الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 23 / أبريل 14:02

معاناتها أخرجتني عن صمتي.. قررت فتح الملف/ بقلم: هويدا نمر زعاترة

هويدا نمر زعاترة
نُشر: 27/03/19 07:42,  حُتلن: 14:45

هويدا نمر زعاترة:

انا مريضة فيبروميالجيا، مرض لقيط، لا أب له ولا أم

باختصار بعد معاناة سنوات وإهمال واستهتار، تمّ تشخيص المرض!

فيبروميالجيا؛ مرض يضمّ حزمة أعراض متنوّعة تختلف بين شخص وآخر

بعد سماع ما مرّت به صديقتي؛ المرأة الشابة التي عانت لسنوات ولم تجد الاهتمام اللازم، بل قوبلت بالاستهتار وعدم تفهُّم المحيط والعناوين الطبيّة الصحية الصحيحة، قررت أن أحكي.

انا مريضة فيبروميالجيا، مرض لقيط، لا أب له ولا أم. ابن غير شرعي للأمراض المزمنة. تنكّر له الأطباء سابقا وتعاملوا معه بشكٍّ، وتعاملوا مع مرضاه باستخفاف. رغم كل صعوبة الرزمة التي "حُبِيَ" بها من علق بهذا المرض، فهذا ربما يكون من أصعب ما يواجهه المريض؛ التنكّر له ولمعاناته!!!
حتى الآن لم أجد الرغبة لأتكلم عن هذا الجانب من حياتي. ربما في إهمالي او تنكّري له نوع من الهروب، ولكنه أيضا نوع من المواجهة! إذ لا أريد أن أظلّ حبيسته، حبيسة أعراضه وضرباته العشر أو اكثر. فما أريده هو أن أعيش. أعيش كل لحظة ممكنة بكاملها، بملئِها، وأن أقوم بمَلئها بما أُريد، بالقدر المتاح. أن أكون سيّدة لحظاتي!
لكنّ قصتها أخرجتني عن صمتي فيما يتعلّق بهذا المرض. هكذا بُنِيت:أن تخرج اللبؤة مني دفاعا عن الآخر، بينما تتقاعس حين يتعلق الأمر بي. ربما هذا أحد أنواع التوك في بنية شخصيتي...
- سأبوح: أثناء صياغتي للجملة السابقة، خطرت ببالي قبل عبارة "هذا المرض"، كلمة "مرضي"، لكنني رفضتها. شيء ما في داخلي رفضها. قررت أن أكتب "هذا المرض". ربما هذا أيضا نوع من الإنكار،أو نوع من الترفّع، لكنه أكثر من ذلك، شعور بأنني اذا أعلنت ملكيتي للمرض فكما لو أنّه هو يمتلكني. وهذا ما أرفضه!
-سأرجع لقصّتها؛ قصة مؤلمة لشابة يعتقد من يراها أنّها تمتلك العالم. صبية جميلة متأنقة. لديها عائلة جميلة صغيرة مُحبة. حين تقابلها تشعر بالطاقة الكامنة فيها والمتدفقة منها، تشعر بحبّ الحياة والحيوية، لا تشكّ أبدًا بأنها تعرف المعاناة وتقاسي الآلام.
لسنواتٍ طوال، قبل الحمل،أثناءه، وبعده، وخاصةً حملها الأخير، فهي أم لعدة أطفال، عانت من آلام، تشنجات، عدم توازن، تعب شديد، إرهاق وحاجة جسديه لحوحة لأخد استراحات، ضعف بالعضلات. لدرجة أنّها بعد ولادتها الأخيرة وجدت صعوبات بالغة في حمل ابنها. كانت تشعر أن يديها تخونانها وأنّها تفقد السيطرة عليهما. لكن عندما تذهب للطبيب، فهو لا يهتمّ بإجراء فحوصات خاصّة، بل ويزيحها عن ظهره بادّعاء أنّ هذه قضية هرمونات. بضعة أشهر ويرجع الجسم إلى سابق عهده. نفس الادّعاء الذي سمعَته أثناء حملها، حين أصابتها أعراض مختلفة. حتى لِما كان يُرى بالعين المجردة مثل طفح جلدي واحمرار متنقل. كل هذا ولم يكلّف نفسه بتوجيهها لإجراء فحوصات خاصة، فعلّاقة الحمل والهرمونات الأنثوية حاضرة دومًا! والأبلى منها علّاقة الأسباب النفسيّة! الكلّاب السحري الذي يعلّق عليه الطبّ كل ما لا يملك تفسيرًا له!

