الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 15:01

المرأة العربية بين حظائر التدجين ومراكز التمكين/ بقلم: حسين فاعور الساعدي

حسين فاعور الساعدي
نُشر: 03/03/19 14:47,  حُتلن: 16:58

حسين فاعور الساعدي:

بعد هذا التطور الهائل الحاصل في كل مناحي الحياة ماذا تغير وأين نحن من هذه القضية المصيرية: قضية مساواة المرأة؟

التمس المعذرة من زملائي العاملين والعاملات الاجتماعيات لأنني سأغيظ بعضهم خصوصاً وأنني كنت شريكاً وربما من أوائل من أقاموا مراكز التمكين في قرانا. ما يشجعني على كتابة هذا المقال أنه يعبر عن موقفي الثابت الذي لم يتغير والداعم لقضية تحرر المرأة ومساواتها. وكل من يعرفني عن قرب يشهد بذلك.

كثيرة هي الشعارات المنادية بمساواة المرأة وكثيرون هم المنادون بهذه المساواة إلا أن من يمارسونها على أرض الواقع عم قلة قليلة. وأهم سبب لذلك هو المرأة نفسها. ففي الغرب مثلاً أكبر مدّعي وأكثر متشدق بحرية المرأة، نجد أن هذه الحرية تحولت إلى سلعة لها ثمن كأي سلعة في سوق المال الحر. والأصعب من ذلك نجد أن المرأة في هذا الغرب هي من قبلت أن يباع جسدها ويستغل، أبشع استغلال، في العرض والطلب. فهل هذه هي الحرية والمساواة التي نريدها لنسائنا؟

جميعنا، نحن المسنين، نذكر أمهاتنا وجداتنا وبرنامجهن اليومي الحافل الذي كان يبدأ قبل طلوع الشمس ويستمر إلى هزيع الليل الأخير. لم تتوفر الغسالات ولا الجلايات ولا الخبز الجاهز. كل شيء كانت المرأة تحضره بنفسها وإلى جانب ذلك تقوم بمساعدة زوجها في مختلف الأعمال. مع كل ذلك لم تقصر في تربية أولادها ومنحتهم حليبها الطبيعي لأكثر من سنة، وحضنها الدافئ لسنوات. لم تضعهم في حضانة ولم ترسلهم إلى روضة ولم تحملهم في سلة. لذلك نشأ جيل يعرف الأخلاق ويؤمن بالقيم التي رضعها من ثدي أمه وليس من القنينة.

للأسف الشديد رغم عطائها غير المحدود ورغم تضحياتها الجسام فقد حرمت المرأة في تلك الفترة من الكثير من حقوقها الأساسية. حرمت من حقها في التعليم وحرمت من حقها في الميراث وحرمت من حقها في اختيار الشريك وذلك نتيجة الجهل العام الذي ساد مجتمعنا.

بعد هذا التطور الهائل الحاصل في كل مناحي الحياة ماذا تغير وأين نحن من هذه القضية المصيرية: قضية مساواة المرأة؟ اليوم نسائنا لا يعجنَّ ولا يخبزن ولا يغسلن ولا يجلين ولا يرضعن أطفالهن ولا يحملنهم في أحضانهن ولا يساعدن أزواجهن. فهل هذه هي المساواة؟ هل هذا ما تريده المرأة؟ يؤلمني ويوجعني أن أدعي أن المرأة في مجتمعنا العربي هي في أسوأ حال وتسير بخطى حثيثة نحو الهاوية. رغم الارتفاع غير المسبوق في نسبة المتعلمات والجامعيات واختفاء الأمية من بين نسائنا. هي في أسوأ حال وهي سبب العنف والكثير من التدهور في حياتنا الاجتماعية. لأنها تخلت عن دورها في التربية وصنع الأجيال. استصغرت هذا الدور فأهملته وركضت وراء مظاهر وظواهر براقة وخادعة. أهملت دورها كبوتقة لصهر وخلق الأجيال واهتمت أن تكون أداة جنسية لإشباع الرغبات. ما يحدث في مجتمعنا يجب أن يقرع ناقوس الخطر منذ أمد بعيد لكن ذلك لم يحدث وبقينا كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال. المرأة مظلومة ومن يقول غير ذلك فسيتعرض لأسهم وخناجر كل نساء العالم وكل المنافقين من الرجال الذين ينادون بتحرر المرأة لكسب ودها وكشعار بعيد عن الممارسة.

