الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 12:01

الفلسطينيون في الداخل بين فقدان الأمل والتحدي/ بقلم: د.ابراهيم خطيب

د.ابراهيم خطيب
نُشر: 11/04/19 15:59,  حُتلن: 18:24

انتهت انتخابات الكنيست مع كل ما رافق هذه الانتخابات من نقاشات وانقسامات، وآن أوان استخلاص العبر والاستنتاجات، لتكون رافعة للتغيير وبناء مستقبل وأمل لأبناء شعبنا في الداخل الذين هم أكبر من كل الأحزاب والحركات.
هناك عدة أسباب يمكن عزوها لمقاطعة أو عدم تصويت الناس في انتخابات الكنيست الأخيرة لتصل نسبتهم ل 50% من مجمل أصحاب حق التصويت. مع الأخذ بالاعتبار أن حتى هذه النسبة من المصوتين ليست بالضرورة تعكس نسبة الثقة والاقتناع بالأحزاب، فكلنا نعلم أنه كان هناك ما يسمى تصويت الشفقة وأو التخويف واو التخجيل أو حتى "تصويت" آخر الليل وهناك حاجة ماسة لقياس نسبة هؤلاء المصوتين، ولكن بكل الأحوال هذه الأصوات، وإن كانت تُحسب على نسبة التصويت، فإنها لا تعكس ثقة الناس الحقيقية بالأحزاب،حجمها، تأثيرها وثقة الناس بالكنيست.
في قراءة سريعة لأسباب المقاطعة وعدم التصويت فيمكن ذكر عدد منها وهي:
حالة فقدان الأمل: الطابع العام لمن يراقب حالة المجتمع العربي في الداخل هو حالة فقدان الأمل من العمل السياسي العربي في الكنيست وأخشى أن يكون على العمل الحزبي والحركي خارجه، فقد أصبح هناك شعور أنه لا يمكن عمل شيء وأن الوضع سيبقى كما هو ولا يمكن أن يتغير شيء.
والسبب السابق يتقاطع مع أسباب أخرى، وهي عدم الثقة بالأحزاب وبالقيادة الموجودة حالياً، وخصوصاً في الكنيست (كون النتائج هذه لانتخابات الكنيست). القيادة الحالية لم تستطع التغلغل في الجمهور وإقناعهم أنها أهل للثقة وأنها قيادة مسؤولة، بل على العكس تماماً فقد اختلفت هذه القيادات حول التناوب بشكل مخزٍ، وفككت القائمة المشتركة من أجل مصالح حزبية وشخصية ولم تكن قريبة بالشكل الكافي من الناس، وبالتالي فإن الناس عاقبتهم بشكل مباشر بعدم التصويت لهم.
عدم وجود برنامج ورؤى: لم يكن هناك برامج ورؤى سياسية مقنعة للناس، وحتى إن كان هناك برنامج سياسي فهو مستنسخ من سنوات وأثبتت الأيام أنه ليس إلّا حبراً على ورق ولم تستطع الأحزاب تحقيقه على الأرض طوال السنوات السابقة وبالتالي فقد مضمونه وفقد ثقة الناس ليصبح نوعاً من الشعارات. أما الرؤى لمستقبلنا كفلسطينيين في الداخل وأهدافنا وما نسعى لتحقيقه وترجمة ذلك بخطوات عملية على الأرض فهذا غير موجود بمجمل العمل السياسي العربي في الداخل، وبالتالي هناك شعور بالضياع في صفوف الناس وأخشى ما أخشاه أن يترجم هذا الضياع لأسرلة تزداد في صفوف الفلسطينيين في الداخل وتبدو نسب التصويت للأحزاب الصهيونية نوعاً من الدليل على ذلك، مع الأخذ بالاعتبار أسباب أخرى مثل المصالح الضيقة وأن نسبة من المصوتين هؤلاء من أبناء شعبنا الدروز وغيرها، ولكن ضياع البوصلة وازدياد الأسرلة بات يُطل برأسه والأحزاب العربية مساهم غير مباشر في ذلك. مع الأخذ بالاعتبار أن الغالبية ليست كذلك فإن كانت لم تعطي الثقة بالأحزاب العربية المشاركة في الكنيست فإن غالبيتها قاطعت.
