الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 20 / أبريل 00:02

قنبلة موقوتة نسكت عنها جميعا!/ بقلم: أحمد العدنان محاميد

أحمد العدنان محاميد
نُشر: 26/09/19 19:25,  حُتلن: 19:39

أحمد العدنان محاميد:

حاولت فيما سبق أن اسلط الضوء على مسببات الجريمة، أدواتها، الفئات المستهدفة والمحفزات لاستمرار وتأجج هذه الظاهرة المقلقة جدا

تقول العرب، اذا عرف السبب بطل العجب، ويقولون أيضا "كل مشكلة وإلها حل". فهل يا ترى هنالك حل لمشكلة الجريمة في مجتمعنا الفلسطيني في الداخل؟ بالطبع أننا لن نقوم بين عشية وضحاها بحل جذور هذه المشكلة والتي تتنوع مصادرها، مثل الحالة الثقافية للمجتمع وانتشار مفاهيم عدوانية وتقاليد انتقامية في حل الصراعات بين الناس، اضافة إلى انتشار الفقر والتوتر الطبقي، ماديا وثقافيا بين فئات مختلفة من المجتمع وصراعات اجتماعية هائلة تسبب حالة إنفصام إجتماعي ما بين تبني الحداثة والتشبث بالتقاليد وسط اجتياح غير مسبوق لمفاهيم اجتماعية جديدة اتخذت مكانتها وسط تسارع ووتيرة مقلقة بآثر التكنولوجيا الحديثة وشبكة الإنترنت. ولذلك فمن الواضح أننا لا نتحدث اليوم عن إيجاد حل جذري لمشكلة الجريمة. اليوم نحن نتحدث عن الوسيلة التي نفكك من خلالها هذه القنبلة الموقوتة، من خلال حل مباشر وبعيد عن التحليلات الفلسفية وعلم الاجتماع وعلم الإجرام. وهناك اكثر من نموذج في العالم تمت فيه "تصفية" الجريمة وتقليم مخالبها من خلال اتباع سياسة اليد الحديدية مع الاجرام والمجرمين.
ولكن قبل الخوض في الحلول لننظر اولا الى اسباب انتشار الجريمة عموما ومن ثم تحديد هذه الاسباب عينيا في المجتمع الفلسطيني في الداخل. فعموما تعتبر مسببات مثل: الجشع المادي, والغضب, والغيرة, والرغبة بالانتقام، والكبرياء الاجتماعي، وردود الفعل على حالات تهديد الأمن الشخصي, من أهم العوامل لتحريك العنف الذي يترجم إلى جرائم تصل إلى حد القتل.

ومن أبرز العوامل المتعلقة مباشرة بجرائم القتل في مجتمعنا الفلسطيني في الداخل:
1. خلافات مادية / منافسة تجارية غير شريفة / جباية اموال وما شابه.
2. خلافات عائلية بين افراد العائلة الواحدة.
3. شجارات عابرة تحدث بالصدفة، ثم تتحول إلى اطلاق عيارات نارية وسقوط قتلى.
4. خلفيات غرامية وعاطفية وفي حالات أخرى على خلفية شرف العائلة وما إلى ذلك.
5. ارهاصات نتائج الانتخابات المحلية، وأثرها في العلاقات الإجتماعية بين الناس.
6. صراعات عائلية مفتوحة بين عائلتين او ما يسمى بالدم.
7. الغيرة من وضع شخص او عائلة اخرى ماديا او تعليميا او حتى مكانة الشخص او العائلة.
8. انتقام على عملية قتل سابقة. او شجار قديم. او بسبب تقديم شكاوى في الشرطة. او بسبب خلاف على مساحة وحدود ارض وغيرها.
9. الكبرياء والعظمة ومفاهيم مثل "سنريهم من نحن" وحرب إثبات وجود.
10. انهاء حياة شخص بسبب تهديد يقوم به شخص ما تجاه القاتل نفسه او أحد ابناء عائلته.
11. انهاء حياة شخص بسبب ابتزازه لشخص اخر او بسبب عدم تجاوب شخص للابتزاز .
12. خلافات زوجية. من مشاكل الحياة الزوجية اليومية، الاضطرابات المادية وحتى الخيانات الزوجية والشكوك بالخيانة الزوجية.
13. المس بشرف فتيات بنشر صور مخجلة او مكالمات او فيديوهات على شبكة التواصل الاجتماعي.
14. تصفيات بين افراد من عصابات الإجرام، وخلافات على صفقات أسلحة أو مخدرات

بالتأكيد فإن هناك المزيد من المسببات العينية الأخرى لهذا العنف ولهذه الجرائم ولكنها غالبا ستصب في واحدة من المسببات التي ذكرت آنفا.

