الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 20 / أبريل 04:02

مجزرة الـباسو- تكساس.. نظرة تحليلية/ بقلم: د. سعيد سليمان

د. سعيد سليمان
نُشر: 04/08/19 17:55,  حُتلن: 21:52

مجزرة ال -باسو- تكساس- نظرة تحليلية/ بقلم: د. سعيد سليمان

 استهداف أماكن العبادة، المجمعات التجارية من قبل المتطرفين هو خطوة اولى للتعبير عن كراهية الغرباء وفي سبيل انشاء أوطان خالية من الغرباء وسيعقبه خطوات لاحقة في سبيل تحقيقه، قسم منها بدأ العمل به، اذا ما تم التصدي لهذه المرحلة

هزت مشاهد المجزرة البشعة في متجر وول مات بال باوسو في تكساس أمس مشاعر الانسانية باسرها والتي استهدفت المجمع التجاري في المدينة والتي راح ضحيتها 20 قتيلا من السكان المدنيين الأبرياء وأصيب 26 شخصا آخرين . ان حادثة بال باوسو تكساس لا تنفصل عن الأحداث التي سبقتها في مساجد نيوزيلندا بل أنها تندرج في نفس السياق. بداية لأنها أزهقت أرواح اناس ابرياء تم استهدافهم فقط لكونهم غرباء أو مهاجرين . كذلك فان كل الدلائل تشير الى أن منفذ الجريمة البشعة في تكساس أو سفاح تكساس استلهم واستوحى جريمته البشعة من الجريمة التي حصلت في المسجدين في نيوزيلندا والتي نفذت تحت راية تفوق الرجل الأبيض والتي راح ضحيتها 50 شخصا (هآرتس، 4.8) .

أعتقد أن العالم يقف اليوم على عتبة مرحلة حرجة، مرحلة ما بعد العولمة والتي سأطلق عليها مصطلح "أزمة العولمة " . فقد ادت ظاهرة العولمة في العقدين الأخيرين الى انكشاف المجتمعات على بعضها البعض عن طريق استعمال وسائل التكنولوجيا المتطورة ومن خلال ظواهر الهجرة على أنواعها. حيث شهد العالم في العقود الاخيرة موجات هجرة واسعة خاصة من الدول الفقيرة الى الدول الغنية مثل الولايات المتحدة واوروبا. من المفترض أن تؤدي ظاهرة العولمة بمفهومها الواسع الى زيادة التقارب والمعرفة بين بني البشر نتيجة منالية التقائهم وتواصلهم مع بعضهم البعض سواءا كان اتصالا مباشرا أو غير مباشر. ولكن على عكس كل التوقعات فان العالم يشهد اليوم ظاهرة عكسية مرتبطة بظاهرة العولمة تتمثل في تنامي كراهية الغريب وتعزيز ثقافة الغرابة التي لم يألفها العالم من قبل أو لنقل أنها كانت غير بارزة ولكنها بدأت بالتعاظم في الفترات الأخيرة مع ازدياد عمليات الهجرة الى دول الغرب وبعد أحداث 11 سبتمبر. ان عمليات الهجرة الواسعة التي تحدث بالعالم سواءا كانت حالات هجرة ارادية أو لا ارادية كما هو الحال لدى المهاجرين السوريين, ادت الى حالة من التعصب لدى السكان المحليين ضد ظاهرة الهجرة. فكراهية الآخر تبرز اليوم في معظم دول العالم منها الغربية وغير الغربية كما تبين الأدبيات المختلفة. هذه الكراهية ولدت نوع من العنصرية تجاه المهاجر أو الغريب القادم من دولة, قارة أو بلدة اخرى والتي بدأت تترجم لأعمال عنف بدأت تطال الغرباء أو المهاجرين.

