الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 15:02

ظاهرة العنف قي البلدات العربية- بقلم: د. سعيد سليمان

د. سعيد سليمان
نُشر: 17/03/19 23:02,  حُتلن: 23:03

ساحاول في هذه المقالة تسليط الضوء على ظاهرة العنف المستشرية في البلدات العربية من وجهة نظر مختلفة, محاولا اعتبارها جزءا لا يتجزأ مما يدور في المجتمع الدولي بأسره واعتبارها ظاهرة لا تقتصر على العرب في اسرائيل وحدهم وانما هي جزء لا يتجزأ من ظاهرة تحدث في العالم أجمع ولكن حدتها لدى العرب في اسرائيل واسعة أكثر.


بداية يمكن ان نعزو ظاهرة العنف في البلدات العربية بظواهر عالمية تحدث في المجتمع الدولي بأسره. فالمجتمع العربي في اسرائيل يمر في نفس الظروف التي يمر بها سكان العالم أجمع ويتأثر بالظواهر التي يمر بها العالم تماما كالشعوب الأخرى. فان ظاهرة العولمة globalization التي تعصف بدول العالم والتي ادت الى زيادة التواصل والاتصال بين مجتمعات العالم باسرها من خلال انكشاف هذه المجتمعات على بعضها البعض عن طريق استعمال وسائل التكنولوجيا المتطورة ومن خلال ظواهر الهجرة على أنواعها. حيث شهد العالم في الفترات الاخيرة موجات هجرة واسعة خاصة من الدول الفقيرة الى الدول الغنية مثل الولايات المتحدة واوروبا. من المفترض أن تؤدي ظاهرة العولمة بمفهومها الواسع الى زيادة التقارب والمعرفة بين بني البشر نتيجة منالية التقائهم وتواصلهم سواءا كان اتصالا مباشرا أو غير مباشر. ولكن على عكس كل التوقعات فان العالم يشهد ظاهرة عكسية مرتبطة بظاهرة العولمة تتمثل في تنامي كراهية الغريب وتعزيز ثقافة الغرابة التي لم يألفها العالم من قبل أو لنقل أنها كانت غير بارزة ولكنها بدأت بالتعاظم في الفترات الأخيرة مع ازدياد عمليات الهجرة الى دول الغرب وبعد أحداث 11 سبتمبر. ان عمليات الهجرة الواسعة التي تحدث بالعالم سواءا كانت حالات هجرة ارادية أو لا ارادية كما هو الحال لدى المهاجرين السوريين, ادت الى حالة من التعصب لدى السكان المحليين ضد ظاهرة الهجرة. فكراهية الآخر تبرز اليوم في معظم دول العالم. هذه الكراهية ولدت نوع من العنصرية تجاه المهاجر أو الغريب القادم من دولة, قارة أو بلدة اخرى. وهناك الكثير من الأدبيات والأبحاث التي تشير الى تفاقم ظاهرة العنصرية تجاه الأغراب بذرائع مختلفة, متهمين اياهم باستنزاف موارد الدولة ومشاركتهم في الموارد التي تمتلكها الدول هذه دون حق على حد تعبيرهم, وهذا يمكن أن يكون تفسيرا للجريمة البشعة التي حدثت في نيوزيلاندا والتي استهدفت أرواح المصلين المسلمين. بالمقابل فان الرفض وعدم تقبل الآخر من قبل الاغلبية يجابه في كثير من الأحيان بالرغبة في الانتقام من قبل الاقلية عندما ترى نفسها غير مرغوبة ومنتهكة الحقوق أو عندما يتم اقصائها من الحيز العام عن طريق الاغلبية فتبدأ بالمطالبة بحقوقها التي سلبت منها . تتمثل هذه المطالبة أحيانا بأعمال عنف (انتفاضة الجزائريين والمغاربة في فرنسا).
