الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 17:02

تموز غاب منذ غاب/ بقلم: حسين فاعور الساعدي

حسين فاعور الساعدي
نُشر: 31/03/19 11:51,  حُتلن: 19:48

تموزُ غاب منذ غابَ
والحسينُ لا يزال شامخاً يقاتل الأعراب
بيوتنا خراب
جيوشنا سراب
حقولنا، كرومنا وأرضنا يباب
لكن فجرنا الجميلَ والمهيبَ خلف الباب.

تموزُ غابَ
منذُ غابَ لم يَعُدْ
توقفت الأمطارُ، أجهشت حقولنا
وأعلنت حدادها الأشجارُ
طأطأتْ رؤوسَها
وأوقفتْ عناقها للشمسِ
خبأت مواكب الذئابِ
والفئرانُ احتلّتْ المكان
يُقالُ في مدينة الأضواء تسكن الفئران
يُقالُ في مدينة الأضواء والزجاجِ كل شيءٍ ممكنٌ
الذئبُ حاكم بأمرهِ
والفأرُ نائبٌ في البرلمان
وكل شيءٍ صاخبٌ في صمتهِ
وقاتل في حزنهِ
وموغلٌ في غدرهِ
جيوشُنا تقاتلُ الحسينَ
لا تطبقُ قامةَ الحسينِ
لا تطيق أن تراهُ شامخاً
تخافُ من شموخهِ
تخافُ أن ينالَ شربة من ماءْ

ما بين صيف وشتاءٍ
ثعلبٌ يجر ذيلهُ
ينالُ ما ينالُ من كرومنا
حمامنا في صمتهِ يواصلُ الصراخَ...
أفعى تبلعُ الفراخَ
في مدن الظلامِ
أو في مدن الزجاج والأضواءِ
كل شيء ممكنٌ
أو قابلٌ أو قاتلٌ

تموتُ، يا تموز، واحة النخيلِ،
تزحف الكثبانُ،
تنضبُ الأنهارُ،
حقل القمح لا يزالُ قاحلاً تجوبه الغربانُ والفئرانُ،
والذئابُ أفرغتْ حظائرَ القطعان.
في مدن الظلامِ،
أو،
في مدن الأنوارِ والزجاج، في أكواخنا وفي خيامنا
ما بين صبحٍ و مساءٍ طائرٌ يقتحمُ الشبّاكَ،
باحثاً عن قطرةٍ من ماءْ.
ما بين أرضٍ وسماءٍ قامة الحسين هدها الظمأ
يلفها الغبار قامة الحسين لا تزال
سيوفنا رماحنا عليه
وكلما نجوعُ أو نذلُّ
نطرقُ السماءَ بيديه!

من بين حيرتي وجثتي تسرب المكان
تسربت عروبتي
وشُوّهتْ عقيدتي
وظّفتُ كل طاقتي في خدمة الشيطانِ
أو في خدمة الجلاد!

