الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 16 / أبريل 12:01

نصائح من تجربة السجن للتعامل مع زمن الكورونا - بقلم: أمير مخول

أمير مخول
نُشر: 15/03/20 11:27,  حُتلن: 13:37

1. لست معالجا نفسيا أو اجتماعيا، وليست المهنية هي الموضوع هنا بل أتركها لصاحباتها وأصحابها، وإنما ما أملكه هو التجربة من واقع الإغلاق المتواصل ودروسه. انها تجربة مستقاة منسنوات السجن التسع حيث اللا-حيّز هو الحيز واللا-مكان هو المكان وحيث لا وسائل ترفيه ومنع متواصل من استعمال الهواتف ووسائل التواصل الاجتماعي التي تشكل وسيلة للتواصل ومنفسا وامكانية لقضاء الوقت. والحاجة لملء الوقت بالقيمة والمعنى واستحداث وسائل وسبل لتقضية الوقت بشكل ايجابي وليس العيش بالفراغ الدائم. كي لا يملؤنا الفراغ بالفراغ بل أن نعطي المرحلة معان جديدة تثري حياتنا الجماعية وحيواتنا الفردية.

2. شكّلت الحياة الاعتقالية الجماعية لثمانية أشخاص في زنزانه لا تتعدى مساحتها 22 مترا مربعا ومغلقة لأيام طويلة، نموذجا للعيش مع الازمات والضيق وحالة الطواريء القسرية التي تتطلب انضباطا جماعيا لتحقيق هدف. كما وبنظرة الى الوراء فإنها قد تساعدنا في الايام والاسابيع القادمة على التأقلم لواقع متغيّر بتسارع هائل حاملا الغموض والخوف والقلق الى أن ينقشع. وقد ولّد واقع كهذا نماذج جماعية وفردية لمواجهته وللحفاظ على الذات من إسقاطاته، إنه واقع قد نعرف جزءا من بدايته لكنا لا نعرف الى اين سيؤول بنا، وفيما اذا كنا سنعود بعده الى النقطة التي انقطعنا عنها أم الى واقع جديد مختلف تماما لا ندرك ماهيته.

3. السجن هو حالة إغلاق قسري قهري متواصل، وهناك الاغلاق داخل الاغلاق في حالات الطواريء التي كان يعلنها السجان، والحديث هنا عن تولّد توترات داخلية مردّها الى الحالة. في مكان مغلق بما فيه البيت قد تولّد الاغلاقات توترات نتاج المزاج العام وكذلك نتاج اهتمامات وأنماط سلوكية متنوعة ومختلفة داخل الاسرة الواردة. كما وكانت حاضنة للأُلفة والاستفادة والافادة. البيت ليس سجنا ولا يشبه السجن، لكن الاستعارة هنا من حالات الاغلاق في السجون من شأنها أن تفيدنا.

4. المكوث في البيت او الحجر الصحي لفترة متواصلة سواء أيام أو أكثر بما فيها من تغيير حاد لنمط الحياة، قد تؤثر على حياة الفرد بشكل حاد، ومنها من يخرج أكثر متانة وقوة تحمل وصبر على الصعاب، ومنها من يخرج وقد تآكلت فيه الارادة والضبط الذاتي، ومنها من يتعلم ان الضبط الذاتي والجماعي هما شرط مسبق في تحقيق الاهداف.

5. قوة التحمّل والصبر بين بني البشر ليست متساوية ولا متشابهة، بل انها متفاوتة، وهذا ينعكس في القدرة على الانضباط، والقيام بجهد ذهني وشعوري لضمان الاستفادة من الواقع المقيت.

6. ضرورة التعامل مع وضع الطواريء بالقناعة بأنه واقع لا يمكن تجاوزه بل ينبغي التسليم بوجودة وملاءمة النفس لمتطلباته..

7. التعامل مع الانفعالات والانزعاج او الغضب الذي تنتجه حالة الضيق والالتباس والمجهول، كشعور طبيعي، وحين ندرك السبب نرتاح لكون الامور خارج ارادتنا.

8. بلورة نمط حياة طارئة قائمة على نظام ذاتي يومي منضبط، ويشمل ذلك اهتمامات غير مألوفة بما فيها ممارسة الرياضة داخل البيت في ساعة معينة، تقاسم الحيّز المغلق مع الآخرين بالتساوي والانضباط في توزيع المؤن على فترة زمنية وفقا للتطورات، والاعتياد على تقليص التنويعة والحد من الاستهلاك كمّا ونوعاّ. يضاف الى ذلك الإدراك بتوقف مناحي واسعة من الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والخدماتية.

9. الانتباه دائما الى كون الواقع المقيت مؤقت، ففي ذلك فسحة أمل تجعلنا قادرين وقادرات على تحمله، وهذا الأمل بغدٍ أفضل من شأنه ان يشحننا بطاقات ايجابية تعزز الصبر والقدرة على التحمل. انه امتحان ذاتي للذات يعزز من بلورة الشخصية وتقويتها.

10. في واقع مقيت ومغلق وقسري كهذا فإن هناك امكانية للانسان او الانسانة وحسب الاهتمامات الشخصية، وضع خطة للاستفادة القصوى من الوقت، وهذا الوقت ثمين وهو أثمن ما نملك في مثل هذه الحالات بعد الحفاظ على الصحة الجسدية والنفسية، والتعامل الايجابي مع ذواتنا ومع محيطنا.

11. الإدراك بأن الحالة الطارئة تنعكس على نمط حياة كل الناس، وأن كل الناس تعاني من الضغط الجماعي والفردي وأن التزامنا الفردي هو حصّتنا من تقاسم العبء الجماعي في ميحطنا وفي العالم أجمع. وهذا من شأنه ان يخفف عن كل فرد منا.

12. الاقامة المغلقة لفترة قد تكون تهلكة وتآكل النفس والتوازن الشخصي، وقد تكون فرصة للابداع في التدعيم المتبادل وفي الاستفادة من التجربة الجماعية والتجارب الفردية.

13. يستطيع الانسان ان يستغل الوضع القسري كي يقوم بامتحان نفسه وقدرته على الاحتمال، وعلى كيفية الاستفادة من حالة الفراغ المتداخل بالضيق. وحين كنت أسأل السؤالفي السجن: لماذا هذا الشعور؟ ففي الاجابة الذاتية والتفتيش عن المسببات نجد أن المشكلة ليست فينا كأفراد، بل بواقع قسري وبحالة طارئة خطيرة لا يزال المجهول يكتنفها الى حد كبير.

14. قال لنا التاريخ: "وخير جليسٍ في الزمان كتابُ"، ولدينا الكتاب ولدينا كمٌّ هائل من مصادر المعرفة والأدب والثقافة والعلوم والعقيدة بحيث يستطيع كلٌّ حسب اهتماماته او اهتماماتها ايجاد فرصة نادرة تغني الروح وتنعشها رغم ضيق الحال. وليس مثل القراءة والكتابة والابداع الفني والتعبير عن الذات. كل هذا الى جانب تقاسم الهمّ المشترك والمسؤولية الجماعية وتقاسم العمل.

مقالات متعلقة