الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 19:01

خرابنا المستمر...لماذا؟/ بقلم: حسين فاعور الساعدي

حسين فاعور الساعدي
نُشر: 20/03/19 09:18,  حُتلن: 12:14

حسين فاعور الساعدي في مقاله: 

ها هو نتنياهو يواجه بقائمة اتهامات على قضايا تعتبر عادية جداً جداً في عالمنا العربي. عالمنا العربي الذي يعامل القائد أو الزعيم على انه معصوم عن الخطأ حتى وهو يرتكب المجازر

نمط الحياة الذي رضعناه وتربينا عليه يمنعنا من المحاسبة. إن المبنى القبلي لحياتنا اليومية يمنعنا من المحاسبة. إن احتقارنا لشيء اسمه المصلحة العامة يمنعنا من المحاسبة

أنانيتنا وتقديسنا للمصلحة الشخصية الضيقة يمنعنا من المحاسبة ويجعلنا نتغاضى عن جرائم المجرمين حتى عندما يأتوننا كدعاة وواعظين

لا أظن أننا نتفق على أمر كما نتفق على أننا نعيش حالة من الخراب في كل شيء وعلى جميع المستويات. خراب عام وشامل هنا في الداخل وهناك في عالمنا العربي الواسع والغني بالثروات الهائلة. هذا الخراب العام ليس جديداً أو طارئاً وإنما هو خراب قديم جداً، مستمر وسيستمر كما يبدو إلى ما لا نهاية.
جميع شعوب العالم مرت بفترات هبوط وتردي وبأزمات اجتماعية وسياسية ولكنها تجاوزتها في فترات لم تتطلب حتى تبدل الجيل الذي أحدث الخراب كألمانيا وفرنسا واليابان وروسيا وغيرها. هذه الشعوب تعلمت من أخطائها ونبذت وحاسبت المخطئ.
أما عندنا فإن الخراب العام بدأ قبل قرون عديدة وما زال مستمراً وسيستمر إلى ما لا نهاية إن واصلنا نهجنا الحالي ولم نتعلم من الآخرين. ويبدوا حتى الآن أننا لا نتعلم. في رأيي أن هذا الخراب لا علاقة له بالفقر ولا بالجهل ولا بالدكتاتورية. هذا الخراب مرتبط ارتباطاً وثيقاً بنمط حياة الإنسان العربي التي تمتاز وتتميز بالفوضى. هذه الفوضى في نمط الحياة وفي مبنى العائلة أوجدت وفرضت وخلقت عدم المحاسبة. فالقائد عندنا يخطئ ثم يخطئ ثم يخطئ فنصفق له. الإنسان العربي يحقد، يكره، يقتل على شرف العائلة، يثأر، ينتقم ويسامح. لكنه لا يحاسب. فالمحاسبة تتطلب التفتيش ليس عن المناقب فقط وإنما عن المثالب أيضاً. والتفتيش عن هذه وعن تلك يتطلب المتابعة والمثابرة والاستمرار وهي أمور لا نطيقها ولا نمارسها.
الطفل عندنا منذ سنواته الأولى ننهره عن الشيء مرة أو مرتين لكننا لا نواصل نهره لأننا لا نملك الوقت لذلك أو لأننا لا نملك النفس الطويل. فيكبر مع نعم ولا. الأم ترفض طلب ابنتها ليس من منطلق مبدئي وإنما من منطلق مزاجي فما كان ممنوعاً بالأمس يصبح مسموحاً اليوم. والأب لا وقت لديه للمثابرة في غرس نظم الممنوع والمسوح في وجدان طفله بشكل حاد وواضح. ولذلك أسباب كثيرة أهمها كثرة الأبناء في العائلة الواحدة وسلم الأولويات لدى هذا الأب أو هذه الأم. لذلك نحن نربي أولادنا ونغذيهم على الفوضى فينشأ جيل لا يعرف المحاسبة.
في حياتنا اليومية نرى ونسمع كيف في الوسط اليهودي، الملتصق بنا والقريب منا، يفتشون عن ماضي وحاضر كل مرشح للكنيست مثلاً. فها هو غنتس الجنرال المعروف والذي خدم الدولة كما يجب وأكثر مما يجب يحاسبونه على تصرفات يقال أنه قام بها يوم كان طالباً يدرس في المرحلة الثانوية. يعرونه ويضعونه على طاولة التشريح لفحصه وتقييمه قبل أن يصبح زعيماً. هذا الفحص أو المراقبة أو المحاسبة تستمر خلال توليه للسلطة مهما أخلص في عمله ومهما خدم الدولة. لا يشفع له إخلاصه ولا إنجازاته. فها هو نتنياهو يواجه بقائمة اتهامات على قضايا تعتبر عادية جداً جداً في عالمنا العربي. عالمنا العربي الذي يعامل القائد أو الزعيم على انه معصوم عن الخطأ حتى وهو يرتكب المجازر.
