الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 24 / أبريل 21:02

لم أكن يوماً على ديني - بقلم: حسين فاعور الساعدي

حسين فاعور الساعدي
نُشر: 24/12/19 16:00

عميقٌ بحرُ هذا الليلِ
يحملني من المنفى
....إلى منفى!
يجردني من الظلِّ
يحيّرني،
يكاشفني،
يؤكدُ لي
أنا من سلّمَ الذئبَ هذا الرمحَ والسيفا
أنا من سلم الذئبَ سكيناً
ليذبحني.
ويذبح أخوتي الفقراءْ!
أنا من شدَّ ساعدَهُ
ليسرق قوتَ أطفالي
وبئرَ الماءْ!
ويحرمني طلوعَ الفجرِ
يرميني ...
إلى المجهول يرميني
وحين الريح والأشجار تشفعُ لي
أنصّب ثعلباً آخر
أقوّيهِ،
أناصرهُ وأحميهِ
ليذبحني ويرميني
ويذبح أخوتي الفقراء!

عميقٌ بحرُ هذا الليلِ
يجذبني إليهِ
يُعرّيني لأسبح في غياهبهِ
ويرميني،
كلمحِ الضوءِ يحملني
لأسقط من براثنهِ
على خنجر!
لأمضي من بلاد الجوعِ
من موتٍ بلا معنى،
إلى موتٍ كيفما أمضي يلاقيني
ليبحث في شراييني
عن المدنِ التي حَبلتْ
ولم تنجبْ
وعن يمنٍ يُقطّعه بني يعرب
وسودانٍ غنيٍّ جائعٍ عطشٌ
يفتش عن مياه النيل في سبأٍ وفي مأرب!
مللتُ الموتَ يا بغدادْ
مللت الموت يا صنعاءْ
مللتُ الموتَ يا تونسْ
مللتُ الموتَ في وطنٍ لم يكن وطناً
تلاحقني مجازرُهُ
لأعبد ظلَّ كرسيٍّ
يضيّعني ولا يخجلْ

عميقٌ بحرُ هذا الليلِ
يحجبُ وجهَ سفاحٍ
يربيني لأخدمهُ
ويبقيني لأحميهِ
يخوّفني بإرهابٍ،
لأعبدهُ
لينسيني حقولاً كنت أفلحها
وشمساً كنتُ أعشقها
ويحجب وجهكِ الأجمل
وأفقاً كنت أغمرُهُ بأحلامي
فيغمرني بنجماتٍ
وكرماً من الزيتون والتينِ.
لينسيني بلاداً كنت سيدها
وكانت زينة الدنيا،
فأخرَجَها من التاريخِ
سوّدَ وجه من رسموا معالمها
وشرّدهم
وبيّضُ وجهَ كذابٍ يشوهها!
تربع فوق أكتافي
يلاطفني،
يجوعني،
يخوفني،
يدغدغ كل رغباتي
يمجّدُ كل أوصافي
لأبقى جائعاً حافي
ويبقى فوق أكتافي.

عميقٌ صمتُ هذا الليلِ
هذا الليلُ
يأخذني ليُخمدَ كل أوجاعي
ويمحو كل آهاتي
لأنسى وجهَ مرتزقٍ يلاحقني،
وجلاداً يحاصرني،
وجندياً يراقبني،
يصوّبُ حقدَهُ نحوي ويرميني.

