الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 20 / أبريل 05:02

وَأَحْمِلُ أَنْتِ فَناءً بِأَنْتِ- مُدامَةٌ/ بقلم: محمود مرعي

الشاعر العروضي محمود
نُشر: 31/01/19 07:53,  حُتلن: 20:22

(نَصٌّ سابِقٌ عَدَلَ عَنْ عَدْلِهِ قَليلًا حَتَّى اعْتَدَلَ)

(قَبْلَ الوُلوجِ إِلى هٰذا الحَيِّزِ والفَرْشِ نَقولُ: هُناكَ الـمَقامَةُ وَالـمَنامَةُ، وَهذِهِ

الـمُدامَةُ لِـما تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ خَمْرَةِ السَّامِرِ وَنَقَلِهِ في سَمَرِهِ، وَمُدامَتُنا يَكْسِرُ

بَعْضُها مَذاقَ بَعْضٍ وَيَنْقُلُهُ مِنْ جَمالٍ إِلى جَمالٍ وَمِنْ مَذاقٍ إِلى مَذاقٍ، وَلِأَنَّ

سَهْرَتي خاصَّةٌ وَرِحْلَتي لا سابِقَ لَها اخْتَرْتُ لَها اسْمًا لا سابِقَ لَهُ هُوَ الـمُدامَةُ،

وَالـمُدامُ وَالـمُدامَةُ هِيَ الخَمْرُ، وَنُوَسِّعُ الـمَعْنى دونَ الخُروجِ عَلى الأَصْلِ دَلالَةً

عَلى الـمُدامَةِ وَنَقَلِها، أَيْ ما اجْتَمَعَ لِلسَّامِرِ مِنْ مُعَتَّقَةٍ وَمِنْ نَقَلٍ، وَمِنْ قَبْلِ هٰذا

كُلِّهِ وَمِنْ بَعْدِهِ يَظَلُّ الأَمْرُ اجْتِهادًا وَإِنْ كانَ يُحاكي الـمَقامَةَ وَالـمَنامَةَ في

التَّسْمِيَةِ، لكِنْ لا بَأْسَ بِذلِكَ، وَمُناقَشَةُ التَّسْمِيَةِ مَشْروعَةٌ لكِنْ في حُدودِ رُقِيِّ

الحَرْفِ وَالأَدَبِ لِـمَنْ شاءَ).

*******

مُهْرَةٌ عَرَبِيَّةُ الوَمْضِ فِلَسْطينِيَّةُ الطَّعْمِ، قُطْبِيَّةُ الأَرْضِ، وَلا أَرْضَ لَها إِلَّا في مَدائِنِ

القَصيدَةِ وَقَلْبي، تُطِلُّ عَلَيَّ الآنَ تُغازِلُ الشُّعاعَ الـمُنْطَلِقَ مِنْ أِلِفِ الجَمالِ حَتَّى

ياءِ الغَرامِ، تُمْلي وَتَقولُ وَتَنْصاعُ الحُروفُ باسِماتٍ، تَتَراقَصُ عَلى شِفاهِها

فَراشاتُ الجَليلِ في نيسانَ، وَعَلى غُصْنٍ وَشيكِ الثِّمارِ أَسْرابُ عَرائِسَ يَطْلُعْنَ

مِنْ مَتْنِ الأَساطيرِ القَديمَةِ يُغَنِّينَ لَها:

جَفْرا وْيا هَالرَّبِعْ .. جَفْرا عَرَبِيَّهْ

وِالـمَنْفى ما هو وَطَنْ ... خْلِقْتِ فْلَسْطينِيَّهْ

مَدِّينا حْبالِ الهَوى .. مِنْ هونا لَعِنْدِكْ

ميلي يا رَمْزِ الغِوى .. يا سَعْدي وْيا سَعْدِكْ

لا بُدِّ يْزولِ النَّوى .. وِتْعودِ لَأَهْلِكْ

وِنْغَنِّي جَفْرا سَوى .. جَفْرا فْلَسْطينِيَّهْ

وَيُطِلُّ عَلَيَّ مِنْ كَنَفِ دَهْرٍ سابِقٍ أَحَدُ الأَنْصابِ، مِمَّنْ كَأَنَّهُ عُبِدَ أَوانَ ظُلْمَةٍ ما، وَيَحْتَجُّ عَلَيْنا بِأَنْ لا وُجودَ لِ

مُسْتَفْعِلُ في البَسيطِ (جَفْرا عَرَبِيَّهْ/ مُسْتَفْعِلُ فاعِلْ).

