الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 06:02

تقديس الماضي هو السيف الذي يقطع رؤوسكم أبداً/ بقلم: نسيم الخوري

نسيم الخوري
نُشر: 29/06/19 08:37,  حُتلن: 07:21

تقديس الماضي هو السيف الذي يقطع رؤوسكم أبداً

نسيم الخوري(نسر حرمون) في مقاله: 

لم تعد تسعف ثقافة المعاول والحفر العربي في ركام الماضي ورفض الإندماج وتقديم العقائد الصلبة أعلاماً وإستراتيجيات فارغة للمستقبل بحضارة ردود الفعل العصبية

هل نام أهل الصين فوق أغنيات السور الطويل والعظيم الذي بناه جدّهم القديم أم أنّهم عبروا بحاضرهم الصناعي والتجاري وإستطاعوا أن يرجّفوا مستقبل الأرض بحضورهم حيث التاريخ خرائب للسياحة؟

1- إستهلالية النديب على الماضي
لن تجد في المشهد العربي سوى المؤآمرات والصراخ وحرق الإعلام والصور في المظاهرات. ليس سوى التكاثر والتديّن لمزيدٍ من الجاهلين والمتسوّلين والمغتصبين.
لم تعد تسعف ثقافة المعاول والحفر العربي في ركام الماضي ورفض الإندماج وتقديم العقائد الصلبة أعلاماً وإستراتيجيات فارغة للمستقبل بحضارة ردود الفعل العصبية. لنعترف أنّنا شعوب وقبائل لم تخرج من الإستعمار وهي واقعةا في الإستبداد معادية للعقل والعلم والحق ومرتمية فوق البلاط الدولي نماذج كفر وإنحلال وسرقات؟

2- فلنسأل:
أليست سياسة العظماء نحو الدول الصغيرة والمتوسّطة في العالم محكومة بشيوخ القبائل التي لا تكسر عزّة بعضها أبداً لكنها تمدّ الأرض بإستراتيجيات القوة والضغط والتعثّر في شباك الضياع بين مصطلحات السلطة والسيادة والتطوّر والتغيير والتخلّف والجمود؟
ماذا تعني اليوم مفاهيم السلطة والسيادة في زمن كاميرات التصوير بأحجام الحشرات الدقيقة والطيور الصغيرة التي تنسخ أسرار الدول وأسرّة الحكّام والمواطنين فوق وجه الأرض؟
أين السيادة في خرق الطائرات والقوارب التدميريّة الصغيرة العابرة للحدود من دون قادة، توجّه من بعد هائل خارقةً الحدود بين الرجل وزوجته في السرير لتقتل وتدمّر وتراكم الرادارات وأجهزة الإستشعار وأطنان الأسلحة التي لا تتجاوز في فعاليتها مسدسات الماء التي يلعب بها أطفال النازحين والجائعين والمتسولين في الأرض من أجيال العرب ؟
من يضع القوانين لهذه المخترعات التي لا ذكر لها في مجلّدات الحقوق والمنظّمات أوالقرارات الدولية أو ما يسمّى المجتمع الدولي؟
ماذا تعني المجتمعات الدولية بصيغة المفرد أو بصيغة الجمع لطالما باتت مفكّكة يتصارع فيها الراسخون في الماضي والقائلون بفقدان الحاضر والداعون لتدميره.
ألا ترون كيفية إلتهام بعض الدول عند وقوعها في الشباك المتنوّعة التفاصيل لتقدّم هدايا مجّانية الى زعماء الدول العظمى في أعيادها الرسمية أو أعياد ميلاد هؤلاء الزعماء ، ولماذا تسألون عن شعوبٍ عربيّةٍ تيبس تحت الشمس وتذريها الرياح مع أوّل عاصفة؟
ما هو مستقبل الدول المصفوفة في هذا الشرق التي تبني جديدها على الحروب والأحقاد والكره والدخول في أنفاق الطوائف والسنة والشيعة والتملّص من ثقافات القرن المشرّعة النوافذ ؟
لا أجوبة لديّ!

