الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 13:01

المدير الغرير/ قصة: ناجي ظاهر

ناجي ظاهر
نُشر: 04/01/20 10:25,  حُتلن: 20:49

بعد الوفاة المفاجئة لمدير مؤسستنا بثلاثة ايام فقط، قامت الجهات المسؤولة بتعيين مدير جديد، فهمنا انه صاحب حول وطول في الادارة وفنونها، وقد سبقه اسمه الى المؤسسة، لهذا ما ان دخلها حتى استقبلناه بنوع مميز من الاحترام والتعظيم، الا انه شرع بالتفرس فينا واحدًا تلو الآخر، وما ان وصل بنظره إلى آخر الموظفين، وكان بالصدفة انا، حتى صفّق بكلتا يديه قائلا لنا والآن هيا الى العمل... وليغلق كل منكم باب غرفته وراءه ليعمل برأس هادئة. 


ما أن انصرف كل منا متوجهًا إلى عمله، حتى راح يتنقل من باب الى اخر، كأنما هو يريد ان يطمئن على سيرورة العمل، وصادف ان الحت علي الحاجة ففتحت باب غرفتي وخرجت متوجها الى الحمام القريب منها. ارسل نحوى نظرة فهمت منها انه يريد ان يقول لي شيئا غير انه لم يقل. دخلت الحمام، وانا افكر في نظرته تلك، فهل هو يريد مني شيئا؟ هل يريد ان يسألني عن المدير السابق مثلا؟ ام اراد ان يستفسر عن موضوع ما، وما ان كدت انسى نظرته تلك الي، وخرجت من الحمام، حتى فوجئت به ينتظرني في نفس الموقع والزاوية، لا انكر ان موجة أخرى من التساؤل قد اجتاحتني حينها، وشعرت بمجموعة من الاسئلة تداهمني هذه المرة.. فماذا يريد مني؟ ولماذا انا بالذات؟ ما ان حاولت ان اتجاوز كل هذه التساؤلات، واتوجه الى غرفتي، حتى استمعت الى نحنحته الخفيفة. نظرت اليه فأشار الي براسه موحيا الي بان اتبعه الى غرفته. في الغرفة اتخذ مجلسه جاعصا على كرسي المدير السابق.. ونفث دخان سيجارته ناظرا الى البعيد.
-هل تعرف مما مات المدير السابق. سألني.
-لعلك تعرف انه عانى في سنواته الاخيرة من المرض العضال. اجبت.
- هل انت متأكد من هذا؟ عاد يسالني.
-هذا ما استمعت اليه.. وما كتبته في نعيه الهيئة الادارية العامة. اجبته.
بعدها جرى بيننا حديث طويل، يمكن تلخيصه بان العمل الاداري، يحتاج في فترتنا الراهنة، الى برود اعصاب، وان مدير المؤسسة، اية مؤسسة يحتاج الى من يساعده ويسانده في عمله، والا اصابه ما اصاب المدير السابق، لا يُستثنى من هذا مدير شاب او كهل. واقترح علي المدير، قائلا بيني وبينك مشددا عليها، اقترح ان اتعاون معه لتأتي ادارته اكثر صحة ونجاعة. وعدت مديرنا الجديد خيرا وان لم اشعر بأي خير، وخرجت من غرفته بشعور غير مريح، فماذا اراد بطلبه مني ان اتعاون معه.. الخ..؟ هل ارادني ان اكون نائبا له مثلا؟ واذا اراد هذا، لماذا لم يقم بتعييني رسميا، بل لماذا اختارني انا من بين جميع الاخوة الموظفين وبينهم من هم اقدم مني واعرف مني؟
لم انم تلك الليلة وبقيت واضعا رأسي بين يدي واتساءل، وكان ان توصلت إلى أنه إنما ارادني أن اكون عينًا على زملائي في الوظيفة.. واخواني في العمل، عندما توصلت الى هذه النتيجة قلت لنفسي، لن اكون متعاونا معه ولن اخبره باي شيء عن زملائي واخواني. نقطة.. وانتهى الامر قبل ان يبدا.

