الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 12:02

الفلسطينيون المؤثر والمتغير/ بقلم: سميح خلف

سميح خلف
نُشر: 15/04/19 12:27,  حُتلن: 11:55

سميح خلف في مقاله: 

في عصر الاحتلال المباشر لما تبقى من ارض الوطن حدث إنتعاش كبير للحركة الاقتصادية من خلال عشرات بل مئات الآلاف من فرص عمل مختلفة للفلسطينيين داخل الأرض المحتلة مما أحدث تغيرًا في شكل ومظهر المخيمات الفلسطينية 

ليست استقراءات بل هذا ما انجبته أوسلو من منافع لبعض الفئات وظهور الصراعات الوظيفية والرواتب المشروطة ببعدها من الولاءات وظهور الفساد الإداري والسلوكي والأمني وما نتج من إنقسام دموي عام 2007 ومن صراع على الحكم وقيادة السلطة

ثمة علاقة وثيقة بين المؤثر والمتغير في صياغة الحالة الفلسطينية ببعدها الإجتماعي والثقافي والسياسي، وبداية مع ظهور وعد بلفور وما قبله المؤتمر الصهيوني الأول في بازل واللذان اعطيا اليهود "الحركة الصهيونية" ببعدها الإقتصادي والسياسي والديني وطن لليهود في فلسطين، وقد يكون البعد الإجتماعي والإقتصادي للشعب الفلسطيني في الخلافة والحكم العثماني وتغييب العامل السياسي وتفكيك الدولة الاسلامية وهزيمة الامبراطورية العثمانية وظهور سايكس بيكو بمؤثر على تقسيم المنطقة بحدود متنازع عليها ومن ثم الاحتلال البريطاني والفرنسي والايطالي للمنطقة العربية وما خص فلسطين من استعمار بريطاني وامتداد لظواهر سائدة أبان حكم الامبراطورية العثمانية من حكم الاقطاع والاسر الكبيرة وتنصيب بعد القبائل الكبيرة في حكم الشعب الفلسطيني هي السمات السياسية والثقافية والإجتماعية وأبعادها الإقتصادية بين الملاك للأرض والمزارعين باستثناء فئات ليلة تمتلك بعض من الأراضي ولكن أيضا تحت سيطرة الاقطاع، لم يتغير الحال ما بين حكم الامبراطورية العثمانية ووجود المندوب السامي البريطاني، وإن كانت بعض التطور في الحالة الاجتماعية والمجتمعية قد ظهرت في أبان الحكم البريطاني وهي ظاهرة التعليم التي تعدت مدارس الكتاب والمشيخات الى دور ومدارس علم في بعض المدن في القدس ويافا مع إحتكار التعليم لما يسمى طبقة "الذوات والباشوات وأبناء الاسر الكبيرة"، وظهور الكيبوتسات الاسرائيلية الاستيطانية، وإدخال منهجية متكاملة إجتماعية اقتصادية عسكرية أمنية ومجمعات إنتاجية متكاملة تحت حراسة قوات الاحتلال البريطاني.