العالم العربي بعيد وسأتركه وشأنه. لكن ما بالنا نحن من نعيش يومياً بين اليهود وقد اكتسبنا منهم الكثير من العادات القبيحة. إلا هذه العادة أو النهج. نراهم يحاسبون غينتس ونتنياهو وقد أودعوا أولمرت السجن رغم أنه كان رئيس بلدية قدم الكثير من الإنجازات ورئيس حكومة لم يقصر في عمله. وقبله سجنوا موشي كتساب رئيس الدولة بكل ما يمثله من رمزية.
أما نحن فنصفق لكل من يأتي ويجلس على كرسي القيادة حتى لو كان ممن فعلوا السبعة وذمتها. يكفي أن يزعق في وجوهنا أنه جاء للجم اليمين المتطرف فنصفق له بحماس حتى لو رأيناه بأم أعيننا وهو يخدم بإخلاص رموز ومشاريع هذا اليمين.
هل يعقل أن كل زعمائنا أنقياء أتقياء؟ هل يعقل أن كل أدبائنا وشعرائنا ثوار ومناضلون حتى وهم يقدمون الطلبات ويوقعون المستندات لنيل جائزة ميري ريجف؟ هل يعقل أن كل رؤساء سلطاتنا المحلية أنبياء وهم يقترفون الموبقات بحق قرانا ومدننا؟ هل يعقل ان كل مدراء مدارسنا ومفتشيها أنبياء ومستوى التعليم لدينا وصل الحضيض؟
إن نمط الحياة الذي رضعناه وتربينا عليه يمنعنا من المحاسبة. إن المبنى القبلي لحياتنا اليومية يمنعنا من المحاسبة. إن احتقارنا لشيء اسمه المصلحة العامة يمنعنا من المحاسبة. إن أنانيتنا وتقديسنا للمصلحة الشخصية الضيقة يمنعنا من المحاسبة ويجعلنا نتغاضى عن جرائم المجرمين حتى عندما يأتوننا كدعاة وواعظين.
لأننا لا نحاسب نجد اليوم أن كل ثوراتنا جاءت بالأسوأ. ولأننا لا نحاسب نجد أن مدارسنا وسلطاتنا المحلية تعاني مما تعاني. ولأننا لا نحاسب نجد أن أحزابنا حتى العريقة منها تحولت إلى قوائم انتخابية. ولأننا لا نحاسب نجد أن وجهاءنا أصبحوا من رؤساء العصابات والمافيا. ولأننا لا نحاسب صار السمسار يحتفل بيوم الأرض ونعد له المنصة ليخطب فينا. ولأننا لا نحاسب صار الخائن والعميل "واصل" و"أيده طايلة". ولأننا لا نحاسب يعشش بيننا المجرمون والقتلة ونتهم الشرطة أنها لا تقوم بواجبها. ولأننا لا نحاسب يزني الرجل ويمارس الدعارة ويذبح ابنته إذا تكلمت مع شاب. ولأننا لا نحاسب صرنا نصدق ابننا المنحرف ونكذب المعلم الذي حاول تقويم سلوكه.
ولأننا لا نحاسب نصدق أعضاء الكنيست العرب أنهم يريدون لجم اليمين، وننسى تعاونهم وخدمتهم لهذا اليمين في التغلغل في العالم العربي بعد اتفاقيات اوسلو التي مهدوا لها وكانوا الوسطاء فيها.
إن النظام الإقطاعي الذي تميز به مجتمعنا وعشناه قرون طويلة عودنا أن نرى الخطأ ونسكت. وان نرى الظلم ونغض الطرف. كما أن المبنى البطريركي الهرمي للعائلة الأساسية فرض علينا أسلوباً معيناً في التفكير جعلنا نحترم من يجلس في قمة الهرم ولا نحاسبه على أخطائه حتى عندما تكون فادحة. لأن محاسبته تتعارض مع العادات والتقاليد وحتى مع الغقيدة: " ولا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما" صدق الله العظيم. ونسينا أن إبراهيم عليه السلام تبرأ من أبيه عندما أصر على الكفر. نسينا لأننا شعوب لا تقرأ وغير مثقفة. شعوب إما تركض وراء الرغيف لتسد رمقها، وإما شعوب تعبد الدولار إذا شبعت.
كل واحد منا يقول نفسي نفسي وهو لا يدرك أن الخراب قادم نحوه إن لم يكن قد دخل بيته ومس عائلته. إلا إذا بدأنا بالمحاسبة. محاسبة أنفسنا أولاً ومحاسبة أدبائنا وشعرائنا ومحاسبة من يدعون أنهم قادتنا.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   

مقالات متعلقة