الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 23 / أبريل 08:01

التشابه والتشابك بين ما يجري في الساحتين الأدبية والتدريسية/ بقلم: حسين فاعور

حسين فاعور الساعدي
نُشر: 20/02/19 14:43,  حُتلن: 12:10

حسين فاعور الساعدي في مقاله: 

مهنة المعلم عند العرب مهنة محترمة وتكاد تكون مقدسة منذ أقدم العصور حتى أيامنا

كنت في مقال سابق قد تحدثت عن "أدب الموظفين" وأشرت في ذلك المقال إلى أن معظم إنتاجنا الفني في هذه البلاد هو لموظفين وبالتحديد لمعلمين يعملون في سلك التدريس في مراحله المختلفة من الابتدائي حتى الجامعي. وأشرت كذلك إلى أن هذا الأدب له مميزاته وخواصه لكونه أدب موظفين وزعمت أنه لم يحلل ولم يُدْرس أو يحلل من هذه الزاوية الهامة جداً.
في هذا المقال سأتناول "مركز المعلم" في هذه البلاد وما أصابه من تدني نتيجة الكثير من المتغيرات التي حصلت في السنوات الأخيرة. وزارة المعارف هي من أهم الوزارات في هذه البلاد بعد وزارة الدفاع، وقد ظل جميع العاملين فيها يخضعون لتدخل الجهات الأمنية في تشغيلهم لسنوات طويلة. هذه الوزارة في الوسط العربي ليست نفس الوزارة في الوسط اليهودي، فما يسمح به في الوسط العربي غير موجود ولا يسمح به في الوسط اليهودي. وما يمارس من فساد ومحسوبيات لا يمارس في الوسط اليهودي أو لا يمارس ينفس الحدة على الأقل. قضايا الفساد في هذه الوزارة لحدتها وكثرتها معروفة للجميع بل وأصبحت ظاهرة عادية مسلم بها.

مهنة المعلم عند العرب مهنة محترمة وتكاد تكون مقدسة منذ أقدم العصور حتى أيامنا. ألم يقل الشاعر:
قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا
فماذا حدث وما الذي أصاب هذه المهنة؟ هنالك تراجع حاد في الاحترام الذي كان يحظى به المعلم في أعين طلابه. والأخطر من ذلك في أعين أهالي هؤلاء الطلاب. سأورد فيما يلي بعض الأسباب التي أدت إلى ذلك كم أظن:
1- في سنوات الخمسين والستين والسبعين وبسبب التضعضع الذي أصاب المجتمع العربي بعد النكبة كان تعيين المعلمين يتم بتدخل مباشر من الجهات الأمنية. هذه الجهات راقبت جهاز التعليم العربي وتدخلت في مناهجه ومضامينه وراقبت تصرف المعلمين أثناء عملهم وأثناء حياتهم اليومية بعد العمل. كثير من المعلمين الذين تمردوا على هذه القيود طردوا من عملهم أو زج بهم في السجون بتهم مختلفة. لذلك من بقي في سلك التعليم فرض عليه الصمت وعدم التدخل في السياسة. وهذه كانت الأغلبية الساحقة من المعلمين. إلا أن بعض المعلمين وخصوصاً المقربين من اليسار وخصوصاً الحزب الشيوعي استطاعوا المشي بين النقاط. من بين هؤلاء من لجأ إلى الأدب للتعبير عن ذاته وعن طموحاته. إلا أن هذا التعبير ظل خجولاً ورمزياً إلى أبعد الحدود. هذا الجو العام أعطى صورة مظلمة عن وظيفة المعلم وزاد من أعداد أولئك الذين يتهمونهم بالتعاون مع السلطة أو بمهاودتها في أحسن الأحوال. كثر الذين يرددون أن المعلمين يعينون بالواسطة وكثر المرددون ان المعلمين هم متعاونون.