أن ظاهرة ما بعد العولمة او ما أطلقت عليه مصطلح "أزمة العولمة" ستقودنا بلا شك الا بداية مرحلة جديدة تتمثل في تنامي كراهية الغرباء والخوف منهم (غرابة فوبيا)، بغض النظر عن انتمائهم العرقي أو الديني، وستقودنا في نهاية المطاف الى المطالبة بتطهير الدول من الغرباء وانشاء أوطان نقية وخالية من الغرباء . ان الدوافع التي تقف وراء هذه المطالب هي عديدة منها:
1-اتهام الغرباء أو المهاجرين في أعمال العنف والجريمة المستشرية في هذه الدول رغم أن نسبة العنف والجريمة في أوساطهم لا تزيد عن نسبتهم من سكان الدولة.
2- اتهام الغرباء او المهاجرين بتقاسم موارد الدولة مع السكان المحليين والتي باعتقادهم انها من حق السكان المحليين فقط.
3- هناك من يذهب بعيدا ويبدي مخاوفه من أن المهاجرين سيقومون باستبدال العرق الابيض أو السلالة البيضاء كما هو الحال لدوافع حادثة تكساس في الولايات المتحدة، كما يستدل من منشور قام منفذ الجريمة بتوزيعه قبل تنفيذ جريمته البشعة. وترجع جذور دوافع منفذ العملية المدعو بطريك كيريوزيوس الى نظرية "الاستبدال العظيم" التي قام بتطويرها الفرنسي رنو كامو والذي اتهم فيها الزعامة الاوروبية والغربية في محاولة لاستبدال السكان المحليين بسكان غرباء من الشرق الأوسط وافريقيا.
جدير بالذكر ان كراهية الغرباء امتدت لتطال ليس فقط المهاجرين الى الدول الغربية كما هو الحال في نيوزيلندا والولايات المتحدة بل أنها تطال أيضا مجموعات سكانية أخرى كاللاجئين السوريين في تركيا، وتحديدا في مدينة اسطنبول، اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الذين يعانون من مضايقات تهدد مصيرهم.

ان استهداف أماكن العبادة والمجمعات التجارية من قبل المتطرفين الذين يستمدون أفعالهم من الأجواء العامة التي تحرض على الغرباء هي دون شك خطوة اولى للتعبير عن كراهية الغرباء، ولكن ما حدث في تكساس من استهداف للمجمعات التجارية لم يكن مألوفا بل أخذ منحى آخر. تم سابقا استهداف أماكن العبادة كالمساجد والكنائس لكونها أماكن يتجمع فيها "الغرباء" من ديانات أو من قوميات معينة ومن السهل استهدافها. ان استهداف المجمعات التجارية لتنفيذ العملية البشعة هو ليس وليد الصدفة أيضا بل ان المجمعات التجارية أصبحت مكانا يجمع تحت مظلته مجموعات سكانية على اختلاف أنواعها بل أن قسم منها أصبحت تأخذ طابعا يرتبط بالمهاجرين ، بسبب توقف ريادة هذه المجمعات التجارية من قبل الأغلبية المحلية بسبب ريادة المهاجرين أو الغرباء لها.

كما أسلفت فان استهداف أماكن العبادة، المجمعات التجارية من قبل المتطرفين هو خطوة اولى للتعبير عن كراهية الغرباء وفي سبيل انشاء أوطان خالية من الغرباء وسيعقبه خطوات لاحقة في سبيل تحقيقه، قسم منها بدأ العمل به، اذا ما تم التصدي لهذه المرحلة مثل:
1-سن قوانين عنصرية لتضييق الخناق على المهاجرين والغرباء.
2-منع ظهور الرموز الخاصة بالغرباء في الحيز العام كاللباس ،استعمال اللغة واقامة الشعائر الدينية.
3- سيصبح الغرباء الورقة الرابحة التي يغامر عليها معظم الأحزاب التي تسعى للوصول الى دكة الحكم. فان استهداف الغرباء والمس بحقوقهم بل المطالبة برحيلهم سيتربع على عرش أجندة هذه الأحزاب.
في الختام، يجب التصدي لكل المتطرفين الذين يستهدفون الأشخاص الابرياء على مختلف انتماءاتهم الاثنية والدينية كذلك يجب التصدي للاعتداءات التي تطال أماكن العبادة وذلك عن طريق الاحتجاجات والمطالبة بمعاقبة كل من تسول له نفسه بالتعدي على حريات الآخرين. كذلك يجب التصدي لسلسلة القوانين العنصرية التي تحد من حرية الآخرين من خلال المحافل الدولية.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com 

مقالات متعلقة