الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 18 / أبريل 03:02

التعذيب والعنف والقتل والجريمة كلّها سرطان ينخر في المجتمع الحضاريّ/بقلم: جريس بولس

جريس بولس
نُشر: 27/09/19 11:01,  حُتلن: 23:17

جريس بولس في مقاله: 

نحن لا نبرّر استخدام السلاح إلا في حال الدفاع عن النفس في وجه خطر محدِّق

الشعب الفلسطيني العظيم، على ضآلة حجمه بالمقاييس الدوليّة، لم يستسلمْ ولن يستسلمَ أمام أعتى قوة في الشرق الاوسط هي إسرائيل ومن ورائها أعظم قوة في العالم هي اميركا، تدعمها بكل الوسائل

أطالب بإقامة لجان ضد العنف في كل بلدة وبلدة عربيّة تدعو الى المحبة والالفة والأخوّة بين ابناء الشعب الواحد وذلك بمساعدة السلطات المحليّة العربيّة 

كلّكم يلحظ إستفحال العنف والقتل والجريمة في مجتمعنا الفلسطينيّ في الداخل، فكل يوم تقريباً نصحو فنسمع عن جريمةٍ أو حادث قتل أو ظاهرة عنف في بلدة عربية وفي بعض الأحيان في عدة بلدات عربية في آن واحد.

في الماضي، حين كان يسمع عن حادث قتل كانت البلاد تهتزّ طولاً وعرضاً لهذا الحادث الغاشم والآثم ويستمر بالكلام عنه مدة أجيال، أما اليوم، للأسف الشديد، ولكثرة حوادث القتل في الداخل وفي العالم أجمع، أصبح الناس لا مبالين لأحداث القتل اذ انها تحدث يومياً في الداخل الفلسطيني وفي الخارج وهذه هي خطورة الموضوع.

قلت يوماً: "إن خُيِّرت بين أن أكون قاتلاً أو اكون قتيلاً فأن خياري سيكون حتماً ان اكون القتيل". ذلك لأنني لا أستطيع أن أتصور نفسي قاتلاً، عرضة لوخز الضمير طوال ما تبقَّى من حياتي.

بئست الحياة إذا كان الندم ملازماً لها.

إن انتزعت حياة احد، فكيف ستعيدها إليه؟

القتل خطيئة لا يمكن الرجوع عنها او تصحيحها او حتى التعويض عنها.

قياساً على ذلك اقول ههنا: إن خُيِّرت بين أن أكون معذَّباً (بفتح الذال) أو معذِّباً (بكسر الذال) فأنني اؤثر أكون معذَّباً (بفتح الذال).

فإن ارتضيت لنفسي أن أكون سبباً او مصدراً للتعذيب، فإنني أعرض نفسي لعذاب الضمير، وهو أقسى عقاب وأقصاه.

تذكرت هذا القول وسط انباء تتداولها الألسن تفيد ان افراداً وجماعات شتى في الداخل الفلسطيني ماضية في التسلح، ففي الآونة الاخيرة نسمع عن احداث كثيرة يتم بها مهاجمة حارس لمكان ما لانه مسلح بهدف واحد وهو نزع سلاحه وسرقته. اضف الى هذا اطلاق الرصاص والقنابل يمنة ويسرة.

علام التسلح وإلامَ يمكن ان يؤدي. ما الداعي الى هذا التسلح إن لم يكن ثمة احتمال لإستخدام السلاح في لحظة من اللحظات أو في ظرف من الظروف؟ هذا التساؤل انما يستثير في نفوسنا هواجس وهواجس إزاء ما قد يقترف المرء من اخطاء وخطايا.

ويسأل السؤال لماذا يزداد التسلح عند الفلسطينيين في الداخل، مَنْ هو المسؤول عن توزيع الاسلحة، ولماذا تسمح اجهزة الدولة بتزايد التسلّح غير المرخص والمسروق، وتفاقم الجرائم ولماذا لا تعمل على كشف الجناة بأسرع وقت ولماذا لا تقوم بشتى الوسائل كي تجمع الأسلحة غير المرخصة وتقدم المجرمين الى المحاكمة ولماذا لا تقوم أصلاً بمنع الجريمة وتسمح بالانفلات الأمنيّ وتغضّ الطرف عن الجرائم في وسطنا العربي؟

ان العامل الإقتصاديّ من العوامل المهمة التي تدفع للجريمة، فلو وفرت الدولة اماكن عمل لاغلبية شعبنا الفلسطيني وقضت على البطالة المتعاظمة لقلّت الجريمة والجرائم.