ما يحدث خطير ومقلق. لأن الرجل يرى في المرأة في معظمها أداة لإشباع غريزته الجنسية ولأن المرأة قررت التخلي عن دورها في بناء الفرد الذي هو أساس المجتمع. هنالك خلط للأدوار ورفض حتى للبيولوجي أو الفطري الذي خلقه الله. لقد سمعت من الكثير من المتعلمات والمثقفات السؤال العجيب: لماذا فقط المرأة يجب أن تحمل وتنجب؟ قلن ذلك من باب المزاح لكنه مزاح ينم عن الكثير.

لقد خلق الله المرأة وأكرمها بالمقدرة على الإنجاب ومنح الحليب لرضيعها، فرفضت ذلك وقايضته بالمحافظة على انتصاب ثدييها وعدم ترهلهما لأنها اختارت لهما وظيفة أخرى هي إشباع رغبة الرجل الجنسية. إنني أشدد على كلمة اختارت لأنه لم يجبرها أحد على ذلك.

وخلق الله سبحانه وتعالى دفء حضن المرأة الذي لا يعوضه دفء، فحرمت رضيعها هذا الدفء وقررت أن تحمله في سلة أو تجره في عربة بعد بعده الطويل عنها في رعاية حضانة أو تحكم حاضنة. المرأة هي التي اختارت ذلك وبزعم أنها مجبرة على الذهاب إلى العمل. من أجبرها؟ لا أدري. لقد قررت هي بنفسها أن وظيفتها كعاملة وقد تكون هذه الوظيفة عاملة نظافة أو طبيبة هي أهم من وظيفتها كأم. تجاهلت أنها تستبدل الذي هو أسمى بالذي هو أدنى. فوظيفة الأم أو ربة المنزل التي منحها الله للمرأة هي أقدس وأشرف وأسمى الوظائف لأنها المصنع الذي ينتج الأجيال والشعوب. لكن المرأة قررت أن تنبذها وتخجل بها. استبدلتها بأي وظيفة حتى لو كانت وظيفة عاملة نظافة.
ما زاد من سرعة السير في هذا الطريق أن شبابنا صاروا يفضلون الزوجة العاملة لحسابات اقتصادية لم تحسب جيداً، على الزوجة غير العاملة. أضف إلى ذلك ولأسباب كثيرة لا مجال لذكرها أصبح مقياس مساواة وتحرر المرأة بمدى خروجها للعمل خارج البيت. خارج البيت يتحكم بها شخص غريب هو المدير أو صاحب العمل. يأمرها فتطيعه ويذلها فتسكت ويتحرش بها جنساً فتتغاضى. أما في البيت فلم يعد الزوج يجرؤ على الطلب من زوجته تربية الأولاد ورعايتهم، خوفاً من غضبها أو من أن يتهم بالتخلف أو بالدكتاتورية. حتى أن الكثيرين من الأزواج ذوتوا هذا الشعور ولم يعودوا يروا في تربية الأولاد عملاً محترماً او ذا قيمة يستحق أن تتفرع زوجاتهم للقيام به.
ما يحتاجه مجتمعنا هو إعادة الاعتبار لقيم ومفاهيم عظيمة بدأنا نفقدها عندما بدأنا نقلد الغرب وما يأتي منه بشكل أعمى. بدأنا نفقد وظيفة ربة المنزل هذه الوظيفة العظيمة والمقدسة التي تشمل في أكنافها وظيفة الأم والمعلمة والمدربة والمربية والمعالجة والقدوة. استبدلنا هذه الوظيفة العظيمة (ربة المنزل)، التي يخجل بها معظم النساء ويعتبرن من يطلب منهن القيام بها إنما يريد إذلالهن وسجنهن في البيت، بأي وظيفة خارج البيت. من يطلب من المرأة أن ترضع طفلها وتحتضنه وترعاه أصبح متخلفاً أو عدواً لمساواة المرأة وتحررها. ومن ينادي بخروجها للعمل يعد تقدمياً ونصيراً لتحرر المرأة ومساواتها. ربة المنزل هي سيدة ذاتها وملكة في مملكتها والمرأة العاملة هي عبد مأمور لصاحب العمل سواء كانت عاملة نظافة إو طبيبة. فما العلاقة بين العمل وتحرر المرأة ومساواتها؟