يقال أنَّ لي قبيلةٌ،
وعزوةٌ أخيارْ.
يقالُ أنَّ لي عواصمٌ كثيرةٌ،
وأخوة كالنملِ كالجرادْ.
خيولهم تغطي الشمسَ تحجبُ البلادْ.
عروشهم زمردٌ،
أموالهم كثيرةٌ،
نساؤهم،
جيوشهمْ...
يُقال أنَّ لي شواطئٌ،
لكنها تبتلعُ الأبناءَ والأحفادْ.
وتجلب الذئاب والجرادْ.
يقال أن لي موانئٌ
لكنها تصدّرُ الحقولَ والآبار
وتجلبُ الحليبَ والرغيفَ والهواءَ والسيجار
يقال أن لي عواصمٌ كثيرةٌ تسبُّ بعضها
تموّل الجيوش والحصار
تشوّهُ الأطفال
تخافُ من طلوعِ الفجرِ والنهار
وأنا في حالة انقسام
أنهارنا تصب في البحار
وقامة الحسين لا تزالُ،
حبل نورٍ بين الأرض والسماء.
يهدها الظمأ
تنالها السيوفُ والسهامْ.
تشتدُّ حولها ضراوة القتالِ
وحدهُ الحسينُ لا يزال
يقودُ فيلقَ الثوارِ لا يزالُ،
في صنعاءَ،
في باريسَ،
في بغدادَ،
في كاراكاس لا يزالُ،
صامداً ويرفض الفرارْ.
تحيطهُ الجيوشُ والذئابُ والكلابْ
لكنه يواصلُ الصمودَ يرفضُ الفرارْ.
يزيدُ حلَّ في ربوعنا
يزيد لوّثَ الأنهارَ،
أغرقَ الحقولَ بالبترولِ،
أشعلَ النيرانْ.
يزيد خدّرَ العقولَ،
روّع الأطفالَ،
صادر التدوينَ،
خلّد انقساماً وراءه انقسام
يزيد في عروقنا وفوق عرشهِ،
يضاجعُ النساءَ،
يشربُ الخمورَ،
سلّم البلادَ للذئابْ.
أشاعَ في نفوسنا الهوانَ، وطد الخراب
يزيد حلل الخنوعَ والرضوخَ والنفاقَ والدماءَ،
حرّم الشموخَ،
حارب الإباءْ.
يزيدُ يقصفُ الشعوبَ بالنابالمِ،
يحرقُ الأطفالَ بالفسفورِ،
ينهبُ الخيراتْ.
رأيت قامة الحسين لا تزالُ،
حبلَ نورٍ بين الأرض والسماءْ.
رأيته يقاتلُ الظلامَ بالشمالِ وحدهُ،
وباليمين باحثاً عن قطرةٍ من ماءْ.
رأيته يقاتل الظلامَ وحدهُ
تركتهُ
تركت قامة الحسينِ
خنتهُ، هربتُ جثةً...
هربتُ جيفةً جوفاء
خسرتُ قامتي...
فضمني يزيدُ قائداً لجندهِ،
ومرشداً في قصرهِ.
مررتُ في الطريقِ...
كان لا يزالُ شامخاً
أشحتُ وجهي،
خفتُ أن أرى الحسينَ لا يزالُ شامخاً.
ولا يزال واقفاً يقاتل الظلام.
فقأتُ ناظريَّ،
خفتُ أن أرى الحسينَ لا يزال شامخاً يعانق السماءْ.
شربتُ كأسَ نفطٍ،
صحتُ في الساحاتِ خلفهم:
لبيك يا يزيد!

تموز حزننا قديمٌ، حزننا جديد
عروشنا قصورنا رمال
أحلامنا رمال
كم غَمَرْتَنا بفرحةٍ ونشوة انتصار
حقولنا تنوحُ، ضاعَ ماءُ النهرِ،
واحة النخيل أجدبت
من كثرة البكاء شلنا البكاءْ.

تموز هل أعنتني على البكاءْ؟.
أنا قتلت أخوتي.
أنا لعبتُ في دمي.
أنا هدمت منزلي.
أنا شردت أسرتي
أحرقتُ حقلَ القمحِ،
كرم اللوزِ باسم اللهِ،
بعتُ في المزاد أحرفي.
سلمتُ للذئاب نعجتي.

تموز، يا صديقنا القديمَ، هل أعنتني؟.
في الحلق غصةٌ
وجمرةٌ في الحلقِ
هل أعدتني إلى الحقولِ كي نمارس البكاء
مدن الزجاجِ والأضواءِ أغمضت عيونها
مدن البترولِ والزجاج أحرقت حقولنا
وجمدت عقولنا
تعشش الذئاب والفئران في شعابها
تلوك لحمنا
تكسّرُ العنادَ في عظامنا
نصونها، تصوننا
تُخلّدُ المأساة والخراب!
لكننا نراك قادماً
وفجرنا نراهُ خلف الباب!

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com

مقالات متعلقة