الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 23 / أبريل 09:01

اعادة نظر في تصميم صفوف الاول والثاني في المدارس من وجهة نظر تطورية/ د. سلام قدسي

د. سلام قدسي
نُشر: 13/09/19 13:24,  حُتلن: 10:50

د. سلام قدسي في مقاله:

نحن بحاجة الى اعادة التفكير في تصميم بيئتنا الصفية واعادة ترتيبها من جديد بما يتناسب ونفسية الاطفال واحتياجاتهم التطورية

اثناء جولتي في عدد من المدارس الابتدائية مع افتتاح السنة الدراسية والاطلاع على البيئات الصفية وما حضرته المربيات من زوايا صفية ولوحات ايضاح لفت انتباهي تراكم تلك الزوايا وتعدد الالوان فيها واقتناء معظمها بشكل جاهز واقتصار دور المربية على تعليقها على حيطان الصف. ولم اجد تقريبا أي حيز فارغ على حيطان الصف من كثرة ما تم تعليقه وكأن ترك أي مساحة يعتبر تقصيرا او نقصانا مع ان العكس هو الصحيح.

كنت اصاب بالغثيان مباشرة بعد دخولي الى كل صف فرغم اتساع مساحته شعرت بحاجة ماسة للخروج بسرعة للتنفس مع تأكيدي على وجود شبابيك ومكيف هوائي يعمل لكن هذه اللوحات بألوانها الصاخبة وعدم تناغمها وكثافتها خنقتني خلال دقائق وانا الكبير البالغ فما بال بذاك الطفل الجالس في تلك الغرفة لأكثر من ست ساعات يوميا؟!

نحن بحاجة الى اعادة التفكير في تصميم بيئتنا الصفية واعادة ترتيبها من جديد بما يتناسب ونفسية الاطفال واحتياجاتهم التطورية. هم في مرحلة بناء الذوق والحس التناغمي تماما كما هم في مرحلة تعلم القراءة والكتابة والحساب.

هذه الفوضى الذوقية تشتت انتباه الطلاب وتسهم في خلق اجواء ضاغطة في الصف وتترك في نفوسهم للمدى البعيد تصورا لمعاني واشكال الجماليات فاذا كانت صفوفهم وهي مملكتهم وبيتهم الثاني بهذه العجقة فستتشرب نفوسهم هذه العجقة وهكذا سيصبح ملبسهم ومشربهم وبيتهم في المستقبل. هذه القيم يمكن مراعاتها في اعادة تفكيرنا في صياغة صفوفنا من خلال اختيار الوان طلاء الجدران وما نضع عليه. هذا يذكرني بميل بعض الاهل الى طلاء غرف اطفالهم في طلاء فاقع اللون وتعليق البرق والنجوم في السقف ووضع عشرات الالعاب دون ترتيب فتتحول غرفهم الى ما يشبه ساحة الحرب. في الطفولة المبكرة كل حواس الاطفال متيقظة متوثبة مرهفة فدرجة او نسبة المذاقات بحلوها وحامضها لها اثر عميق على الطفل فيمتعض الرضيع من طعم الحامض على لسانه او القطر الذي يميز حلوياتنا الشرقية القاتلة.
كذلك الامر بالنسبة للأضواء والالوان والاصوات والروائح كلها اذا جاءت شديدة كانت غريبة عن عالم الطفل الذي جاء الى هذا الكون من مرورا برحم امه ليس صدفة. هناك النموذج الامثل حيث كانت البيئة الصفية الاولى التي رعته ووجد فيها كل اسباب العيش والهناء.
بعد ميلاده يلتقي الطفل بعالم مختلف تماما ووجبنا ان نخفف من صدمة ميلاده فندرج له عملية الخوض في هذه الدنيا من خلال مراعاة رهافة حواسه وحركاته الاخذة بالتطور البطيء نسبيا. فالطفل يقف على رجليه فقط بعد عام من ميلاده بينما يقف المهر على رجليه بعد ساعة. هنا تأتي مسؤولية الاهل والحاضنات لتهيئة اجواء تعكس الدفيء والحنان من خلال الوانها ودرجة حرارة الغرفة ومن خلال اختيار نوعية الملابس واوعية الاطعمة المقدمة وفوق هذا جميعا من خلال طرق الرعاية والتعامل مع الطفل.
لاحقا في الروضات والبساتين ومع تطور الطفل الحسي الحركي والادراكي نحتاج الى اطار اوسع وفي نفس الوقت علينا مراعاة مقومات الذوق اذ ان الطفل يختزن ويتعلم الجماليات من خلال المواد التي يراها ويلمسها ويعيش ويتمرس بها. من هنا يجب مراعاة التنوع في العاب الطفل والمواد التي يتعامل معها خلال الفعاليات والانشطة يجب ان تكون بجودة عالية وتكون المربية مؤتمنة على توفير التناغم اللوني والشكلي في كل ما تقدم ومسؤولة عن تصميم بيئة صفها مدركة ان كل ما يوضع في أي زاوية او يعلق على أي حائط له اثر في نفس الطفل المتكونة. هذا الادراك في جيل مبكرة من شانه ان يؤثر على البيئة الصف وبالتالي على سلوك الاطفال.

