الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 19 / مارس 11:02

صرخات الطفل اليتيم في الشريط المسرب

بقلم: حسين فاعور الساعدي

حسين فاعور الساعدي
نُشر: 21/11/19 22:07,  حُتلن: 23:22

حسين فاعور الساعدي في مقاله: 

في هذا المقال سأتطرق لفئة العاملين الاجتماعيين وأترك فئة الأدباء لمقالي القادم في هذا الشأن

مجتمعنا سنوات طويلة يسكت عن المفتش الفاسد والمدير الفاسد والمعلم الفاسد ويمتنع عن المس بهم وهم يدمرون أجيالاً كاملة

عندما وصلني هذا الشريط المرعب أرسلته إلى عدة مواقع لفئتين أشعر بالولاء والانتماء لهما وهما: فئة العاملين الاجتماعيين التي أكنّ لها كل الحب والتقدير والاحترام فأنا واحد من هذه الفئة المظلومة والمهمشة، وفئة الأدباء والكتاب التي أعتز وافتخر لكوني واحداً منها.

في هذا المقال سأتطرق لفئة العاملين الاجتماعيين وأترك فئة الأدباء لمقالي القادم في هذا الشأن.

كما أسلفت، بعد رؤيتي لهذا الشريط على أحد المواقع التي أنتمي إليها قمت بكتابة مقال حول الشريط، وهو أبسط الإيمان. بعد نشر المقال قمت بإرساله إلى كل المواقع التي أنا عضو فيها ومن بينها موقع مدراء أقسام الرفاه الاجتماعي العرب واليهود على الووتسأب لثقتي أن هؤلاء المدراء هم العنوان الصحيح لمعالجة مثل هذه القضايا وعدم طمطمتها لأنهم هم أصحاب الشأن وهم المؤهلون لهذه المعالجة. الشريط كان على موقع المدراء ولم يحظ، كما ذكرت في مقالي إياه، إلا باهتمام عدد بسيط يكاد لا يذكر من المدراء العرب. أما إخوتنا وزملاؤنا اليهود فهذا الطفل، في رأيهم كما يبدو، ما زال في النعيم بالنسبة لأطفال غزة والضفة الغربية الذين لم تثر معاناتهم اهتمامهم في يوم من الأيام.

رابط المقال الذي أرسلته لا يزال على موقع المدراء ولم يحظ إلا بتعليق واحد ووحيد من أحد الزملاء العرب يشرح للزملاء اليهود أن هذا الرابط هو لمقال حول الولد المجلود. بعد هذا الشرح وبعد يوم واحد لإرسالي لرابط المقال لموقع المدراء، تم حذف اسمي من الموقع وإغلاقه في وجهي لأن ما جاء في المقال، كما يبدو، لم يعجب القيمين على هذا الموقع. عندما رأيت الشريط على موقع مدراء أقسام الرفاه الاجتماعي توقعت أن يثير عاصفة هوجاء. إلا أن شيئاً من ذلك لم يحث وكأن الأمر عادي بالنسبة لهم. وهذا دليل واضح على إشكالية العمل الاجتماعي في هذه البلاد، في ظل نظام يمارس الاحتلال لسنوات طويلة ومجتمع يأكل حقوق الآخرين دون ذرة من تأنيب ضمير. منظمة مدراء أقسام الرفاه الاجتماعي لم يزعجها العنف الممارس ضد طفل برئ، ربما لأنه عربي، بل أزعجها مقالي حول الشريط لأنه ينتقد موقفها المتخاذل فقامت بمعاقبتي. لهذه المنظمة أقول: لن أجبن ولن أسكت.