الشعور بعدم التأثير وعدم الجدوى: وهنا أرى أن هذا السبب مركزي جداً في عزوف الناس عن التصويت، فقد بات يشعر عدد كبير من الناس أن العمل العربي في الكنيست لم يقدم ولم يؤخر ولم يكن هناك أي تأثير "مِحرِز" من خلال وجود الأعضاء العرب في الكنيست وحتى مع وجود قائمة مشتركة، ليكون التساؤل الطبيعي، مع عدم الجدوى والتأثير فلماذا أصوّت..؟ طبعاً، أنا أُدرك أن الأعضاء العرب أو قسم منهم يودون التأثير والتغيير ولكن لا يستطيعون لطبيعة الكنيست والنظام والدولة، ولكن هذا لا يعني الاستمرار بنفس النهج، بل يعني التفتيش عن بدائل ممكنة ومقنعة والصدق مع الناس بأن تأثيرنا في الكنيست هامشي. وبالمناسبة، حالة الاستمرار في الكنيست بهذا الاتجاه سيقود بعض الناس للتوجه للأحزاب الصهيونية أكثر لرؤيتهم أنها تشارك في الائتلاف الحكومي ولديها تأثير وقدرة وسلطة (مع إيماني أن الغالبية من شعبنا صاحبة انتماء وطني وقومي وديني رفيع). لا أقول هذا لكي تُفكر الأحزاب العربية في دخول الائتلافات الحكومية، بل لإضاءة ناقوس الخطر لهم من القادم، وللتأكيد لهم على واجب تصعيد الخطاب الوطني وحفظ الهوية وبنفس الوقت الحاجة لبرنامج ورؤية وطنية تبعث في الناس الأمل والحياة وإرادة النضال والتمسك بهويتهم، والابتعاد عن المنفعية المفرطة التي ستقودنا إلى الانغماس في المجتمع الإسرائيلي.
الدعاية الانتخابية: لقد كانت الحملة الانتخابية العربية منصبة حول تخويف الناس من اليمين، بدرجة فجة، كما أنه كان خطاب متعالي بعض الشيء مع الناس لدرجة تخوين من يُفكر بالمقاطعة وهذا النوع من الخطاب وضع الأحزاب في جهة والناس في جهة أخرى وساهم في رفض الناس للأحزاب وقيادتها السياسية والتصويت لها.
المقاطعة الأيدلوجية: أعتقد أنه في هذه الحملة الانتخابية كان هناك صوت أعلى من المرات السابقة لأصحاب فكرة المقاطعة الأيدلوجية، مع الحاجة لقياس تأثيرها الحقيقي ونسبته، ولكن ظهر أنها في تزايد وقد عززتها أسباب كثيرة، منها فجاجة الحالة الاستعمارية، الدينية القومية اليهودية وطبيعة النظام والدولة هذه وخصوصاً مع ما بات واضحاً من تشريعات مثل قانون القومية وغيره.
تلخيصاً حالة انعدام الأمل عند الجماهير العربية من الواقع السياسي العربي والقطري الإسرائيلي، أدى لما نحن اليوم عليه، انعدام الأمل في القيادة، في الأحزاب، في واقع المؤسسة الإسرائيلية تترجم غضباً ومقاطعة.
والحاجة الآن ماسة لحساب الذات، سماع صوت الناس ورسائلهم والانغماس بينهم بنضال وبعمل شعبي ومعسكرات عمل تجيب عن مسائل حياتهم اليومية وبنفس الوقت تثبت هويتهم، مع الحاجة لقيادة صادقة وقوية تستطيع قيادتهم..مجتمعنا أكبر من كل الأحزاب والحركات ويجب التضحية من أجله والخروج من حالة النرجسية الفردانية والحسابات الضيقة.
الآن واجب المرحلة هو زرع التحدي وتغيير الواقع، تخلّق قيادي جديد، بناء المؤسسات الوطنية، العمل الشعبي والانغماس بين الناس،وضع رؤى سياسية لواقعنا ومستقبلنا والعمل عليها وخلق التحدي وتثبيت الهوية بقوة ومسؤولية، كما على الشباب والواعدين من مجتمعنا التحرك وعدم الوقوف موقف المتفرج، وأما أحزابنا العربية وقيادتنا والمتابعة فبت أخشى أن تقول لهم الناس قد فاتكم القطار إذا لم يتداركوا أنفسهم حالاً ويصنعوا التغيير وإعادة الثقة، وإمّا نكون على موعد إمّا على تزايد حالة من الأسرلة وفقدان الهوية والذات أو حراك شعبي للتغيير وبالتالي سيكون "ربيع الداخل" قريباً. وكلي أمل بشعبنا فهو يُثبت نضجه وقدرته على المحاسبة دائماً!

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com


مقالات متعلقة