باختصار بعد معاناة سنوات وإهمال واستهتار، تمّ تشخيص المرض! كم كانت فرحتها كبيرة حين وجدت أن الطبيب المختصّ فهم عمّا تتكلّم، بل ووصف تمامًا ما تمرّ به وما تعانيه! الآن أصبح لما تعانيه اسم. يمكنها الخروج في رحلة بحث عن دواء وسبل علاج وشفاء. الآن للخصم وجه وملامح كائن يمكن مجابهته. الآن معها ورقة موقعة من طبيب تجابه بها المتشكّكين والمستهترين.
حين سمعتها تتكلّم، شعرت بأن صوتها يخرج من داخلي. لقد مرّت عليّ تجربة مشابهة. سَرقت من حياتي وحياة عائلتي ما يقارب عقدا كاملا. إلى أن تمّ تشخيص حالتي والتوصّل إلى الدواء الملائم الذي ساعد في تخفيف الأعراض ومدة الانتكاسات المرضية وخفض وتيرتها. إلّا أنني إلى الآن أجد أنّ الوعي لهذا المرض حتى من الأطباء، خاصّة القدماء منهم، منخفض جدًّا، فما بالك بين الناس، مما يجعل معايشته أكثر صعوبة!
لذا قررت فتح الملف والخروج. فيبروميالجيا؛ مرض يضمّ حزمة أعراض متنوّعة تختلف بين شخص وآخر. لكن المشترك لدى المرضى كافّةً، هي آلام جسدية منتشرة خاصة في العضلات، وخلل في تأدية العضلات لوظائفها؛ يتمثّل في أوجاع، تشنّجات، ضعف إلى حدّ فقدان القدرة تماما.
في حالتي فإنّ اكثر ما أعانيه عدا الآلام، وما يظهر للعيان، هو تأثير المرض على قدرتي الحركية. فيصبح قطعُ المسافة ما بين منزلي ومحطة الباص القريبة كالمشاركة في ماراتون، والوصول إلى "ليوان" أو "نسيجنا" في السوق لحضور ندوة، أو المشاركة في برنامج، أمرًا يتطلّب تحضيرًا لوجستيًّا مدروسًا يحتاج لتنسيق بين عدّة أطراف!

أُعاني كذلك من فترات اضطر فيها ملازمة الفراش فلا تعود رجلاي قادرتين على حملي. كما أُعاني فيها من تشنّج وتخشُّب جسدي وآلام العضلات، لكنّني أنظر إليها كفرصة قسرية أحاول ملأها بما أحبّ وبما يفيدني ويملؤني. أستمع للموسيقى، أقرأ، أرسم. أتابع أخبار البلاد والعالم، وأكتب ما يجول بخاطري. وهنا أنتهز المناسبة لأشكر زوكربيرغ على نعمة الفيسبوك، والكون على وسائل التواصل الاجتماعي... فهي شرفتي للإطلال على العالم الخارجي وفرصة متاحة للتواصل معه.

وأخيرا، اهتموا بصحتكم وانتبهوا لإشارات اجسادكم. لا تهملوها. ابحثوا عن أسلوب حياة صحيّ يلائمكم وأعطوا انفسكم وقتا للخروج من دوامة الحياة وأخذ نفس نقيّ على رواق...

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   


مقالات متعلقة