3- للتوضيح بالأسئلة ثالثاً:
أخبروني.
هل نام أهل الصين فوق أغنيات السور الطويل والعظيم الذي بناه جدّهم القديم أم أنّهم عبروا بحاضرهم الصناعي والتجاري وإستطاعوا أن يرجّفوا مستقبل الأرض بحضورهم حيث التاريخ خرائب للسياحة؟
هل بنت أميركا أو الإتّحاد السوفياتي واليابان وكوريا وغيرها من الدول عظمتها الحاضرة بالقصائد الممجّدة للتاريخ؟
ماذا يبقّى من سقراط وأرسطو وإفلاطون في العقل الايوناني وماذا قدّمت حضارة الإغريق لأهلها اليونانيين الذين سكروا بماضيهم وفرّطوا بحاضرهم وهم يعيشون في الرقص والسهر والسكر والفقر؟
إلى أين قاد ويقود الماضي المصري وإهرامات الفراعنة وبلاد ما بين النهرين سوى إلى التحلّق حول الأعمدة والقبب ومطّ الشفاه أمام عدسات السائحين ؟
لا قيمة لماضيكم أيها العرب. أنتم قبائل لا حاضر لها ولا مستقبل.
لو بقيت سنغافورة وغيرها من بلدان المسلمين ممسكة بالقديم لما رفعت حجراً واحداً في منظومة ناطحات السحاب ومسلسل الأبراج.
ما هويّة لبنان الضائع من هذا كلّه؟
للقرّاء الإجابة. لست أدري...

4- لنفسّر للكائن المفعول فيه ثالثاً:
تنبسط الدنيا أمام أولادكم بالسراويل بالنقر فوق رأس الماوس wwwأي world wide wep (شبكة خيوط العنكبوت العالميّة) فيمتلك واحدكم صفات الإنسان الرقمي بسرعة الضوء فيرتمي واهماً في حريّة مطلقة. يقلّب مخازن المعرفة ثمّ يعرّج على ربيع العرب ويحيّي فلسطين أو بقاياها بقصيدة أو بشتيمة أو ب"لايك" أو تعليق يرفض فيه دولة أو مطبعة الأمن الدولي ويصفع جاره في زمن الصفقات ساهياً أنّه دودة مقيمة في الشقوق متمسّك بقشور الأديان التي دمّرت البلدان والإنسان.
قد يستحيل الخروج من هناك حيث نزل الماضي الأدراج العالمية كلّها خطاباً بعد خطاب وقصيدة إثر قصيدة ومؤآمرة تلو مؤآمرة وتراكم الشعوب التضحيات والأعباء مثل الطبقات الرسوبية ترتفع في هذا الشرق العربي البائس.
متى تسقط هذه الجسور الصلبة بين ديانة الآباء وديانة الأبناء، بين الحاضر والماضي؟
لا يعني البحث في ركام الماضي أوالحفر فيه سوى دحرجة مآسيه في زوايا العالم ولا يطيّب صفوه سوى الخطب والتصريحات المقيمة في الحناجر الطافحة بالعجز منذ حيرة التاريخ ميلاديّاً أم هجرياُ.

5- لنقرّ ونعترف رابعاً:
أن عصر العناكب ليس نسيجاً ناعماًعلى الإطلاق لأنّ المادة التي تفرزها أنثى العنكبوت أصلب مادة وجدت فوق سطح الأرض، تبني عشّها بعد التلقيح وتقتل الذكر الملقّح حيث الموت الجميل من دون صراخ. يحفظ الذكر المقتول في هندسة الغريزة ثقب بيت العنكبوت طعاماً لصغار العناكب وتأمين نموّهم في نشرعوالم الشبكات الجديدة الآتية. هكذا يصبح سهلاً على العناكب اصطياد الذبابات والفراشات والحشرات التي تتسلّق أو تقع صدفةً فوق الشبكة اللزجة.
نحن في الشبكات العالميّة يا عرب بمعنى ال Reseaux قدر شعوب العالم ومعضلاتها وأحزانها ومكابرتها للوقوع في الإقناع الجميل بهدف الحريّة وطمعاً بالتغيير والسلطة المبطّنة بالإنصياع واللحاق الناعم خلف الرحلات/الإستراتيجيات السياسية المتخفية وراء الخيطان الواهية تمريراً "حضارياً" و"راقياً" نهضمه جميعاً من دون أن نشعر بدمائه لأنّنا فوق سطوح إشاعة الأفكار والثقافات والعادات والموض والأحلام والميول والحاجات والعقائد التي لربّما تعلّمنا رفضها صغاراً وأدمنا الرفض كباراً عبر الأجيال والتواريخ لكننا شعوب مقعدة في الحفر الواعدة بالقبض على الجنّة.
نحن في حالٍ من العجز والمكابرة النتنة نتخبط معاً فوق ريق العناكب وشباكها الدوليّة www، ونسينا أنّ تلك الأفخاخ الجميلة ولدت في عقولٍ عسكرية أدمنت حراسة المعلومات الخاصّة بالدول وكبار الأفراد في العالم في الحروب العالمية الباردة مذ كان يسود رعب نووي بين الجبارين، ولم يبق لكم سوى رعب هندسي وتخلّف لا حدود لزمانه يغلّف شعوب الشرق العربي وخيراتها المدفونة الجاهزة للتقاسم والضياع والحيرة.

أستاذ مشرف في المعهد العالي للدكتوراه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com 

 

مقالات متعلقة