عميقٌ صمتُ هذا الليلِ
يكشفني على ذاتي
ويشعلُ نارَ وسواسٍ يذكّرني بزلاتي
وعاهاتي
ويرميني خارج الزمنِ
بلا ظلٍّ ولا أفُقٍ
ويحفظ وجهَ قنبلةٍ
وبعضَ قذائفٍ أودتْ بأبنائي وأخواتي
ويبقيني بين عاصمةٍ وعاصمةٍ بلا وطنِ
بلا أهلٍ ولا زادِ
يَعُضُّ البرد أحشائي
وأخشى من طلوع الشمسِ
أحضنُ رملَ صحراءٍ تجوعني
وتحرقني ببترولٍ
فأهربُ من حقولِ اللوزِ والقمحِ !
نزيفُ الجرحِ أتعبني
وأضعفني
وأغرقني في جراح الروحِ من جرحٌ إلى جرحِ!
أصلي خلف شيخٍ
يملأ الكلمات بالبارودِ
باع الأرضَ والمسجدْ
ويحشو الجرحَ بالملحِ!

قشيبٌ ثوبُ هذا الليلِ
يكسوني
لأحصي بحرَ هفواتي
ويسترني
لأعبر في عواصمنا
ألملمُ جثتي وثياب زوجاتي
وأنسى واحة النخل التي ذٌبحت
وحقل النفط والبئر التي سُرقتْ
لأنسى جامعاتٍ علمتني الجهلَ والفوضى
وأهلاً طيبين يقودهم جحشٌ
وسجناً
صُنتهُ
سيّجتهُ
ليكون لي بيتاً
لأنسى بحر زلاتي
وذلاً ظل يسكنني
ليأخذني إلى الغابات أسكنها
لأخفي بعض غاباتي
لتحضنني ثعالبها وتحميني!

أنا من شدَّ أزر دويلةَ العسكر
لتحرمني من الأحلامِ
تنهب قوت أطفالي وترميني
على خنجر!
أنا من أفقدَ الكلماتِ معناها
وصلى خلف شيخٍ حلل المنكر!

عميقٌ بحرُ هذا الليلِ
يحملني ويحملُ حاملات الموتِ
تقصفني بفسفورٍ
وتقتلني بأنغامٍ وموسيقى
تحاصرني
تشوّهُ روعةَ المنظر

عميق صمتُ هذا الليلُ من حولي
تغازلني ثعالبُهُ
وترثيني
تجدد نكبتي،
وتعيدُ لي المأساةَ...
تكشفني على ذاتي
فأخرج من شراييني
أمرُّ على عواصمنا
أعاين موقدي والنار التي خمدت
وأبحثُ عن عناويني
وأحلامي التي سُرقت!
عميق صمت هذا الليلِ
لولا هذه الغربانُ
تنعبُ فوق أشلائي
تنقرُ لحم أطرافي
توزعه على المدن التي هُدمت
فتوقظُ بعضَ أحلامي
تواريني!
فأبكي كل أيامي

يدوس الكون من حولي
على طرفي!
على طرفي...
يدوس الكون من ضعفي
يمزّقني
ويدفعني لأحمي دولة العسكر
وأحرسها بأوجاعي!

على جلدي فهمت الدرسَ:
وسّعنا موانئنا
لتهجرنا حقولُ القمحِ!
كبّرنا جحافلنا...
لننسى القدسَ!
أو نمشي وراء النعشِ
زيينا حدائقنا لنحمي الجنسَ
أصبحنا كعصفور يظل
يلاعبُ الأفعى لتبلعهُ!

سأذكرُ ومضة الفسفورِ
مثل الجمرِ،
والنار التي تشوي شراييني
ولن أنسى وجه قناصٍ
وعينيه كلون البحرِ،
يرميني بواحدةٍ،
وبالأخرى يحييني
ولن أنسى ذئآباً أدمنت لحمي
أربيها وأطعمها لتأكلني
وأحميها لتؤذيني

عجيب أمر هذا الكونِ،
أحضنُهُ...
فيحضنني ويطعنني بسكينِ
أعانقُهُ يجوّعني
يحاصرني ويَبكيني
يداعبُ جثتي لينالَ من روحي!
فهمت الدرسَ يا ذئبَ:
هذي النفسُ قادتني
لتقوى أنتْ!
عبدت الله في شيخٍ...
لم أكن يوماً على ديني.


مقالات متعلقة