2- في سلك التعليم العربي في هذه البلاد تم تعيين الكثير من المعلمين والمفتشين والمدراء ليس بناءاً على مؤهلات علمية وإنما بناء على أمور أخرى, هذا الوضع خلق أجواء غير نظيفة في جهاز التعليم كتعيين معلمين فاشلين ومدراء ومفتشين استغلوا مراكزهم بشكل سيء جداً عابثين بالمسئولية الملقاة على عاتقهم ومستغلينها للتحرش الجنسي ولبناء علاقات جنسية مع معلمات يفتشن عن عمل أو يردن التقدم في عملهن. في دولة إسرائيل وفي الوسط اليهودي يحاكمون من يتحرش جنسياً حتى لو كان في أعلى المراكز والجميع يذكر كيف سجنوا حتى رئيس الدولة موشي كتساب بهذه التهمة. أما في الوسط العربي وفي وزارة المعارف بالذات فإن المتحرش يتم التغاضي عنه وترقيته في الوظيفة. ولم يسجن معلم أو مفتش أو مدير من الوسط العربي بهذه التهمة. في أقصى الأحوال يتم إحالته على التقاعد بعد أن يكون قد دمر البلاد والعباد.

3- قانون منع الضرب في المدارس. بعد سنوات الثمانين والتسعين من القرن الماضي حدث تحسن ملحوظ على مركز المعلم بعد تخرج الكثير من الجامعيين في الوسط العربي ودخولهم سلك التعليم بقوة شهاداتهم وليس بقوة "الواسطة". مما حسن من مركز المعلم وأعاد إليه هيبته ووقاره. في هذه المرحلة بالذات تم سن قانون منع الضرب في المدارس. هذا القانون جلب الويلات للمعلمين وللطلاب على حد سواء بسبب استغلاله بشكل سيء جداً من قبل الطلاب ومن قبل ذويهم. ففي عائلاتنا ولأسباب كثيرة فإن العقاب بالضرب لا يزال معمولا به في معظم العائلات إن لم يكن في جميعها. هذا الطالب ألذي تعود على العقاب بالضرب في البيت وجد نفسه ومرة واحده في وضع من الحرية المطلقة في المدرسة. لذلك لم يفهم هذه الحرية ولم يحسن استعمالها إلا لخلق الفوضى وللعربدة على المعلم. يشجعه على ذلك الأهل الذين يرون أنه المحق في جميع الأحوال والمعلم هو المذنب في جميع الأحوال. هذا العداء للمعلم من قبل الطالب والأهل أفقد المعلمين القدرة على التدريس وجعل من الصفوف بؤر توتر وحروب بين الطالب والمعلم. من يدخل مدارسنا هذه الأيام يشاهد من الوقائع ما تقشعر له الأبدان ويشعر بمدى التردي الذي وصلنا إليه. مظاهر من الزينة والألبسة وقصات الشعر لا تليق بنا. رضيها الأهل لأبنائهم فقبلها المعلمون وسكتوا عنها مرغمين. لقد كنا نقول للمعلم عن أبنائنا ذات يوم " لك اللحم ولنا العظم"، فصرنا نقول للمعلم اليوم "يا ويلك إذا بتقدم فيه...بحبسك". نقول ذلك ونخن نعرف وقاحة وسفالة وقلة حياء أبنائنا.

في هذه الأوضاع البائسة والصعبة يعمل معلمونا. لا يساندهم أحد حتى الأهل الذين يريدون منهم تدريس وتثقيف أولادهم أشهروا خناجره وانضموا إلى من أرادوا تحطيمهم وإذلالهم. نحن نعرف حق المعرفة أن من يريد هدم هذه المهنة إنما يريد هدم مجتمعنا بكامله. ومن يريد إذلال المعلم إنما يريد إذلال جيل بكامله.
هذه الأوضاع المأساوية للمعلمين هي أحد جوانب التدهور الخطير لمجتمعنا في الكثير من المناحي. إن التدهور الحاصل في جهاز التربية والتعليم هو نفس التدهور الذي يجري في ساحتنا الثقافية. إن ما يجري في جهاز التعليم من تردي وفساد يتم نقله وبنفس الأساليب إلى الساحة الثقافية. فكما تتم ترقية معلم فاشل ومدير فاسد ومفتش منحرف في سلك التعليم أصبح مقبول وطبيعي بل وحتمي تكريم شاعرة ليست شاعرة وإشهار كتاب لا يسوى الحبر الذي كتب به. وكما نسكت عن المدير الفاسد والمفتش المنحرف يجب علينا أن نسكت على تكريم الأديب السخيف وإشهار السطحي والهزيل.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

مقالات متعلقة