الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 23:01

شعوب عابرة للقارات/ بقلم: مهند الصباح

مهند الصباح
نُشر: 30/11/19 11:32,  حُتلن: 14:36

مهند الصبّاح في مقاله:

اليوم نحن على أعتاب الولوج إلى الثورة الصناعية الرابعة )4IR) والتي تهدف إلى إنتاج صناعي تكنولوجي ليكون جزءا لا يتجزأ من حياة المجتمعات وحتى جزءا من جسم الإنسان وطريقة تفكيره

مصطلح الشعب في ظل ثورة الاتصالات والثورة الصناعية الرابعة مصطلح الشعب هو مصطلح يستخدم في علم الاجتماع والسياسة، والتعريف التقليدي له معروف، فهو مجموعة من الأفراد الذين يعيشون في إقليم جغرافي واحد تفصلهم حدود جغرافية عن الأقاليم المجاورة. هؤلاء الأفراد يشتركون في قيم معيّنة ويحتكمون إلى معايير معينة متفق عليها فيما بينهم، تظلهم دولة تقوم بوظيفتها من خلال السلطات الثلاثة، التشريعية والقضائية والتنفيذية. هذا هو التعريف التقليدي والمعروف للجميع، لكن هل هذا التعريف ما يزال تعريفا دقيقا لماهيّة الشعب؟ مررنا نحن البشر بثلاث ثورات صناعية ابتداء من الثورة الصناعية الأولى في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، ومن ثمّ الثورة الصناعية الثانية قبيل الحرب العالمية الأولى، وقد اجتزنا مؤخرا الثورة الثالثة – الثورة الرقمية- واليوم نحن على أعتاب الولوج إلى الثورة الصناعية الرابعة )4IR) والتي تهدف إلى إنتاج صناعي تكنولوجي ليكون جزءا لا يتجزأ من حياة المجتمعات وحتى جزءا من جسم الإنسان وطريقة تفكيره.

ناهيك عن الشركات المختلطة العابرة للحدود الجغرافية المنتشرة حول العالم تحت غطاء أكذوبة " السوق الحر ". هذا التطور والاختراق للتكنولوجيا لحياتنا البشريّة ألقى بظلاله على ماهيّة مصطلح " الشعب "، وبات لزاما بالضرورة المحاولة في إعادة التعريف لهذا المصطلح، وبنتيجة تلقائية تعريف ماهية " الدولة أو السلطة " الحاكمة في إقليم جغرافي معين. للتوضيح : أظهرت دراسة أجراها موقع Similar Web لعام 2019 أنّ عدد الزيارات لموقع البحث الالكتروني " غوغل " بلغ 79 مليار زائر ، وموقع اليوتيوب 28.8 مليار زائر ، وموقع الفيسبوك حظي ب 24.6 مليار زائر، وحتى المواقع الجنسية أصبحت مجتمعا فقد نالت نصيبها ب 3 مليارات زائر. هذه المجتمعات الافتراضية في طريقها لتصبح شعبا بكل ما تحمله الكلمة من معنى حتى لو تناثر أفرادها في كافة أصقاع الأرض. وكما هو معلوم فإنّ لكلّ موقع إلكتروني قوانين وضوابط تحكمه وتجبر الأعضاء على التقييد بها بكل حذافيرها، فالعضو الجديد لبعض المواقع يقوم بالتوقيع على بعض الاتفاقيات قبل ممارسته النشاط فيها، يطلبون مثلا التوقيع على السريّة والالتزام بالمعايير العامة، وأيضا عنوانك الإلكتروني وكافة البيانات الشخصيّة، بمعنى آخر أنت تقوم بتقديم طلب للحصول على الجنسية لهذا الموقع أو ذاك. والبعض مشترك في أكثر من موقع أي هو إنسان متعدد الجنسيات، وبالتالي فإن الشعوب في طريقها للتفكك وإعادة التركيب من جديد والخطورة هنا تكمن في خلخلة العقد الاجتماعي، حيث من المتعارف عليه أن العقد الاجتماعي هو تفويض تمنحه قاعدة الهرم الشعبي إلى رأس الهرم؛ كي يقوم بالمهام الوظيفية والإدارية.

أمّا في حالة الشعوب العابرة للجغرافيا فإنّ من يفرض نصوص التعاقد هو مالك الموقع الإلكتروني وهو بذلك – أي المالك – ينصّب نفسه امبراطورا على مملكته ( المملكة الالكترونية ) ومن خلال الخدمات التي يعرضها في مملكته فهو بذلك يعيد صياغة الوعي عند أفراد شعبه، منتجا قيما وضوابط وقوانين يلتزم بها الجميع. أمّا الدولة التقليدية، فهي لغاية اللحظة قادرة على التحكّم بالممالك الإلكترونية الافتراضية المنتشرة في جغرافيا إقليمها، بيد أنّ الأمر لن يكون كذلك على المدى البعيد حين تتوغل منتجات الثورة الصناعية الرابعة في حياة الناس وتصبح جزءا أسياسيا في تعاطيهم اليومي. خاصة مع اتساع التداول العالمي بالعملة الالكترونية مثل (Bitcoin) (Bitcoin Cash) (IOTA) (Qtum) (Zcash) وغيرها الكثير، ويمتاز التداول بهذه العملات الرقمية بسهولة التبادل بين الأفراد بدون الحاجة لوسيط كالدولة أو البنوك. وإن كان حجم التداول في بورصة العملات الرقمية لشهر أب الماضي وقف على 2.1 مليار دولار لليوم الواحد حسب شركة التحليل المالي The Tie. إلا أنه من الممكن على المدى البعيد أن يتضاعف حجم التداول بتلك العملات الرقميّة البالغ عددها أكثر من 1000 عملة على مستوى العالم. بناء عليه، فالدولة تقف على مفترق طرق إمّا أن تتنازل عن رموز سيادتها، مثل العملة الوطنية وضبط السوق المالي، وربما تحل العقد الاجتماعي فيما بينها وبين شعبها الآخذ بالهجرة إلى مجتمعات وشعوب افتراضية أخرى، وإمّا تتبنى نهجا آخر يضمن لها السيادة. وعلى كل الأحوال لن تنجو الدولة بمفهومها التقليدي من تبعات التغيرات الحاصلة والتي ستحصل في المحيط العالمي، فالأمر يتعدى كونه محاولة إحكام سيطرة الرأسمالية على شعوب العالم أو التحكم بوسائل الانتاج وتوسيع رقعة الاستهلاك الآدمي لمنتوجاتها!

28/11/2019

* مهند الصبّاح،  كاتب وروائي (القدس - فلسطين) 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com 

مقالات متعلقة