الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 01:01

"جنة المهجرين" مجموعة قصصية جديدة للأديب ناجي ظاهر

حسين فاعور الساعدي

حسين فاعور الساعدي
نُشر: 29/08/19 19:16,  حُتلن: 21:45

"جنة المهجرين" مجموعة قصصية جديدة للأديب ناجي ظاهر تصدر عن "دار المل" للنشر والتوزيع. وبذلك يبلغ عدد الكتب التي صدرت له عن هذه الدار منذ تأسيسها قبل خمس سنوات ستة كتب هي: حارة البومة، طائر البلاد، يوميات قارئ، كوكتيل شخصي، اكبر رجل في العالم وأخيراً وليس آخراً جنة المهجرين.

هذه المجموعة الجديدة تضم سبعة عشر قصة قصيرة أرادها الكاتب ان تكون جنة المهجرين، علها تعوضهم عن جنتهم التي فقدوها. معظم هذه القصص كنا قد جمعناها ونشرناها في موقع "المل الثقافي" استعداداً لإصدارها في مجموعة لكن الكاتب سبقنا.
من جحيمه الدائم الذي لا يطاق أراد الكاتب بسخائه المعهود والمعروف وطيبة قلبه الكبير ان يوفر لغيره ما لم يستطع أن يوفره لنفسه. أراد للآخرين أن يسعدوا على لهيب دموعه ونزف يراعه. يقولون أن الذي لا يملك الشيء لا يعطيه. لكن ذلك لا ينطبق على ناجي ظاهر الذي تعود على العطاء حتى وهو لا يملك. ناجي ظاهر الفقير غني بنفسه وأخلاقه ولذلك هو يعطي. ناجي ظاهر المشحون بالحزن والألم سعيد بإنسانيته ولذلك يوزع الابتسامات على الآخرين وقلبه ينزف. ناجي ظاهر المهجر فقد جنته ولذلك يوفر للآخرين جنة أجمل هي كتبه وقصصه.
المهجر، كما هو معروف، هو من فقد بيته وقريته ووطنه، إلا أننا أمام مهجر من نوع آخر، فقد يكون الإنسان مهجراً أيضاً وهو في بيته وأرضه ووطنه وبين أهله وذويه وهو أصعب وأقسى أنواع التهجير.
قرأت المجموعة بعد أن صدرت وهو أمر غير عادي وغير طبيعي لان دار المل تلتزم ألا تصدر إلا الأفضل. ووافقت على إصدارها دون أن أقرأها لثقتي بما يكتبه هذا الأديب المظلوم. لكنني لم أكن لأوافق على لوحة الغلاف لو رأيت الكتاب قبل إصداره. لأن هذه اللوحة تتناقض كلياً مع الجنة التي أراد الكاتب ان يوفرها لزملائه المهجرين. بل أكثر من ذلك هي صفعة لمن يمسك الكتاب، وقبل أن يفتحه، لما فيها من توتر قاسي وعنيف لدرجة القتل. فهل هذا ما أراده الكاتب؟ أخشى من ذلك. لكنني اتساءل: ألهذا الحد ممكن أن يكون العالم بشعاً؟ ألهذا الحد ممكن أن تصل قسوة الغربة أو التهجير المضاعف؟ ما أقسى هذه الخطوط المستقيمة في لوحة الغلاف! ما أقسى وأبشع هذا الانشطار المتلازم والمتلاصق بين الموت والحياة، بل بين الرجولة والأنوثة قطبي الحياة وصانِعَيْها!
لو ناقشت الكاتب لأصر على هذه اللوحة فقد تكون هي هذا التناقض في كل شيء والذي يعيشه وكل المهجرين أمثاله الذين أراد أن يوفر لهم الجنة التي يستطيع.
رغم قسوة لوحة الغلاف فقد تكون هي الكاتب الذي يجمع بين الحياة والموت ومن هذا الجمع والتلاصق إن شُلّت يدٌ فإن الأخرى تنبض بالحياة وتوزع الورود.
كلوحة الغلاف تحتوي هذه المجموعة على القصة الجميلة جداً ذات اللغة الشاعرية الخلابة والبعد الدلالي العميق كقصة "الغزال المرشد" التي تثبت وتدل على طول باع الكاتب وثقافته الواسعة، وتحتوي أيضاً على القصة العادية ذات اللغة المتعبة اللاهثة كقصة "جارتنا الروسية".
وكأني بك تعاتبنا جميعاً. تعاتبنا بحياء واستحياء وكان من حقك أن تصرخ في وجوهنا جميعاً. تعاتب بحياء ما تقترفه نوادينا الثقافية بحق الأدب والأدباء بعد أن أصبحت كطبيخ الشحاذين. وتعاتب محللينا الذين تقودهم غرائزهم ونزواتهم وأهواؤهم وجيوبهم. وتعاتب أكثر عزوفنا الوقح عن الكتاب والقراءة.
في "الغراب" حاولتَ أن تكونه، لكنك لم تفلح فجاءت لغتك خفيفة متضاربة ولم تفلح في الدلالة أيضاً لأنك أبيض من الحليب وصوتك شاعري منعش حتى وأنت تعزف عن الشعر وتمارس القصة، فكيف تكون غراباً؟. ما أصدقك! نعم ما أصدقك فكل حرف تكتبه هو تعبير عن لحظة تعيشها وصورة طبق الأصل دون ماكياج أو رتوش. عندما تتوفر لك لحظة الأمان تبدع كما يجب ان يكون الإبداع. وعندما يطغى عليك جحيمك وقلقك، وما أكثر ما يطغى عليك كما يبدو، ترتعد الكلمات بل تتلوى وتنكسر. يقال أنه من الجحيم ومن الألم يخرج العظماء والمبدعين، لكن الحياة تظل أقوى، ومن حقنا الالتفات إلى مفاتنها. لقد حاولت أن تجرب ذلك مع "جارتنا الروسية" ومع "المهمة الصعبة" فجاءت النتيجة واحدة: صادمة ومخيبة للأمل، وكأن الفلسطيني ممنوع من الفرح، رغم البون الشاسع في مبنى القصتين.
لله درك أيها العزيز ناجي ظاهر وكأني بك أخليت للحزن موطئ قدم لينال من لغتك ومفرداتك في بعض قصص هذه المجموعة. فأنت إنسان من حقك أن تحزن وأن تبكي وأن يرتعد صوتك ويجف حبرك قليلاً... إلا أنك سرعان ما تلتقط أنفاسك في "الغزال المرشد" بالغة الروعة لأنك أنت الغزال المرشد وفي "عودة ديك" و"المحرقة" اللتين يضاهيانها في روعة السرد وجاذبية التشويق.
إياك أن تجر ساقيك وتسدل يديك كما في "الغراب" و "جارتنا الروسية"، مهما بلغ عهر نوادينا الثقافية ومهما ارتفعت جعجعة المتطفلين على الأدب، ومهما بلغ ظلم الأهل وذوي القربى فهنالك من يحبك ويقدرك وينتظر ليقرأ كل ما تكتب. وهنالك من سيحاسبك حساباً عسيراً لأنك تملك الأدوات والوسائل كما ثبت في "عودة ديك" و "المحرقة" و "أبي وأبو داوود" و"العيدية". أنت من قلت لي "نحن في عصر الفيسبوك" وكنت تقصد أننا في عصر الرداءة والانحطاط في المجالات كافة وليس أمامنا إلا مواصلة المشوار. فواصل الطريق و"دار المل" في انتظار مولودك الأجمل.

 موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com 

مقالات متعلقة