والعامل التربويّ من العوامل المهمة التي تدفع ايضاً الى الجريمة فلو ان كل والد ووالدة قاما بتربية سليمة لابنائهما على الاخلاق الحميدة ومحبة الآخرين لقلّت الجريمة ولا ابالغ ان أقول لانعدمت الجريمة.

وعامل آخر مهم ان تقوم الدولة ومؤسساتها بمحاربة الجريمة والعمل على منع الجرائم والحد من التسلح وهنا نرى تقصيراً من مؤسسات الدولة بل تقصيراً متعمداً من منطلق "فرق تسد". وهناك عوامل أخرى.

جَلَّ من لا يخطىء. ليس بين بني البشر من لا يرتكب اخطاء في حياته. ثمة اخطاء يمكن لا بل يقتضي الصفح عنها، كون الاذى المترتب عليها طفيفاً لا يخلف أثراً.

وثمة اخطاء يمكن مسح اثارها بالتكفير عنها او بتعويض الضرر الناتج عنها. لا بل ثمة اخطاء يمكن الصفح عنها بمجرد الاعتذار عنها.

والخطأ غير الخطيئة. فالخطايا يصعب الصفح عنها ان لم يكن متعذراً. وهي تلاحق مرتكبها حتى ولو حظي بصفح من ألحقت به اذى، ولكن، من الذي يصفح عن خطايا إذا ما ارتكبت في حق المجتمع او الوطن او الامَّة؟

لعل ما يشفع بالمرتكب طويته: فإذا كانت الخطيئة غير متعمدة، فقد تتبدى في مستوى الخطأ الذي لا يجانبه صفح أو عفو. هذا شأن حادث سير ما كان بامكانك تفاديه فأودى بحياة طفل يعبر الشارع. انت قاتل، ولكن ما ذنبك؟

الخطيئة الكبرى، الجريمة التي لا تغتفر هي القتل المتعمّد. ما عذرك في شهر السلاح في وجه أعزل مهما استفزَّك، مهما أغضبك، وكيفما استدرجك، فتنهي حياته برصاصة أو بقنبلة؟

ما عذرك في حمل السلاح ومعه ذخيرته؟ ان حمل السلاح وسط جمع من الآمنين العزَّل هو في ذاته ذنب لا يغتفر، فهو في واقع الحال في منزلة الجريمة المبيّتة.

قال الله تعالى في كتابه الكريم: "من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعاً "المائدة / 32). حتى قتل القاتل فمع ان الاسلام قال بذلك، فانه ايضاً اوصى بالعفو والرحمة.

واذا كنا من الذين ينهون عن القتل إطلاقاً، فاننا بطبيعة الحال من دُعاة الإقلاع عن التسلح إطلاقاً. فما اقتنى السلاح أحد إلا وكان على استعداد لاستخدامه في ظرف من الظروف، ونحن لا نبرّر استخدام السلاح إلا في حال الدفاع عن النفس في وجه خطر محدِّق. وضرورات الدفاع عن النفس لن تكون واردة إذا وجدت الدولة القادرة والعادلة، دولة القانون والمؤسسات ودولة جميع مواطنيها المنعدمة في حالنا الفلسطينية في الداخل. فالدولة هي التي تحمي المواطن ولا داعي في كنفها للتحسب لظرف يوجب الدفاع عن النفس بالسلاح. اما المقاومة لاحتلال يغتصب أرض الوطن فهي من صميم الدفاع عن النفس.

ومن الاهمية بمكان التنبه الى ان التعذيب كثيراً ما يكون ظاهرة دولية، بمعنى ان المسؤولية عنه تتحملها دول: من ذلك الحروب وما ينتج عنها من قتل وتشريد وشقاء، وكذلك عمليات التهجير الجماعيّ، وسوء معاملة المساجين.

كلها قد تكون في حجم التعذيب في أبشع صورة. ولدينا اليوم نماذج من هذا الضرب من التعذيب الجماعي في فلسطين والعراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها.