في الايام التالية نسيت، والحقيقة تناسيت دعوة المدير تلك لي، وبعد حوالي الشهر، ابتدأ لدي شعور غير مريح، فنحن في المؤسسة، لم نعد زملاء الوظيفة واخوان العمل، مثلما كنا في فترة المدير السابق، كما ابتدأ شيء من سوء التفاهم يظهر هنا او هناك بين موظفي المؤسسة ومستخدميها، بل انني شعرت ان هناك من بات يستعلي على سواه، وان ما كان في الامس.. لم يعد له اليوم.. اي وجود او اثر. بل ان الامر تفاقم اكثر فاكثر، وابتدأنا اول مرة في تاريخ المؤسسة نفاجأ.. نلمس ونشهد مكاتيب الفصل واستجلاب موظفين جدد بدل قدم.. وهو ما لم يحدث طوال فترة مديرنا السابق رحمه الله، وما ان تم فصل الموظفين الثلاثة الاوائل، حتى ابتدأنا نحن الموظفين القُدم في التساؤل عن سبب كل هذه التغيرات الوافدة، الامر الذي دفعنا للتفكير في مستقبلنا العملي، فاذا كان بعض منا يتساقط من عمله مثلما تتساقط اوراق الخريف، فلا بد ان يلحقنا الدور، ان عاجلا وان اجلا، وماذا علينا ان نفعل والحالة هذه؟ علينا ايها الاخوة ان نتنظم، هكذا ابتدأنا بالتنظم، غير ان ما حصل في لقائنا التنظيمي الاول، هو اننا وجدنا انفسنا منقسمين الى مجموعتين، إحداهما راضية تمام الرضا بالوضع وترى انه يتماشى مع مستجدات الحياة الحديثة وتحولاتها، والآخر، وكنت في طليعته، يرى ان هناك رائحة شيء ما يحترق في المؤسسة.

انتهى اجتماعنا التنظيمي الاول، وانصرف كل منا إلى شأنه، تائها ما بين سؤال واستغراب، وقبل ان نستفيق مما وجدنا انفسنا فيه من وضع لا يُغبط عليه موظفو اية مؤسسة، حتى فوجئنا بأفضل موظفينا، واعرقهم، يلّوح لنا بكتاب فصله من العمل، وتعيين آخر اقل معرفة وخبرة منه مكانه، وقد دفعني هذا لأن اسهر طوال الليل وانا اتساءل عما يحدث. وكي اعي ما دار ويدور حوالي وفي مؤسستي الغالية، اخذت في استعراض ما تم لي منذ تسلّم مديرنا الجديد عمله، فتذكرت ما دار بيني وبينه في ذاك اللقاء به.. قرب الحمّام، وما تلاه من أعمال فصل، بل ما تلاه من محاولة للتنظم وما جرى من انقسام. ربطت الامور ببعضها بعضا، وتوصلت بعد انعام ونظر، الى ان هناك من قَبِلَ ان يكون عينا لذاك المدير الجديد، وان هناك من رفض مثلما فعلت. وعندما استفسرت بيني وبين نفسي عمن بقي وعمن تلقى كتاب الفصل، تبين لي الامر بكل جلاء. اما الانقسام بيننا نحن الموظفين في جلستنا التنظيمية الاولى، فقد قال لي بكل وضوح، ان من تَقبّلوا الامر على اعتبار انه واقعي ومقبول، انما هم من قبلوا التعاون مع مديرنا الجديد، اما من رفضوا فانهم هم من رفضوا التعاون معه.
عندما اتضحت لي صورة الوضع في المؤسسة بكل بشاعتها هذه، كان لا بد من ان ادعو زملائي الحقيقيين، الى اجتماع لاطلعهم على جلية ما جرى ويجري، في المؤسسة، فالتأمنا في اجتماع دام ثلاثة ايام، بدون عيون وعملاء، واجمعنا على اننا يجب ان نتخذ اجراء عمليا ووقائيا.. وفي نهاية الاجتماع حمدنا الله على اننا ما زلنا اقوياء وبإمكاننا ان نتخذ قرارا كاملا وموحدا.. وبصوت واحد لا تأتأته فيه.

 موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com

مقالات متعلقة