في هذه الأجواء من تفكك الأسرة وتلاشي قيم وأعراف كانت قيّمة ومقدسة حتى وقت قريب، جاءت مراكز التمكين لتدفع بمن لا يزال يقف على حافة السقوط إلى السقوط في الهوة السحيقة التي اخترنا الانزلاق إليها. ما يجب على هذه المراكز، الممولة بسخاء، القيام به هو إعادة الاعتبار لمفاهيم وقيم نحن أحوج ما يكون لها. نحن بحاجة ماسة أن يكون لنا ربات منازل كأمهاتنا وجداتنا مع إضافة هامه هي الشهادة الجامعية. ولسنا بحاجة إلى الخروج للعمل خارج البيت على حساب هذه الوظيفة العظيمة. نحن بحاجة أن نمرر في هذه المراكز دورات للعناية بالروح وليس للعناية بالبشرة. نحن بحاجة إلى دورات مكثفة ليس في معرفة الجسد وكيفية عرضه بالمزاد العلني، وإنما في الأخلاق وحسن التصرف عند الأزمات. نحن بحاجة إلى دورات في حب المرأة لزوجها وألفته في أوقات الشدة، وليس في كيفية تقديم شكوى في الشرطة لسجنه.

أي تمكين هذا الذي يستدرج المرأة إلى التمرد على القيم والمبادئ التي تحافظ عليها وتحميها حتى من نفسها الأمارة بالسوء؟ أي تمكين هذا الذي يسوق المرأة إلى سوق العرض والطلب كأي سلعة تباع وتشترى تحت مسميات مسمومة يراد بها باطل ثم باطل؟ جسد المرأة هو ملك لها ولكن ليس لعرضه في المزاد متى تشاء وكيفما تشاء. المرأة أعظم من أن نحولها إلى وسيلة أو أداة للتسويق. من حق الزوجة أن تعمل ولكن ليس على حساب أقدس وأشرف عمل. التمكين هو في مدى تحصيل الأبناء في المدرسة وفي عدد الأبناء الجامعيين في كل عائلة وليس في الخروج للعمل في مصنع. التمكين هو في مقدرة المرأة على الحفاظ على أسرتها وليس في طول التنورة أو قصرها.
لا شك أن هنالك الكثير من الفوائد لمراكز التمكين إلا أن هذه الفوائد تصغر أمام الضرر الجسيم الذي تسببه لتعاضد الأسرة وتكافلها. وإن لم ننتبه جيداً لما يدور في هذه المراكز ونشرك جميع مؤسساتنا وأطرنا في بلورته وتوظيفه لخدمة قيمنا ومثلنا والمحافظة عليها فإننا سائرون إلى الهاوية لا محالة.

للمرأة الحق في المساواة والحرية مثلها مثل الرجل تماماً ولكن هذا لا يعني أن لها الحق في أن تدوس على قيمنا وأعرافنا. للمرأة الحق في العمل مثلها مثل الرجل ولكن هذا ليس على حساب الوظائف التي خلقها الله لها ولم يخلق الرجل لها. أو لتقرر ألا تكون أماً وهذا من حقها.
نحن بحاجة ماسة للعودة إلى الجذور، وليس لتقليد الغرب المنهار أخلاقياً واجتماعياً. نحن بحاجة ماسة للمرأة الشجاعة المثقفة التي تعرف أهمية دورها في بناء الأجيال وصنع المستقبل. المرأة اليوم هي سبب هذا التدهور الي يصيب أبناءنا لأنها تخلت عن دورها في التربية لا فرق بين الجامعيات وغير الجامعيات لا فرق بين المتعلمات وغير المتعلمات. الجميع تخلين عن دورهن في صنع الأجيال وصهرها وشغلن أنفسهن بالفيس والووتس والمسنجر. الجميع يتبارزن في نوع الفيرمة التي يلبسها أبناءهن ويتسابقن في إيصالهم إلى المدرسة بسيارات فاخرة. أصبح الخلوي هو المصدر الذي ينهلون منه قيمهم ولغتهم ومُثلهم.

الأم هي المسئولة عن إيصال القيم وزرعها في وجدان الطفل وليس الرجل. لأنها تملك المقدرة والوسيلة ما دامت سيدة البيت ففي خلية النحل الإناث هي التي تحرس الخلية وتمنع أي نحلة مريضة أو ملوثة من الدخول.
من حق المرأة ان تختار الوظيفة التي تريدها شرط ألا تتخلى عن أهم وظيفة وأعظم وظيفة وهي وظيفة ربة المنزل. إلا إذا قررت ألا تبني عشاً وهذا من حقها. ليس من حقها أن تبني عشاً مهدوماً.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com


مقالات متعلقة