دولة اسرائيل شأنها شأن الدول الآخرى فان ظاهرة عدم تقبل الآخر وكراهية الأغراب (أصحاب الأرض الأصليين) والذي يتم التعبير عنه بوسائل مختلفة منها رسمية وغير رسمية لهو دليل قاطع على تنامي ظاهرة العنصرية في الدولة التي تطالب بدولة اليهود دون سواهم. وخير دليل على ذلك هو قانون القومية الذي سنته الدولة مؤخرا لجعل اسرائيل دولة قومية, دولة اليهود فقط. اضافة الى تهميش العرب من الحيز العام في الدولة. تمثيل غير لائق للعرب في مؤسسات الدولة رغم المطالبة بزيادة تمثيل العرب في مؤسسات الدولة من قبل جمعيات غير رسمية في الدولة. اضف الى ذلك فان قسما من الاحزاب الصهيونية يحاول كسب الأصوات عن طريق التحريض على الأحزاب العربية.
للتخلص من هذه الظاهرة تنتهج الدول المتطورة آليات ووسائل عديدة للتقريب بين فئات الشعب المختلفة او المجموعات الاثنية لرأب الصدع واضفاء السلم بينها من خلال:
اقامة أحياء سكنية مشتركة لتعزيز ثقافة التعايش المشترك بين السكان الأصليين والسكان المهاجرين نتيجة الفصل الحيزي بين هذه المجموعات السكانية. نتيجة هروب الأغلبية من الاماكن التي يقطن فيها المهاجرين.
ايجاد حيز عام مشترك من أجل تعزيز ثقافة التعايش بين فئات المجتمع والجماعات الاثنية داخلها.
في دولة اسرائيل بخلاف الدول المتقدمة تعمل جمعيات غير رسمية لزيادة التعايش المشترك بين العرب واليهود من خلال عقد لقاءات دورية بين مجموعات عربية ويهودية. هناك من يذهب بعيدا ويحاول التفتيش عن أماكن عامة places public تساهم في تقريب وجهات النظر بين اليهود والعرب. فقد ثبت ان أماكن عامة مثل المستشفيات والمجمعات التجارية على سبيل المثال هي أماكن مثلى لتقريب وجهات النظر بين العرب واليهود في الدولة كما في دول أخرى. فقد قامت البرازيل على سبيل المثال بزيادة عدد المجمعات التجارية داخلها ايمانا منها بان هذه المجمعات هي أماكن مناسبة لتخفيف حدة التوتر والكراهية بين فئات المجتمع الأخرى الامر ذاته في دولة اسرائيل فقد بينت دراسة أعدها كاتب المقالة تؤكد ما تم التوصل اليه في البرازيل.
للدخول الى طلب الموضوع فان البلدات العربية تشهد مؤخرا حركات هجرة ضئيلة لم تكن معتادة عليها من قبل سوا هجرة اللاجئين من البلدات التي تم تهجيرها سنة 1948 فقد استقبل اللاجئين آنذاك في هذه البلدات بحفاوة من قبل السكان المحليين وتم ايوائهم داخل بيوتهم ومشاركتهم في لقمة عيشهم كما يروي كبار السن. حتى أن قسم منهم انصهر داخل هذه البلدات وأصبح جزءا من السكان المحليين.
تجابه حركات الهجرة الحديثة الى البلدات العربية خاصة الكبرى منها (رغم ضآلتها) بمعارضة شديدة من قبل سكان البلدات الأصليين, على الرغم من عدم اتخاذ خطوات علنية للتصدي لظاهرة الهجرة. ويتم اتهام الغرباء بالتسبب في دوائر العنف التي تدور داخل هذه البلدات نتيجة الاختلاف في العادات والتقاليد أو التشكيك بمصداقيتهم الوطنية أحيانا. ان المعارضة للغرباء الذين يدخلون هذه البلدات ووضعهم في دائرة الشكوك واتهامهم في زعزعة الأمن والاستقرار داخل بلداتهم ممكن أن يؤدي الى زيادة الكراهية للسكان المحليين والتفتيش عن الانتقام نتيجة المعاملة التي يلقونها.
يجب حقا فحص مصداقية هذه الادعاءات واذا ثبتت صحتها يجب التعامل مع هذه القضية بروية وعقلانية من أجل المحافظة على مجتمعات سليمة خالية من العنف. عن طريق احتواء هذه الشرائح من المجتمع, وعدم نبذها وتهميشها والا فان ظواهر العنف ستستمر بالتصاعد دون ابجاد الحلول المناسبة والأمر ذاته ينطبق على الاقليات في دول العالم المختلفة.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

مقالات متعلقة