الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 06:01

التضارب بين حقوق الإنسان وكيفيّة الموازنة بينها في ظلّ أزمة الكورونا

المحامية رغدة عوّاد

المحامية رغدة عوّاد
نُشر: 18/03/20 14:18,  حُتلن: 18:55

المحاميّة رغدة عوّاد في مقالها:

يُسمّى هذا الوضع في لسان القانون تضارب في الحقوق أو تضارب في المصالح، بمعنى أنّ ممارسة أو حماية أحد الحقوق لدى الطّرف الأوّل سيحدّ من ممارسة الحقّ الآخر والمسّ به لدى الطّرف الثّاني

في ظلّ أزمة فيروس كورونا الّتي اجتاحت العالم، وإلى جانب تعليمات وزارة الصّحة الّتي تسعى إلى الحدّ من تعرّض المواطنين لمخاطر انتقال العدوى فيما بينهم، نشهد انتهاكًا لبعض حقوق الإنسان والحرّيّات، كحرّيّة التّنقّل وحرّيّة العمل نتيجة العزل الصّحيّ، والحقّ في الخصوصيّة إثر المراقبة التّكنولوجيّة من قبل أجهزة المخابرات، والإعلان عن تفاصيل البرامج اليوميّة للمرضى، إضافةً إلى انتهاك الحقوق الماليّة، الاجتماعيّة وغيرها من الحقوق للمواطنين. وتحدث جميع هذه الانتهاكات في حين تحاول الجهات ذات الصّلة الحفاظ على الحقّ في الحياة لعامّة المواطنين أو على حماية المصلحة العامّة الّتي تتمثّل في هذا الصّدد بصحّة وسلامة المواطنين.

ويُسمّى هذا الوضع في لسان القانون تضارب في الحقوق أو تضارب في المصالح، بمعنى أنّ ممارسة أو حماية أحد الحقوق لدى الطّرف الأوّل سيحدّ من ممارسة الحقّ الآخر والمسّ به لدى الطّرف الثّاني.

