الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 19 / مارس 10:02

ما بين المُشارَكة والمُشتَرَكة - سجال عنيف وحقد دفين وكره وشماتة/ بقلم: اليف صبّاغ

اليف صبّاغ
نُشر: 14/07/19 15:22,  حُتلن: 21:59

اليف صبّاغ في مقاله:

ما هو مضمون التفويض الذي مُنح للجنة الوفاق؟ ولماذا كان التفويض شيكا موقعا ومفتوحا؟

ما هي الاعتبارات والمقاييس التي اتبعتها لجنة الوفاق في ترتيب القائمة واعطاء كل ذي حق حقه في التمثيل؟ 

لم تأخذ لجنة الوفاق حق جمهور الناخبين في التمثيل، بل استمرت في ترتيب القائمة دون الاخذ بعين الاعتبار ان الهدف الحقيقي من اعادة بناء المشتركة هو استعادة ثقة الناخبين 

لم تأخذ لجنة الوفاق بعين الاعتبار ان بعض الاحزاب البرلمانية استنفدت قوتها البرلمانية في ابريل 2019 والبعض الآخر ما يزال يتمتع بقوة ميدانية أكبر من قوته البرلمانية

سجال عنيف ينضح منه حقد دفين، وكره وشماته حتى رغبة في محو الآخر...ومبادرات فيها من الديماغوغية ما يفضح المستور ونداءات فيها من الاستجداء ما لا ينفع لاستعادة الجسور. اقول هذا الكلام وانتقي المفردات اللطيفة، نسبيا، كي لا استفز أحدأً ولا أحرق ما تبقى من مودة .
أين الخطأ او الاخطاء؟ ومن الذي أخطأ ؟ وبحق من؟ وما هو المخرج من الازمة؟ وقد يسال سائل، لماذا تتدخل في قضية المشتركة وأنت من دعاة المقاطعة؟ وعلى هذا سأجيب ايضا.

للإجابة على هذه الاسئلة بموضوعية معتمدا على مراقبة ومتابعة التصريحات التي صدرت من الاطراف جميعها، ومحادثات مع عدد من متخذي القرار الخاص بالمشتركة، لا بد ان نسأل عن الاخطاء:

الخطأ الاول: ما هو مضمون التفويض الذي مُنح للجنة الوفاق؟ ولماذا كان التفويض شيكا موقعا ومفتوحا؟ ولماذا لم يحدد الموقعون على التفويض، اعتبارات او مقاييس وأهدافاً تعمل لجنة الوفاق لتحقيقها؟ وهنا يكمن الخطأ الاول والأساس لعملية التفويض. وبالتالي تُركت للجنة الوفاق ان تُحدّد لنفسها الاعتبارات والأهداف التي تراها مناسبة للوصول الى الوفاق. وهنا لا بد من القول: لا يحق لأحد تخوين لجنة الوفاق او معاتبتها او وصفها بأوصاف نابية. أنتم من فوضتم ووقعتم على شيك مفتوح او ورقة بيضاء، واعطيتم لجنة الوفاق حقا لا حدود له. لن تنفعكم اي تبريرات او انفعالات او مبادرات بهلوانية او نداءات استجداء. ولا بد من المصارحة، أيضا، انني لو كنت ممثلا لحزب وأوقعته في هذا الخطأ، حتى لو كان ناجما عن حسن نية، ما ترددت في تقديم استقالتي، فالسياسة لا تحتمل طيب النوايا ومن يقع في الصغيرة قد يقع في كبيرة ايضا.

الخطأ الثاني: ما هي الاعتبارات والمقاييس التي اتبعتها لجنة الوفاق في ترتيب القائمة واعطاء كل ذي حق حقه في التمثيل؟ وهنا لا بد من السؤال، من هو صاحب الحق؟ الحزب او الكتلة البرلمانية ام جمهور الناخبين؟ واعتقد ان اللجنة أخطأت حين وضعت امام اعينها "حقوق" الكتل البرلمانية قبل "حقوق" الاحزاب، وبالأـساس قبل حقوق الناخبين ، وهو الذي يُفترَض ان يكون جمهور الهدف الحقيقي، وصاحب الحق في التمثيل.