حكمت العائلات الفلسطينية بتوافقياتها وإختلافها وخلافاتها الشعب الفلسطيني وأدارت العملية السياسية ما قبل الحرب العالمية الثانية وما بعدها وربما كان الإنقسام بين تلك العائلات وخلافاتها على إدارة البلديات مثل القدس وغيره من المسببات الحقيقية والفاعلة في إجهاض حركة التحرر الفلسطيني والتي كانت تتصدى للهجرة اليهودية لفلسطين، وربما أيضا واجه الشعب الفلسطيني حكم الاقطاع والعائلات الكبيرة في ثورة 36 والتي أجهضت فيما بعد نتيجة تلك العوامل الذاتية والموضوعية.
وقبل أن استطرد في المؤثر والمتغير والحالة المجتمعية للشعب الفلسطيني لا بد أن أنوه أن سوسيولوجيا تعني العلم الذي يدرس المجتمعات والقوانين التي تحكم تطوره وتغيره، وترجع أصول علم الإجتماع لعصور قديمة ففي اليونان حاول ديمقريطس وأرسطو وأفلاطون ولوكريتيوس تفسير أسباب التغيرات الاجتماعية، والقوى التي تحرك حياة الناس وأصل الدولة والقانون والسياسة.
فإن علم "السوسيولوجيا" اليوم هو من العلوم المهمة والتي أخذت المجتمعات المتطورة الإهتمام به أكثر من السابق لكونه يساهم مساهمة فعالة في تتبع مشاكل الفرد والمجتمع وقد يعرض حلوله وبرامجه في نفس الوقت.
إن متغير النكبة والهجرة واللجوء قد غير من الخارطة الإقتصادية والإجتماعية للشعب الفلسطيني من تشتت وإنفصام عائلي ومجتمعي كان مستقرا نوعا ما الى نسيج من اللاجئين عبر مخيمات داخل الوطن وفي دول الاقليم وإن لوحظ بعض النشاط الإقتصادي لما تبقى من أرض الوطن نتيجة وجود الوصاية الاردنية والمصرية على كل من قطاع غزة والضفة ووجود وكالة الغوث لتشغيل اللاجئين وتوفير الحد الأدنى من منظمة الحماية الإنسانية وتوفير التعليم لكل طبقات وفئات الشعب التي قد تساوى معظمها في الحالة الإقتصادية ما عدا بعض الاسر من بقايا الإقطاع والرأسمالية وإنفصام ثقافي ما بين ماهو لاجىء وما هو مواطن.

ولكن الظاهرة الأساسية للمكون المجتمعي الفلسطيني والواقع أضفت ظاهرة نضالية وتحررية لإسترداد الارض والحقوق من خلال الأحزاب مثل الحزب الشيوعي والاخوان والقوميين العرب والبعثيين وهي أنشطة حزبية لا تتجاوز دور الاعداد الثقافي والوعوي والتعبوي ..... ولقد لعبت ثورة 23 يوليو بقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر دورا حيويا في إيقاظ الروح الوطنية والثقافية والخروج من ظاهرة الصدمة التي لحقت بالشعب الفلسطيني من جراء اللجوء والنزوح ... ولقد أثرت حركة التعليم وإنتشارة لتوفير آلاف الفرص التشغيلية في السوق العربية كدول الخليج والمغرب العربي في إنعاش الحالة الإقتصادية للاسر والمجتمع الفلسطيني.
أن ظهور ارتكازات حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح وخاصة بعد نكسة وهزيمة 67م وهي ارتكازات ثقافية ومجتمعية وسياسية وأمنية ومن خلال محددات طرحتها في أدبياتها وشعاراتها الى تحول في الثقافة المجتمعية والسياسية للشعب الفلسطيني والتي كان لها بُعد أمني وعسكري بل أعادت صياغة اللغة الثقافية للأسرة الفلسطينية، وقضت على الإنسلاخات التوجهات الحزبية ومن خلال مربع واسع يحتوي الكل الفلسطيني من خلال منظمة التحرير الفلسطينية وتوجه كل الطاقات في الثورة كأدوات رئيسية في حرب التحرير الشعبية ..... ولكن المؤثر الإقليمي مرة أخرى وضغوطاته وإمكانياته قد فرض على الفلسطينيين التحول من الثورة آلة عالم التجاوب مع الأطروحات والمبادرات الدولية والتي استثنت فيها منظمة التحرير وحركة فتح شعاراتها واهدافها من تحرير لكامل التراب الفلسطيني وتصفية اسرائيل مؤسساتيا وهزيمة نظريتها الصهيونية.
في عصر الاحتلال المباشر لما تبقى من ارض الوطن حدث إنتعاش كبير للحركة الاقتصادية من خلال عشرات بل مئات الآلاف من فرص عمل مختلفة للفلسطينيين داخل الأرض المحتلة مما أحدث تغيرًا في شكل ومظهر المخيمات الفلسطينية داخل الوطن من حيث الإنشاء والقوة المادية اما مخيمات اللجوء فقد حدث لها تطور مشابه أيضا من خلال سوق العمل العربي والمحلي ... بإستثناء المخيمات في لبنان وبقوانيين جائرة وصادمة وظالمة من إنعدام فرص العمل وبقاء المخيمات كما هي عليه وبنية تحتية مدمرة وفتح باب الهجرة لأوروبا وكندا وغيره.