المعادلة سهلة كلما كنا اقرب الى الطبيعة والبساطة وقللنا من المؤثرات كنا اقرب الى الطفل ونفسيته وفطرته.
اقول دوما زوايا مكثفة قد ترضي البالغين بنزعتهم المادية من اهل وزوار ولكنها ليست بالضرورة تسهم في تطور الطفل.
مع وصول الطفل الى الصف الاول او الثاني وانتقاله من اطار البستان المرن واللين نسبيا الى الاطار الجامد والمبني الذي يحتم عليه الجلوس الى طاولة ليوم طويل والاستماع الى دروس تلقينيه في معظمها مجردة بعيدة عن المحسوسات، تجد المربية على ما يبدو حاجة الى كسر التجريدية المبالغ بها بوضعا لوسائل ايضاح حول الاطفال لتلفهم بها من كل صوب كأن هذا هو الحل في التخفيف من وطأة الانتقال.

نعم الانتقال الى صف اول فيه انتقال ازماتي بالنسبة للطفل ويشبه الى حد بعيد ولادة الطفل والانتقال من الرحم الى العالم الخارجي. اجد في هذا الانتقال عملية قصرية قهرية يعتاد عليها اطفالنا على مضد بحكم نظامهم الداخلي التكيفي دون معارضة ظاهرة. سأتطرق الى هذا الانتقال ومحاولات تسهيل المعابر بين المرحلتين في مقال اخر.

هذا الانتقال من حيز البستان الواسع والمتنوع الى حيز صف اول الضيق يحتم على المربية في صف اول وايضا ثاني التفكير مليا ببيئة صفها بدأ من نظام ترتيب الطاولات والكراسي بشكل يكون اقرب الى ما كان عليه الحال في مرحلة البستان وطلبها تعديل مكان اللوح والعارض بما يتلاءم وهذا التغيير. اما الزوايا الصفية ولوحات الايضاح فمن الضروري الانتباه الى ان غرفة الصف هي غرفة الطلاب اولا قبل ان تكون غرفة المربية وهم يتواجدون فيها اكثر منها. وعليها ان تكون مريحة للنظر وغير مشحونة بهذا الكم الهائل من وسائل الايضاح التي لا يتم التعامل معها يوميا واثرها على الاطفال لا يتعدى كونها معلقة على الحيطان وربما بعض صور الحيوانات تجذب هذا الطفل وذاك.
على المربية ان تتذكر ان اجواء الصف هي التي تعطي للطفل الشعور بالراحة او الضغط. تخيل حيطان مطعم تعج بكم هائل من صور الطعام من حولك فهل هذا سيفتح من شهيتك ام حائط هادئ اللون مع لوحة صغيرة متناغمة الالوان ستفي بالغرض بينما يمكن وضع صور الطعام في لائحة تقدم لك لبعض الوقت.

في الملخص غرفة الصف مريحة اولا بلونها بمحتوياتها بإضاءتها وتهويتها بأثاثها قبل ان نتطرق الى اسلوب المربية وطريقة تعاملها.
لنخرج من صفوفنا هذا الكم من الوسائل يمكن ادخالها في حصة ما وانزالها في نهايتها ليبقى الحيز واسعا مريحا او وضع زاوية يتم تبديل محتوياتها حسب الحاجة . وليس ببسط كل البضائع مرة واحدة.
الصف هو جزء من حياة الطالب مثلما هو جزء من حياة المربية ويجب اعطاء الطالب فرصة ليشعر بالانتماء الى هذا الصف من خلال تخصيص حيز لصوره واعماله توضع بتنسيق وذوق من قبل المربية وينظر الطالب اليها بفخر واعتزاز ويحب ان يراها في صفه كلما دخل اليه.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   

مقالات متعلقة