الخطأ الثالث:
الاعتبارات...أصدرت لجنة الوفاق قرارها وفق التفويض المفتوح لها، للأماكن العشرة الأوائل، وفق اعتبار أساسي ويتمثل بميزان القوى لانتخابات ابريل 2019، وهو اعتبار يحدد ترتيب القائمة وفق نتائج الانتخابات الاخيرة في ابريل 2019، اي أولا، عددي أي وفق قوة كل حزب برلماني من الاحزاب الأربعة، والثاني يحدد مكان ومكانة كل كتلة برلمانية من الكتلتين (الجبهة والتغيير، والاسلامية والتجمع) مع بعض التعديلات . من هنا جاء ترتيب المقعد الاول ورئاسة القائمة للجبهة، باعتبارها الحزب الاكبر برلمانيا، ورئاسة الكتلة الاكبر ايضا ولم يختلف اثنان على ذلك. وجاء المكان الثاني للاسلامية بسبب رئاستها للكتلة البرلمانية الثانية، ومن ثم الثالث التغير لكونها الثاني في الكتلة الاكبر وبعدها التجمع في المكان الرابع باعتباره الثاني في الكتلة الاصغر...واستمر هذه الاعتبارات مُوجِّهَة للّجنة حتى المكان العاشر مع تعديل بسيط يتمثل بإعطاء المكان السابع للتجمع والثامن للتغيير، وفي هذا نوع من الاسترضاء لمكانة التجمع المعنوية ليس إلا. وهكذا حافظت اللجنة على ان يكون للجبهة 4 مرشحين في العشرة الاوائل ولباقي المركبات 2 لكل حزب. لكن الخطأ لا يكمن هنا، وانما باستمرار هذه الاعتبارات او المقاييس الى ما بعد المقعد العاشر. وهنا يكمن الخطأ القاتل.

لم تأخذ لجنة الوفاق حق جمهور الناخبين في التمثيل، بل استمرت في ترتيب القائمة دون الاخذ بعين الاعتبار ان الهدف الحقيقي من اعادة بناء المشتركة هو استعادة ثقة الناخبين ، وبالذات أولئك الذين صوتوا لها عام 2015 وتركوها او تركوا مركباتها عام 2019.
لم تأخذ لجنة الوفاق بعين الاعتبار ان الفارق بين نسبة التصويت لدى الجمهور العربي بين 2015 -2019 هو 15% وان نسبة لا بأس بها من المصوتين السابقين للمشتركة 2015 ذهبوا الى الاحزاب الصهيونية..وعليه يتوجب ترتيب المقاعد من 11 الى 16 بحيث يتم استعادة هؤلاء الناخبين او جزءا منهم. أقول جزء لأنني على قناعة تامة ان جزء آخر لن يعود لا الى المشتركة ولا لغيرها، لقد وصل الى قناعة ان المشكلة الأساس هي في الكنيست كمؤسسة صهيونية عنصرية.

لم تأخذ لجنة الوفاق بعين الاعتبار ان بعض الاحزاب البرلمانية استنفدت قوتها البرلمانية في ابريل 2019 والبعض الآخر ما يزال يتمتع بقوة ميدانية أكبر من قوته البرلمانية، وأن هناك مناطق جغرافية تم تهميشها في ترشيحات ابريل 2019 فامتنعت عن التصويت، واقصد النقب الذي لم تتعد نسبة التصويت فيه 34%. وحين قررت لجنة الوفاق ان يكون المقعد 11 للحركة الاسلامية، لم تحدده لاعتبارات جغرافية، كما بلغني من اللجنة، وانما للاعتبارات التي حددتها لنفسها ووجهتها حتى المقعد العاشر، ومن الصدفة ان الحركة الاسلامية وجدت مرشحا لها من النقب فملأت الفراغ الجغرافي. اقول هذا اعتمادا على محادثات موثقة وليس اعتباطا او تقديرا مني. ويؤكد ذلك ان تحديد المكان ال 12 للجبهة جاء أيضا على اعتبار انه لا يجوز لكتلة الاسلامية والتجمع ان تأخذ مكانين متعاقبين أي ال وال 12 وانما يتطلب التوازن الكتلوي ان تكون الجبهة او التغيير في المكان 12 وبما ان الجبهة هي الأكبر داخل الكتلة فتحصل على مكان 12 وتحصل التغيير على المكان 14 والتجمع على ال 13.

أخطأت لجنة الوفاق بالاستمرار على هذا النهج، لأنه كان يُفترض بها ان تنتهج نهجا آخرا يعيد الى المشتركة بعض من ترك كتلها البرلمانية، ولم يتركوا احزابهم. من هم هؤلاء؟ واي ترتيب لما بعد المقعد العاشر يمكن ان يعيدهم الى المشتركة؟ هذا هو السؤال الأساس الذي كان يُفترَض ان يوجه لجنة الوفاق. وإذا اختلفتم في ذلك، يمكن للكتل البرلمانية إجراء استطلاع بسيط لتبيان الهوية الحزبية لجمهور الناخبين الاضافي وهو المُستهدف.