وهذا ما يُثبت أنّ حقوق الإنسان والحقوق المدنيّة ليست حقوقًا مطلقة، بل هي حقوق نسبيّة، قد تنبع الحاجة في بعض الأحيان لتقييدها والمسّ بها؛ من أجل حماية حقوق أخرى. ويشكّل هذا التّضارب معضلة لا بأس بها فيما يتعلّق بحقوق الإنسان والحقوق المدنيّة. وفي حالة كهذه، تلجأ الجهات المسؤولة لإجراء موازنة قانونيّة بين الحقوق المتضاربة، وتعتبر هذه الموازنة أداة لحلّ النّزاعات القانونيّة.
وقد يأتي هذا التّضارب على عدّة أشكال، ففي حال وجود تضارب بين حقوق الإنسان المختلفة، على سبيل المثال: بين الحقّ في حرية التّنقل لدى أحدهم والحقّ في الحياة لدى آخر، يُسمّى هذا التّضارب بالتّضارب "الدّاخليّ"، وفي هذه الحالة فالتّوازن المطلوب بين الحقوق هو توازن " داخليّ" أو " أفقيّ"، ووفق هذا التّوازن؛ يجب تحديد درجة التّنازل المتبادل الّتي يقتضيها كلّ من الحقوق المتضاربة من أجل تمكين وجودهم المشترك، لكونهم حقّان يملكان نفس المستوى من الأهمّيّة.
بالمقابل، عندما يكون التّضارب بين حقّ من حقوق الإنسان وبين المصلحة العامّة، فإنّ التّضارب يُسمّى بالتّضارب " الخارجيّ"، والنّهج المقبول للتّوازن بينهما هو توازن "خارجيّ" أو " عاموديّ". ففي هذه الحالة، عند التّأكّد من وجود ضرر حقيقيّ للمصلحة العامّة أو وجود احتمال كبير لذلك، فالوجه الأنسب هو حماية المصلحة العامّة على حساب حماية الحقّ الإنساني او المدنيّ، وبهذا الشّكل يكون انتهاك الحقّ وتقييده مبررًّا من أجل منع حدوث انتهاك أكثر خطورة يهدّد المصلحة العامّة.
وأقرب مثال على ذلك، هو ما يحدث في أيّامنا هذه، فالتّضارب بين الحقّ في التّنقّل، وهو الذي يتمّ انتهاكه بفرض الحجر الصّحيّ على العائدين من السّفر وغيرهم، وبين المصلحة العامّة في حماية الجمهور من التّعرّض لخطر العدوى وضمان سلامتهم، يظهر جليًّا تفوّق المصلحة العامّة على الحقّ في التّنقل، لِذا يسمح بفرض الحجر الصّحيّ رغم انتهاكه لحقّ التّنقّل وحقوق أخرى كحقوقّ أساسيةّ.
يجسّد القانون الدّستوريّ القيم والمبادئ الأساسيّة للنّظام، والّتي تتطلّب إعطاء قرار حاسم بشأن التّضارب بين المصالح والقيم والحقوق. وغالبًا ما يكون هذا التّضارب بين مصالح أو حقوق أساسيّة والّتي يمتاز كلّ منها بأهمّيّة عظمى. لذا؛ يتمّ تسوية التّضارب عن طريق موازنة القيم المتنافسة، حيث يكون لكلّ عامل منافس وزنه النّسبيّ وأهمّيّته، ولذلك يتمّ اتّخاذ القرار على أساس القيمة النّسبيّة للقيم المتضاربة فيما بينها. فمن الطّبيعيّ أن يكون هناك مبادئ ذات أهمّيّة كبرى وأخرى ذات أهمّيّة أقلّ. مثال على ذلك، فيما يتعلّق بالانتهاكات الحاليّة، وعلى إثر انتشار فيروس كورونا، تظهر أهمّيّة ووزن الحق في الحياة أو سلامة المواطنين والّتي تفوق أهمّيّة الحقّ في التّنقل والخصوصيّة.
ولكن ممّا لا شكّ فيه، أنّ هناك صعوبة أساسيّة تصاحب هذا التّفكير الدّستوريّ والّذي يتلخّص بكيفيّة ضمان المعايير الموضوعيّة للتّسوية بين المبادئ المتضاربة، فانتهاك حقوق إنسانيّة وإعطاء حقّ معيّن لو مصلحة وزنًا وأهمّيّة على حساب حقّ آخر، ليس بالقرار السّهل، ويجب أن تعكس هذه الموازنة التّوافق الاجتماعيّ، لا التّصوّرات الذّاتيّة للفقيه الدّستوري، ولا مصالح متخذي القرارات الشخصية.

وكما في حالة الطّوارئ الأمنيّة، كذلك في حالات الطّوارئ الطّبّيّة، يجب أن تتم محاربة فيروس كورونا مع الأخذ بالحسبان التّقليل من انتهاك حقوق المواطنين، من خلال اتّخاذ قرارات تمسّ بالحدّ الأدنى في الحقوق الإنسانية الفرديّة، التي تخدم مصلحة المواطنين وفقط هم، إضافةً إلى اتّخاذ تدابير حكيمة لتعويض المواطنين عن الضّرر النّاتج جرّاء المس في حقوقهم المختلفة، لذلك يجب مطالبة الدّولة والجهات ذات الصّلة والّتي لها تأثير على الموازنة المطلوبة باتّخاذ التّدابير اللّازمة وتعويض المواطنين معنويًّا ومادّيًّا.
وفي نهاية مقالي هذا، لا يخفى على أحد أنّنا نمرّ بأزمة عالميّة لها تأثيرها على جميع مناحي الحياة، سواء على الصّعيد الشّخصيّ للأفراد أو على الصّعيد العالميّ، لِذا فالبشريّة جمعاء مطالبة بالمسؤوليّة المجتمعيّة وإظهار التّعاون فيما بينها.
 

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   

مقالات متعلقة