إشكالية العمل الاجتماعي في الوسط العربي مضاعفة فبالإضافة للإشكالية المذكورة أعلاه هنالك إشكالية فهم سلطاتنا المحلية للعمل الاجتماعي واستهتارها البشع بدور العمال الاجتماعيين. هذا الاستهتار ترك ظلاله وأبعاده على الكثير من قضايانا المصيرية وأهمها قضية العنف وقضايا التربية والتعليم. وأدى إلى أن يكون العاملون الاجتماعيون أول من يتعرض للعنف تحت سمع وبصر الكثيرين من رؤساء سلطاتنا المحلية وحتى بغطاء منهم عندما يكون المعتدي من جماعتهم. أضف إلى ذلك أن العمل الاجتماعي ليس في سلم الأولويات في سلطاتنا المحلية. لذلك نجد هذا الضعف في مواقف عاملينا الاجتماعيين الذين لا يحظون بالدعم الكامل من مشغليهم. بل في معظم الحالات نجد أن السلطة المحلية ممثلة برئيسها تقف ضد العامل الاجتماعي في جميع المناسبات وخصوصاً إذا كانت الإشكالية مع الوزارة.
هذا الواقع المر والمؤلم جعل العامل الاجتماعي في الوسط العربي في هذه البلاد يسير بين النقاط مكسور الجناح ويتحاشى المواجهة مع الكثير من القضايا ومنها قضية هذه المؤسسات الفاسدة التي تحولت بقدرة المال إلى قلاع مظلمة وبؤر فاسدة لا أحد يعرف ما الذي يدور داخلها. لذلك أصبحت وظيفة العامل الاجتماعي ومديره في القسم، تنتهي مباشرة بعد إرسالهم لأي طفل إلى هذه المؤسسات. فحتى زيارة العامل الاجتماعي لهذا الطفل غير ممكنة إلا بالتنسيق المسبق مع طاقم المؤسسة وهذا وحده يقول الكثير. كما أن أي تساؤل أو تشكيك من قبل العامل الاجتماعي يجر إلى شيطنة هذا العامل أمام مفتشي الوزارة. فالمؤسسة، الغنية والمدعومة، دائماً وفي كل الأحوال أصدق من العامل الاجتماعي المكشوف والمكسور الجناح. بقدرة قادر أصبح العامل الاجتماعي أمام المعادلة التالية: كلما أرسل مزيداً من الأطفال وكلما بصم على كل تقارير المؤسسة عن هؤلاء الأطفال، كلما كان أكثر مهنية. بكلمات أخرى أصبح دور العامل الاجتماعي هو توفير البضاعة لهذه المؤسسات لتفعل بها ما تشاء والويل والثبور له إذا حاول تعدي هذا الدور.

أمام هذا الواقع المؤلم والمظلم نجد أن الكثيرين من العمال الاجتماعيين تخلوا عن دورهم في مراقبة ومتابعة ما يحدث لهؤلاء الأطفال الذين أخرجوهم من بيئتهم ليوفروا لهم ظروفاً أفضل وليمنعوا انزلاقهم إلى عالم الجريمة.
هذا الطفل الذي في الشريط لم يتعرض للكمة منفلتة في ساعة غضب. هذا الطفل كان يجلد بشكل بشع ومتواصل، أمام زملائه وعلى مدار دقائق طويلة، كان الجلاد يستريح خلالها ويعود لممارسة هوايته. بعد كل هذا العنف الذي يتعرض له هذا الطفل أؤكد للجميع أنه، ونتيجة لما يتعرض له، لن يكون إلا رئيس إحدى العصابات عندما يكبر. وإذا كانت هذه الصرخات لم تلهب مشاعر العمال الاجتماعيين حتى الآن فهذا دليل على مدى التردي والبؤس الذي وصلت إليه هذه الشريحة المهنية والمثقفة التي تعد من أفضل أبنائنا. وما الغريب في الأمر إذا كان رؤساء سلطاتنا المحلية يسكتون على جرائم القتل اليومي في قراهم وكل ما يفعلونه هو الاستنكار فقط لرفع العتب عنهم. أما نوابنا في الكنيست، فهم "أكبر!" من هذه الأمور "التافهة!" ومشغولون بإسقاط نتنياهو.
إن المجتمع أو الشعب الذي لم تهزه صرخات هذا الطفل اليتيم المجلود من قبل من تلقى الأموال الطائلة للحفاظ عليه، هو مجتمع فقد منعته وذهب بعيداً في هاوية السقوط والتردي والفساد. ولو كان الفساد يقتصر فقط على مثل هذه المؤسسات لامكن السكوت ومواصلة الحياة العادية لكن الفساد والتردي ينخر أعز وأغلى ما نملك وهي المدارس وكل جهاز التعليم المسئول عن تربية أجيال المستقبل.

فمجتمعنا سنوات طويلة يسكت عن المفتش الفاسد والمدير الفاسد والمعلم الفاسد ويمتنع عن المس بهم وهم يدمرون أجيالاً كاملة. ومجتمعنا سنوات طويلة يغطي على المؤسسات الفاسدة وهي تنتج أعضاء ورؤساء عصابات المستقبل. كل ذلك لأن مصلحة الفرد أصبحت أهم من مصلحة المجتمع وهذا دليل وعلامة من علامات المجتمع المنهار الذي فقد حصانته ومنعته.
رغم كل ما ذكرته أعلاه ما زلت أؤمن أن السكوت على هذا الشريط خصوصاً من قبل العاملين الاجتماعيين هو خيانة للقيم وتخلي عن أخلاقيات المهنة لذلك لن أخون مهنتي ولن أسكت حتى لو شطبوني من موقع منظمة مدراء أقسام الرفاه الاجتماعي.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   

مقالات متعلقة