للجريمة ادواتها
وهذه الادوات التي تنفذ بها هي أمر هام جدا يجب الإنتباه إليه جيدا، أما أدوات تنفيذ الجرائم فهي:
1. اسلحة نارية، مسدسات وبنادق رشاشة وحتى صواريخ كتف وقنابل يدوية.
2. اسلحة "بيضاء"، مثل السكاكين والبلطات وما شابه.
3. سيارات وآليات تستخدم للدهس.
4. حبال تستخدم لخنق الضحية.
بيد أن غالبية الجرائم في الوسط العربي يتم تنفيذها باسلحة نارية. وهذا معطى هام جدا.

للجريمة ضحاياها
يتم تصفيه غالبية الضحايا وهم في ريعان شبابهم وغالبا من بين جيل 16 الى 45 عاما. غالبيتهم من الذكور. إلا أن الجريمة لم تفسح عن الإناث فهن أيضا لهن حصة في هذه الجرائم وإن كانت مسبباتها تختلف بشكل عام.


للجريمة محفزاتها
يمكن الجزم أن الجميع في مجتمعنا الفلسطيني متحفظ جدا من جرائم القتل تحديدا، ومع ذلك فهنالك الكثير من المحفزات لعدم توقف هذه الجرائم وأهمها:
1. الاعلام والتغطية الاعلامية التي تحظى بها جرائم القتل لتعطي للمجرمين هالة البطولة من وجهة نظرهم ... فهم في رأس عناوين الاخبار الرئيسية، وفي كثير من الأحيان يحظون بالقاب البطولة من قبل عائلتهم المقربة لتحقيق هذا الإنجاز الذي يبدو بطوليا على الأقل عند وقوعه.
2. عدم القبض على المجرمين بالسرعة اللازمة من قبل الشرطة وفي كثير من الأحيان عدم ضبط المجرمين بتاتا. وقدرة المجرمين على المراوغة والفلتان من أذرع القانون.
3. تستر المجتمع على المجرم، حتى حين يكون الامر معلوما للجميع. والتعاون مع المجرم في تلفيق قصص غير صحيحة عن الموضوع. وفي احيان اخرى تتستر عائلة الضحية حتى، عن المجرم ليتسنى لهم الانتقام منه وتصفيته لاحقا. وفي حالات كثيرة يصمت العارفون خوفا من التورط في مشاكل مع مجرمين قتلة.
4. وجود وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في تاجيج الصراعات، وتحويل امور صغيرة إلى مشاكل كبيرة ومعقدة، حيث يتم التشويه وبث الكراهية علنا عبر هذه الشبكات.
5. توفر الاسلحة النارية والتجارة بها بشكل مكثف في المجتمع الفلسطيني في الداخل.
6. انتشار ثقافة العنف كبديل للحوار، وتبني قطاعات عقلانية في المجتمع لمنطق العنف، من منطلق الكبرياء ومن منطلق أن من لا يحمي نفسه فهو يعتبر خائبا، لذلك اذا لم تكن تمتلك قطعة سلاح فإنك بنظر البعض "ضعيف".
7. التفسير المشوه للحديث النبوي الشريف " انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا "، حيث يستبسل أفراد العائلة الواحدة في الدفاع عن المجرم ابن بيتهم وهم يعلمون حق العلم أنه مجرم وقاتل، لمجرد أنه إبنهم.
8. التواجد السطحي جدا للشرطة بداخل الأحياء والمدن والقرى.
9. التراخي في منظومة العلاقات الاجتماعية، وفقدان سلطة الكبير، دون استبدالها ببديل يضمن الضوابط الإجتماعية.
10. منطق بعض لجان الصلح، في حل المشاكل بدون تحميل المجرمين العقاب اللازم بالسجن، ومن خلال الصلح والتعويض المادي. بدلا من العقاب بالسجن وتحمل عقبات الجريمة.
11. انتشار ظاهرة القتلة المأجورين الذين يقومون بتنفيذ العلميات الإجرامية حسب الطلب.
12. نظرة قطاعات كثيرة من المواطنين للشرطة كعدو، ولهم الحق في ذلك في كثير من الحالات، وعدم رؤيتهم اياها كشرطة تعملة من أجلهم.