اخطأت لجنة الوفاق باعتباراتها لأن مركبات المشتركة لم تحدد لها اهدافا واعتبارات قبل تفويضها. ولأن مركبات المشتركة أصرت على نهج تقاسم الكعكة، اي المشاركة في تقسيم المدخول البرلماني، وليس في استعادة ثقة الناخبين واستعادة المشتركة كفكرة ومشروع موحَّد لتيارات سياسية مختلفة، ايديولوجيا واجتماعيا ، وسياسيا احيانا. وتثبت تصريحات التجمع ان همها الأساس هو مكانة التجمع المعنوي وحقوقه "المهضومة"، كما تثبت كتلة التغيير ان همها الحصول على اكبر قدر من ميزانية البرلمان، وليس حق الجمهور الذي قاطع الكتل البرلمانية في انتخابات ابريل في تحديد هوية ممثليه. اما التمسك المُعلن صباح مساء بالقائمة المشتركة دون الأخذ بعين الاعتبار هوية جمهور الناخبين المستهدف، فهو ضرب من الديماغوغية التي خبرناها في حلقات سابقة وتحمل في طياتها نوايا خبيثة. لا ينكرَنّ أحد ان الاحزاب البرلمانية اصبحت تعتمد اعتمادا كليا او شبه كلي، لتمويل معاشات موظفيها ومقراتها الحزبية، على المدخول من الكنيست، اما جمهور الناخبين فليس أكثر من ادوات للوصول الى تلك الميزانيات. ومن هنا فهي لا تجرؤ ان تقاطع الكنيست.

واخيرا، قد يسال سائل، وما دخلك في ترتيب المشتركة ما دمت تدعو الى المقاطعة؟ وعليه اجيب:
اولا ، انني ورفاقي في حركة المقاطعة الوطنية لم ندع يوما الى مقاطعة الاحزاب بما فيها الاحزاب البرلمانية، وانما ندعو الى مقاطعة الكنيست الصهيوني. ونحن نفرق بين الاحزاب وبين الكتل البرلمانية والكنيست.
ثانيا، لنتذكر انتخابات 2015.. هل كانت حركة المقاطعة الوطنية موجودة وحاضرة؟ الجواب نعم. ولكن لماذا لم تنشط كما نشطت في الانتخابات الأخيرة 2019 ؟ الجواب يكمن في سببين، الاول ان حركة مقاطعة الكنيست تعززت وتجذرت خلال السنوات الاربع الماضية بسبب ما سنته الكنيست من قوانين واهمها قانون القومية الذي اخرج اعضاء الكنيست العرب من كل دائرة من دوائر التأثير، والثاني فشل مركبات القائمة المشتركة في الكنيست وصراعاتهم على المدخولات المادية وفشلهم حتى بالحفاظ على المشتركة وهو اقل ما يمكن.
ولنتذكر مرة أخرى اجواء انتخابات 2015، حين كان العنف مستشريا بين القوى المتصارعة في انتخابات السلطات المحلية قبل انتخابات الكنيست، وحين كان، وما يزال ، الانقسام الفلسطيني يقض مضاجع الجميع، ورأينا حينذاك بإقامة المشتركة، كفكرة ومشروع وطني واجتماعي، نموذجا للشراكة بين المختلفين، وامكانية الوصول الى قواسم مشتركة رغم وجود الاختلاف، وعليه صمتت حركة المقاطعة الوطنية عن نقدها "للنضال" البرلماني الوهمي...اكراما لفكرة المشتركة، حتى ان بعض القوى الوطنية المقاطعة للكنيست ذهبت في اللحظة الاخيرة وصوتت ، ولستُ منهم، ولكني من الذين تفهموا هذا التراجع العاطفي ولو جزئيا.
باٌختصار، نحن أحرص الناس على الحركة الوطنية ومركباتها، لا نحرص على الكتل البرلمانية وانما نخشى انعكاس خلافاتهم في تقاسم الكعكة البرلمانية على حياتنا السياسية الوطنية عامة. نخشى ان ينعكس ذلك على المشاركة الحقيقية في انتخاب لجنة متابعة عليا او هيئة وطنية عليا تقود مشروعنا الوطني، علما بان 35% فقط من جمهورنا يصوت للقوائم البرلمانية الاربع. وعلما ان 51% من الجمهور العربي لم يصوت للكنيست ويرى بذل الجهود لإعادة بناء هيئاتنا الوطنية أولوية أجدى وأنفع.

14/7/2019

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

مقالات متعلقة