غسان يوسف في مقاله:
لمدّة خمسين دقيقة استطاع راضي شحادة والفنانة منيرة شحادة تحريك أربعين شخصية، بإيقاع أخّاذ وبدقّة متناهية
هي مسرحية مُستلهَمة من "سيرة بني هلال" و"أبي زيد الهلالي"، وهي سيرة جميلة لها علاقة بتراثنا. تأليف الأستاذ راضي د. شحادة وإخراجه، وتشاركه في التمثيل الفنانة منيرة شحادة، وهي أيضا شريكته في صناعة الدمى والأقنعة وتنفيذ الأزياء، وقام بتصميم الأزياء الفنان "غصوب سرحان"، وقام بالتسجيلات الموسيقية والألحان الفنان "بشارة الخلّ"، بينما نفّذ رسومات الديكور الفنان "خليل ريّان".
![]()
لقد حرص راضي على تحويل هذا الجنس الأدبي الى مجال اللعبة المسرحية وعناصرها المتنوعة وعن وعيٍ للتقاليد الحكائية والمسرحية لفنون العرض والفُرجة والأداء الصّوتي والحركي، مخاطبًا الراشدين والناشئة في آن واحد، محقِّقًا بذلك علاقة اجتماعية بين المسرح والجمهور.
رجع راضي إلى التراث العربي جاعلًا الـمُحتَوى الفِكري منظومةً قيّمية تتغنى بالشَّهامة والشَّرف وتُجذِّر قيمة نُصْرة المظلوم الذي يتعرَّض للأذى، وتَنبذ العنف، وتتحول إلى محطّة مهمّة للتعرف على القيم السامية وحب التّضحية؛ كل ذلك من خلال قصة البطل "أبي زيد" مع الأميرة "عَليا". قصة تُظهر بوضوح الفارق الشاسع بين القيم السامية (متمثلة بأبي زيد)، وبين انحطاط الـمُعتَدي. وبذلك جعل من التراث سبيلًا تَربويًّا يعيد صياغة الحاضر بمضامينه وتقنيّاته من خلال إعادة صياغة التراث، وهذه هي وظيفة المسرح التقدمي.
مسرحية " أصيلة" مليئة بعناصر فن الفُرجة الذي يغني حواس المشاهد بالـمُتعة والخيال والتفكير، وذلك من خلال الفُكاهة التي يَضحك لها الـمُتلقِّي صغيرًا كان أم راشدا، إلى جانب التَّسلية والشِّعر والغناء والموسيقى والأقنعة وترويض التُّراث والتقنيات الحديثة من إضاءة وصوت وديكور...إنها محاولة فانطازيا يختلط فيها حابل" أبو زيد الهلالي" بنابل فرقعات العصر الحديث. إنها باختصار سيرة دَمَويَّة تتحوَّل، بقدرة المؤلف والممثل القدير راضي د. شحادة ، إلى سيرة حافلة بالدمى الممتعة والدينامية المعبِّرة.
لقد شدّنا الأستاذ راضي شحادة لخمسين دقيقة بمهارة منقطعة النظير وأداء ممتع جميل. مزج خلالها بين الضَّحك والـمُتعة، والجد والفكرة. لقد استخدم الأقنعة للقيام بأدوار شخصيات عديدة مُغَيِّرًا أداءة الصوتي والحركي بما يتلاءم وطبيعة كل شخصية، أكانت على شكل دمية أو قناع، مُبرزًا مهارة ومِهنيَّة ودقّة في التمثيل المسرحي. كل ذلك بِلُغَةٍ ذات طابع مركَّز ومعبِّر تعبيرًا مباشرًا بلا تعقيد وبلا استطراد أو تطويل، لغة واضحة بسيطة مروَّضة بين العامّية والفصحى، بعيدة عن التعقيد أو التداخل محقِّقًا هذه المواءمة الجميلة بينها وبين طبيعة المسرحية ونوعيتها.
ولمدّة خمسين دقيقة استطاع راضي شحادة والفنانة منيرة شحادة تحريك أربعين شخصية، بإيقاع أخّاذ وبدقّة متناهية، والشخصيات هي:
الحكواتي+حسين الجعبري+الأميرة عليا+مساعد ابن الوزير مسعود+الوزير مسعود+دُعيّ الخادم+ذامل ابن كامل+سعدا+سعدان+المرسال+الفارس زروال+عزرائيل+سعدون ابن الوزير+المقاتل زرياب+سعود ابن مسعود(مقاتل)+أبو زيد الهلالي+ 11 شخصية سحّيجة+ 6 نساء في العرس+5 مقاتلين في المعركة.
مسرح السيرة في هذا العمل يقدّم أحدَ نماذِجِه المميَّزة في الأسلوب والشّكل والمضمون، مؤكّدًا على ضرورة التفاعل مع الجمهور وعلاقته المباشرة معه، محطِّما الجدار الرابع الذي قد يكون عائقًا بين الـمُلقي والمتلقّي، وهي حالة مُطوِّرة ومُعصرِنة للجدّ الأكبر للمسرح العربي ألا وهو الحكواتي.
![]()
![]()
![]()
![]()
![]()
![]()
![]()
![]()