مئات الالوف من الشعب الفلسطينيّ اقتلعوا من ديارهم في فلسطين عنوة بفعل الحروب المتتالية التي نشبت بين العرب والصهيونية منذ عام 1948 وحل محلهم في ديارهم اناس من اليهود الوافدين من شتى ارجاء العالم. وما زال الفلسطينيون يعيشون في أتعس حال لاجئين في المخيمات في الجوار العربيّ وداخل فلسطين. إن لم يكن هذا تعذيباً دولياً لشعب بأسره، فماذا عساه يكون؟

كذلك هي عمليات القتل شبه اليوميّة التي تنفذها الدولة العبرية في حربها المستمرة على شعب فلسطين فوق ارضه. وكذلك التعذيب الذي يلقاه الاسرى العرب في السجون الاسرائيلية، والذي لا ضوابط له ولا حدود. فلا رقيب ولا حسيب.

لعل افظع عملية إرهاب في التاريخ كانت بإلقاء قنبلتين فوق مدينتي هيروشيما وناكازاكي في اليابان. بذلك سجّلت الولايات المتحدة أول عمليّة إرهابيّة من نوعها، بالقتل العشوائيّ الجماعيّ.

وقياساً على ذلك فاننا نتهم اية دولة تمتلك اسلحة نووية بالإرهاب، ذلك لانها بمجرد احتفاظها بهذه الاسلحة انما تبيّت ضمناً نية استخدامها في ظرف من الظروف، وهذه نيّة اجراميّة سافرة لا بل إرهابيّة فاجرة.

الشعب الفلسطيني العظيم، على ضآلة حجمه بالمقاييس الدوليّة، لم يستسلمْ ولن يستسلمَ أمام أعتى قوة في الشرق الاوسط هي إسرائيل ومن ورائها أعظم قوة في العالم هي اميركا، تدعمها بكل الوسائل.

لا بل على نقيض ذلك: إسرائيل ومن ورائها اميركا تهاب الشعب الفلسطينيّ بما يمتلك من سلاح الحق وسلاح الموقف وسلاح الفداء. من هنا كانت حرب اميركا على ما تسميه إرهاباً في كل مكان من العالم، ويبدو واضحاً من فشلها في كل مكان.

ان الدولة العظمى باتت خائرة القوى، مستنزفة تبحث عن مخارج لنفسها في العراق وافغانستان وسوريا وغيرها.

بكلمة موجزة: نحن ضد القتل والتعذيب وبالتالي ضد التسلح. فالقتل من الكبائر بل هو الكبيرة الكبرى، والحياة يهبها الله والله وحده يستردّها. والقتل خطيئة لا يمكن تصحيحها او تعويضها، فهي جريمة لا تغتفر، فمعيار الحضارة الاول هو احترام الحياة، وبخاصة حياة الآخرين.

بهذه الذهنية نكون نحن طلاب سلام حقيقيّ وهم يكونون طلاب سلام زائف. وهم الارهابيّون حتى في حربهم على الإرهاب.

وفي نهاية المقال: عودة الى العنف والقتل المستشريين في المجتمع والداخل الفلسطيني، فإني أهيب بجماهيرنا الفلسطينية الابتعاد عنهما لأنهما كالسرطان الذي ينخرُ في مجتمعنا.

كما وأطالب بإقامة لجان ضد العنف في كل بلدة وبلدة عربيّة تدعو الى المحبة والالفة والأخوّة بين ابناء الشعب الواحد وذلك بمساعدة السلطات المحليّة العربيّة كما وأطالب لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، الممثل الشرعي والوحيد لفلسطينيي الداخل حتى هذه الساعة ، رغم مآخذي الكثيرة عليها بتبنّي "مشروع القضاء" على العنف والقتل والجريمة في مجتمعنا الفلسطينيّ الداخليّ وأتوجه الى كل فلسطينيّ غيور على شعبه وأبناءه بالامتناع عن العنف والقتل والجريمة. فلنتّخذ الوحدة شعاراً لنا كي ننهض بمجتمعنا الى أعلى ونعيش حياة محترمة رغيدة وسعيدة. وفي النهاية ما حكّ جلدَك غيرُ ظفرك.

كفرياسيف

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   

مقالات متعلقة