وحدة الشعب الفلسطيني السياسية والثقافية أصابها المؤثر من ثقافات عربية محلية فالشعب الفلسطيني داخل الوطن المحتل تأثر بالثقافة المجتمعية الاسرائيلية وكما هو الحال في الدول خارج الارض المحتلة .. بل أصبحت منظمة التحرير عمليا لا تمثل كل الشعب الفلسطيني مع ظهور الاسلام فوبيا واحزابه وإنتشاره نتيجة فراغات وسلبيات من القوى الوطنية من حيث السلوكيات السياسية والثقافية والاجتماعية وإستبدال لظاهرة الإقطاع بظاهرة تجار المواقع والمناصب التي استغلت من أجل إتساع ثرواتهم الشخصية على حساب السلوك النضالي والثوري .
قد تكون إتفاقية أوسلو من أخطر المنعطفات التي غيرت في الشعب الفلسطيني ما بعد1993م بظواهرها السياسية والأمنية والإقتصادية والسلوكية وما انجبت من سلطة لم يحسن إستغلالها وطنيا رغم قذارتها وظهور الفوضى ومراكز القوى وبين من سمو العائدين والمواطنيين ومن هم من فئة العائدين من تونس ومكتسباتهم ومن هم من دول الاقليم الاخرى ..... لا ننسى ان السلطة قد شغلت اكثر من 160 الف فرصة عمل واعادت للوطن ما يقارب نصف مليون فلسطيني بشكل او بآخر .... ولكن ما زالت إتفاقية أوسلو تمثل خندق وجرف سياسي ووطني صعب التخلص منه وبمعطياتها السياسية والأمنية والإقتصادية والمجتمعية والثقافية ... ومن هنا كانت خطورتها على اللبنات الإجتماعية والثقافية للشعب الفلسطيني والتي ما زالت تعاني منه حركة التحرر الوطني والقوى الوطنية ومحتيجاتها التحررية التي تلبي طموح الشعب الفلسطيني.
اوسلو قد اختزلت الوطن التاريخي بقايا من الوطن في الضفة وغزة وظهور انتشار شرس للمستوطنات الاسرائيلية التي تهدد المطلب المختزل بدولة في الضفة وغزة ... بل قد تكون هناكة سيناريوهات قادمة لاختزال الحلم الفلسطيني بكيانيتين منقوصتين سياسيا وامنيا واقتصاديا في كل من الضفة وغزة.
ليست استقراءات بل هذا ما انجبته أوسلو من منافع لبعض الفئات وظهور الصراعات الوظيفية والرواتب المشروطة ببعدها من الولاءات وظهور الفساد الإداري والسلوكي والأمني وما نتج من إنقسام دموي عام 2007 ومن صراع على الحكم وقيادة السلطة التي لن تخرج بأي حال من الأحوال عن الشروط المعلنة والغير معلنة لإتفاقية أوسلو والتي يصعب للان معالجة الإنقسام وظهور المكون التشرذمي في الاسرة الواحدة الى المؤسسة الى البرنامج، بل ما يتم إستهدافه لحركة التحرر الوطني والقوى الوطني من خلال الإنقسام الداخلي نتيجة نظرات فئوية جغرافية ونظرة إقتصادية تعزز سيناريوهات مطروحة لفصل الضفة عن غزة وبناء على لغة المصالح الذاتية لكلا من المسيطرين منهم من يبتعد خطوات عن الاحتلال ومنهم من يبتعد أمتار والمحصل تهديد المشروع الوطني الفلسطيني بل إحداث إنهيارات فيه وبالتالي قد يكون من الصعب التحدث عن وحدة الشعب الفلسطيني وطاقاته وثقافته وأدوات فعله وعمله.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com   

مقالات متعلقة