حاولت فيما سبق أن اسلط الضوء على مسببات الجريمة، أدواتها، الفئات المستهدفة والمحفزات لاستمرار وتأجج هذه الظاهرة المقلقة جدا. والآن يأت السؤال كيف نخرج من مستنقع الدم هذا الذي نعيشه؟
هل توجد حلول سحرية؟ هل توجد حلول أساسا؟ وهل نجحت مجتمعات ومدن إخرى في العالم في كبح جماح الجريمة مباشرة وبدون انتظار التغيير المنشود في المفاهيم الإجتماعية والوعي العام؟

بالفعل أن مدننا كثيرة في العالم نجحت في بناء خطة صارمة لمواجهة العنف وحققت انجازات مدهشة، فمثلا مدينة نيويورك التي كانت من أكثر المدن في انتشار جرائم القتل حققت انجازا كبير وغير مسبوق في هذا المجال. فبعد أن كانت شوارعها مسرحا مروعا للجرائم فقد باتت مدينة آمنة بالفعل. وكيف حدث ذلك ؟ هل تغيرت الناس ؟ هل تاب المجرمون ؟ بالطبع لا. الإجرام والجريمة والمجرمون كامنون في كل مكان وفي كل نفس ! لكن شرطة نيويورك نجحت بالمهمة إلى حد كبير فكيف فعلت ذلك ؟؟
يبلغ عدد مواطني مدينة نيوروك قرابة الثمانية مليون نسمه ويبلغ عدد طواقم الشرطة والحراسة في المدينة قرابة ال 50 ألف شرطي ورجل أمن ينتشرون في كل لحظة في أنحاء المدينة ويمنحون المواطنين شعورا بالآمان، ويمنحون المجرمين شعورا بالقلق والخوف.
ويبلغ تعداد مجتمعنا الفلسطيني في الداخل قرابة المليونين أي ربع سكان مدينة نيويورك سيتي، وهذا يعني أن 12,500 الف شرطي يجب أن يقوموا بحماية هؤلاء المواطنين من براثن الجريمة والمجرمين، فيما يعمل أكثر من نصفهم في دوريات متنقلية. أي ما يقارب الـ 3500 مركبة شرطة أو حراسة أو أمن. ولنكن أكثر دقة لنقول 140 سيارة شرطة أو أمن أو غيرة فقط في مدينة الناصرة ( ولا تقول هذا كثير فعند هدم بيت في الوسط العربي تحضر تقريبا اعدادا مشابهة لهذه الأعداد) . و 95 مركبة أمن في أم الفحم. وهكذا بحسب حجم المدينة.
وليس من المحتم على مجالسنا المحلية وبلدياتنا إنتظار حدوث هذا الشي، فيمكن اذا لزم الأمر التعاقد مع شركات حراسة تكمل عمل الشرطة الذي يختلف الكثيرون في مدى مصداقيته وحسن نواياها. ولا يمكن لهذه الجهود أن تجدي ثمارها بدون انشاء مراكز مراقبة مركزية تعمل على متابعة شبكة كاميرات متشعبة، يتم نصبها في جميع الشوارع والأزقة وتتبعها منظمومة محوسبة لقراءة ارقام لوحات السيارات في جميع المدن. وفتح خطوط شكاوى مفتوحة مع الجمهور بحيث تضمن وصول الشرطة وشركات الحراسة خلال وقت لا يتجاوز ثلاثة دقاق إلى أي مسرح للجريمة.
بالإضافة لذلك يجب إطلاق حملة صارمة وشديدة لجمع السلاح من المواطنين من خلال الترغيب بتسليم السلاح بدون عقاب بتاتا خلال فترة زمنية محدودة وبعدها رفع العقوبات الصارمة على كل من يحمل السلاح بشكل غير قانوني.
أما على صعيد التوعية فيجب إطلاق حملة إعلامية كبيرة جدا، لنشر تفاصيل هذه الخطة وتعميمها على جميع القطاعات بشكل واسع.
على لجنة المتابعة العليا بناء هذه الخطة ورسم ميزانياتها وعرضها فورا على الشرطة من جهة وبالمقابل بناء بدائل تستند إلى اتخدام خدمات شركات حراسة خاصة لبدء تطبيقها من خلال خطة عمل مباشرة وموازية لخطة عامل لاستكمال هذه المشروع خلال حد أقصى لا يتجاوز ثلاث سنوات.

أعي جيدا الجوانب الوخيمة في حياكة مجموعة علاقات من هذا النوع بين الأقلية الفلسطينية وبين دولة إسرائيل ضمن هذا التشابك خاصة مع الأجهزة الأمنية، أعي جيدا أن هذا المشروع بحاجة إلى ميزانية عملاقة من الدولة، أعي جيدا أن هنالك محدودية لنجاح أي برنامج وأي مخطط. لكن هذه الجريمة التي تحدث أمام أعيننا ولا نفعل شيئا تجاها ستحرق المزيد حياة الشبان.
ولأننا لم نتمكن من حماية مجتمعنا بحصانتنا الإخلاقية التي مع الأسف أثبتت تمزقها، فعلينا أن نجد الحل بأنفسنا وهنا لا يمكننا أنه نطلب حماية دولية. في هذه الحالة نحن نتحدث عن مسرح جريمة أبطاله هم أبنائنا. حتى ولو كنا نعلم أن الأجهزة الظلامية تهيء لوجود هذه الحالة ولكن إذا لم نقف من أجل شعبنا فمن سيقف من إجله ؟

  المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com 

مقالات متعلقة