقوده ناتنياهو الذي تلاحقه لوائح إتهام!.

السؤال الآن لماذا ناتنياهو اصر بأن يذهب إلى حكومة طوارئ وطنية ولم يذهب إلى جولة انتخابية رابعة؟، والتي على الأرجح ستحقق كتلة اليمين فيها اغلبية بسيطة تسمح لها بتشكيل حكومة بعد فقدان ازرق وابيض لنسبة ليست بسيطة من جمهور ناخبيهم عقب تخبط جانتس وإخلافه لوعوده!، لهذا السؤال إجابات كثيرة كلها تصب لصالح ناتنياهو وضد جانتس سأضع ثلاثة منها هنا!.

السبب الأول: أي حكومة طوارئ وطنية ستقام في هذه الفترة ستكون مُلزمة للعمل وفق منظومة تكنوقراطية يصيغ فصولها ذوي الإختصاص بالمجالات الطبية والأمنية والإقتصادية... وإن كانت تلك الشخصيات السياسية تتبوأ المناصب الوزارية الرفيعة، لكنها بحقيقة الأمر مقيدة بتوصيات المختصين، وسبق لجانتس ان صرح سابقا بأنه سيدعم كل خطوة لناتنياهو تهدف لمكافحة تفشي الكورونا!، وهنا جرد ناتنياهو الجميع من التأثير الحقيقي على صن القرار.

السبب الثاني: ناتنياهو ضمن وفق اتفاقية التناوب على رئاسة الوزراء مع جانتس أن يتولى رئاسة الوزراء اولا، وهنا ناتنياهو اصتاد عصفوران بحجر، الاول لو كان جانتس الاول لما استطاع قانونيا نانتياهو من تولي أي حقيبة وزارية لأن القانون يمنعه كمدان بلائحة اتهام من ذلك!، والثاني حال فقدت السيطرة على تحجيم انتشار وباء الكورونا سيتحمل الجميع مسؤولية تلك الكارثة الوطنية!، ولن يحملها ناتنياهو وفريقه الذين اهملوا ملف الصحة منذ اكثر من عقد من الزمن!.

السبب الثالث: السياسات الإحترازية المتصاعدة لتحجيم الكورونا التي ينتهجها ناتنياهو من إغلاق للمدارس وتعطيل مرافق الحياة في البلاد بما في ذلك المطار ولاحقا حظر التجول فهي أشبه ما يكون بالحكم العسكري، وهنا قد ينفع دور الجنرالات كجانتس واشكنازي..، وفي ظل "الحكم العسكري" ونزول الكتائب العسكرية إلى الشارع ووجود حكومة الطوارئ الوطنية لن يجرئ احد على الحديث عن رئيس وزراء تلاحقه لوائح اتهام!، وهنا ببساطة تُأجل محاكمة ناتنياهو بالملفات الثلاث إلى نصف عام!، وخلال هذه الفترة يخلق الله ما لا تعلمون، كتغيير المستشار القضائي للحكومة تبديل طواقم التحقيق القضاة فمنهم من سيخرج تقاعد ومنهم من ستلصق به اتهامات ويُبعد ومنهم من سيوضع بالحجر الصحي مع مرضى الكورونا...

وهكذا يتخلص ناتنياهو من مِحنته القضائية ومن جانتس المنافس الابرز خلال العقد الأخير لنتانياهو ويتوج نفسه كملك لإسرائيل كما تُحب جماهير الليكود ان تهتف له: "بيبي ملك إسرائيل حيّ حيّ وقائم!"، وأما جانتس فإنه بالرغم من درجاته العسكرية لم يتعلم الإتزام بالوعود والخط والإنضباط عند مواجهة الأزمات وحتى فنون المناورة القتالية لم يستخدمها لا كلاميا ولا تكتيكيا عوضا عن جهله بفن السياسة، فهو اليوم طرق المسمار الأخير بنعشه سياسيا، وبالعامية: "تعوا قابلوني إذا ناتنياهو وكتلة اليمين اوفوا بعهدهم وسمحوا للجنرال المبتدئ سياسيا جانتس بأن يترأس الحكومة بعد عام ونصف!".

يافا

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   

مقالات متعلقة