الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 24 / أبريل 22:02

ميلاد سيدنا المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام وجوهر الديانتين الإسلامية والمسيحية-الدكتور صالح نجيدات

الدكتور صالح نجيدات
نُشر: 21/12/19 23:19,  حُتلن: 00:19

بذكرى مولد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام , نتذكر ونعيش مع تعاليمه التي خلدها التاريخ والذي غرس قيم المحبة والتسامح في نفسية وشخصية الإنسان، وهي قيم سعى لأحيائها عند كل أتباعه، وعززها كقيم موجودة في أعماق الإنسان، وقال المسيح عليه السلام : "وصيّة جديدة أنا أعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضا. كما أحببتكم أنا تحبون أنتم بعضكم بعضا " , وهذه المحبة هي ما تنقص البشرية في هذا الزمن , ان يحبوا بعضهم بعضا بدل الكراهية والبغضاء والعداء ، فالمحبة هي القوة التي تمكن الإنسانية من أن تتجاوب مع أعماق ضميرها ليتسامح الناس مع بعضهم البعض، وقال المسيح عليه السلام:" فإنه إن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أيضا أبوكم الذي في السماء. وإن لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم أبوكم أيضا زلاتكم" ، لذلك فالتسامح والعفو هو التزام على كل عبد محب لله، فيكون واجب عليه أن يطيع الله ويتسامح ويغفر زلات الاخرين , وأكد سيدنا المسيح على كمال وروعة أصحاب القلوب الطهورة المحبة والداعية للسلام، في قوله :"طوبي لأطهار القلوب فأنهم يشهدون لله، طوبي للساعين إلى السلام فإنهم إنشاء الله يدعون، طوبي للمضطهدين على البر فإن لهم ملكوت السماوات، طوبى لكم إذا شتموكم واضطهدوكم وافتروا عليكم كل كذب من أجلي، افرحوا وابتهجوا أن من أجركم في السموات عظيم فهكذا اضطهدوا الأبناء من قبلكم" ، وهنا نرى روعة التسامح الذي نادى بها المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام.
وهذه المحبة هي للناس اجمعين وغير مقتصرة على مجتمع بحد ذاته ، حيث نادى بكرامة الإنسان واكد علي فضل التعالي على الإساءات، فلقد أوصى المسيح تلاميذه " بأن يعاملوا الناس بكل المحبة والتسامح، ليس فقط شركاءهم وإخوانهم بل وأعداءهم أيضا، وقال: "سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ. وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ. لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَوَاتِ. فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ. لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم فأي أجر لكم. أليس العشارون أيضا يفعلون ذلك. وإن سلمتم على إخوتكم فقط فأي فضل تصنعون. أليس العشارون أيضا يفعلون هكذا. فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَوَاتِ هُوَ كَامِلٌ" 
ويقول المسيح عليه السلام أيضا: "سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن أما أنا أقول لكم لا تقاوموا الشر. بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا. ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضا. ومن سخرك ميلا واحدا فاذهب معه اثنين. من سألك فأعطه، ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده" أين البشرية هذه الأيام من تعاليمك يا نبي الله ؟ فهناك سفك للدماء وظلم وجوع وامتهان ومس شخصية الانسان , فهل من منقذ لهذه الأوضاع المزرية ؟ 
الاخوة الأعزاء : لم تكن الديانات السماوية منفصلة عن بعضها البعض يوما كما هي اليوم ، فكل نبي جاء ليكمل مسيرة من سبقوه، يصوّب ويتم ما قد بدأه الله منذ بدء الخليقة وأرسل الأنبياء، يقول المسيح عليه السلام:" لا تظنوا إني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء , ما جئت لأنقض بل لأكمّل" ، ويقول تعالى في القرآن: "ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا" أي يعني القرءان الكريم . 
ولننظر ما قال الرسول محمد صل الله عليه وسلم بالنسبة لسيدنا المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام بهذا الشأن ,حيث قال : "أنا أولى الناسِ بِعِيسَى ابنِ مريمَ في الدنيا و الآخرةِ ، ليس بَيْنِي و بينَهُ نَبِيٌّ ، و الأنْبياءُ أوْلادُ عَلَّاتٍ ؛ أُمَّهاتُهُمْ شَتَّى ، و دِينُهُمْ واحِدٌ " . 
في ذكرى مولد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام نربط بين جوهر الديانتين ونقول : ان جوهر الدين الاسلامي والمسيحي واحد وهو , المحبة والتسامح والتآلف والمودة والسلام , والإخاء والوئام , والإقبال على فعل الخير وحسن المعاملة واحترام الغير , والابتعاد عن سلوك العنف والشر والكراهية وقتل النفس , وإيذاء الاخرين , وإلى نبذ القسوة والغلظة وسوء الخلق , ولكن للأسف اتباع الديانتين هم من اساءوا فهم الدين وابتعدوا عنه كثيرا . 
فالدين الاسلامي يدعو الى الخلق الحسن ونبذ العنف وإفشاء السلام , والنبي محمد صل الله عليه وسلم قال : "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " , ثم إن الرسول الكريم قد أخرج من دائرة الإيمان , من لا يحب ويرقى بمحبته لأخيه في الإنسانية إلى درجة حبه لنفسه , نعم , ذلك ما قاله الرسول محمد : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " تلك هي لمحات لأرقى وأسمى مراتب الحب الإنساني التي توافقت عليها شريعتا السماء المسيحية والإسلام , أما السلام فهو جوهر المسيحية والإسلام , فالمقصود السلام المطلق , سلام المرء مع ربه , مع نفسه , مع أهله ,و مع الناس أجمعين. ولقد كان السلام هو الترنيمة الملائكية التي صاحبت مولد المسيح عليه السلام: "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة " ثم جاء السيد المسيح عليه السلام داعيا إلى السلام بقوله: "طوبى لصانعي السلام ، لأنهم أبناء الله يدعون " ثم جاء الإسلام , ليشتق اسمه من كلمة السلام , ويدعو الله تعالى المؤمنين جميعا أن يستظلوا بمظلة السلام : " يا أيها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافة " وإن من لم يستجيب لذلك فهو متبع خطوات الشيطان , فالسلام لأهميته وقدسيته جعله الله تعالى اسما من أسمائه الحسنى , فسبحانه هو: "الملك القدوس السلام ", والنبي محمد عليه الصلاة والسلام دعا الى فضيلة المحبة وقيمة السلام والأيمان , بقوله: "لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولن تؤمنوا حتى تحابوا , أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم. أفشوا السلام بينكم ". 
هذا هو جوهر الديانة المسيحية والإسلامية الحب والسلام والتسامح , وليس العنف والإرهاب وقطع الاعناق , فيا ليت اتباع الديانتين يحسنوا فهم الدين ويطبقوه في حياتهم اليومية ويتصرفوا وفق ما جاء به أعظم نبيين السيد المسيح وأخيه محمد عليهما الصلاة والسلام , وما نرى من تصرفات اتباع الديانتين هذه الأيام لا يمت بصله الى اخلاق الانبياء الشرفاء , فجوهر الدين واحد ولكن النهج مختلف , واختلاف النهج يجب ان لا يفسد العلاقات بين المؤمنين .وكل عام والجميع بألف خير وصحة وعافيه وهداة بال .

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   


مقالات متعلقة