وَأَقولُ لَهُ أَرْهِفْ سَمْعَكَ لِجمالِ مَوْسَقَتِها وَإِيقاعِها، وَيَأْبى وَيُصِرُّ عَلى تَخْطِئَتي.

فَأَقولُ لَهُ: هَلْ سَمِعْتَ فَيْروزَ وَهِيَ تَصْدَحُ: (صاحِتْ بِنْتًا لِكُمْ.. يُمَّهْ حَرَمِيَّهْ/ مُسْتَفْعِلُ فاعِلْ)، بَلْ وَتَتَلَذَّذُ في أَدائِها مُقَطَّعَةً (يُمَّهْ حَ رَ مِيْ يهْ) وَالبَعْضُ يَجْعَلُ أَلِفَ مَدٍّ ساكِنَةً بَدَلَ هاءِ السَّكْتِ. أَلَمْ تَسْمَعْ راعي الجَفْرَا وَهُوَ يَصيحُ: (سافَرْ عَ بْلادِ الفُلِحْ.. مَعِ الـمَدَنِيَّهْ/ مَعِ لْـمَدَ نِيَّهْ= مُتَفْعِلُ فاعِلْ).

فَقَالَ: لَـمْ أَسْمَعْ بِهِما فَمَنْ تَكونُ فَيْروزُ، وَمَنْ يَكونُ راعي الجَفْرا؟

لَقَدْ نَسيتُ يا صاحِبي.. فَأَنْتَ ابْنُ عُصورِ السَّوادِ وَوَقْتِ السَّبَخِ، فَلا بَأْسَ عَلَيْكَ يا أَخا السُّكونِ وَالرُّكودِ، لٰكِنْ مِنَ الـمُؤَكَّدِ أَنَّكَ سَمِعْتَ بِشَيْخِ القُرَّاءِ، ابْنِ الجَزَرِيَّ.

فَأَجابَ: نَعَمْ، ذاكَ الكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ في سَماءِ القُرْآنِ وَقِراءَتِهِ.

قُلْتُ: لا شَكَّ أَنَّك قَرَأْتَ في مُقَدِّمَتَهُ.

قالَ: نَعَمْ.

فَصِحْتُ بِحِدَّةٍ: فَكَيْفَ نَصَبوكَ وَنَصَّبوكَ أَيُّها النُّصُبُ؟ أَلَمْ تَقْرَأْ قَوَلَهُ فيها:

مَخارِجُ الحُروفِ سَبْعَةَ عَشَرْ.. عَلى الَّذي يَخْتارُهُ مَنِ اخْتَبَرْ

لِلْجَوْفِ: أَلِفٌ وَأُخْتاها وَهِي.. حُروفُ مَدٍّ لِلْهَواءِ تَنْتَهِي/ لِلْجَوْفِ: أَلِـ= مُسْتَفْعِلُ.

ثُمَّ لِأَقْصى الحَلْقِ: هَمْزٌ هاءُ.. وَمِنْ وَسَطِهِ: فَعَيْنٌ حاءُ/ وَمِنْ وَسَـ= مُتَفْعِلُ.

وَهُوَ إِعْطاءُ الحُروفِ حَقَّها.. مِنْ كُلِّ صِفَةٍ وَمُسْتَحَقَّها/ مِنْ كُلِّ صِ= مُسْتَفْعِلُ.

ثَانِي فَعَلْنَ، وَقَعَتْ، رُومٌ، كِلَا.. تَنْزيلُ، شُعَرَا، وَغَيْرَهَا صِلَا(1)/ تَنْزيلُ، شُ= مُسْتَفْعِلُ.

فَزَمْزَمَ صاحِبُنا وَبِالأَرْضِ خَبَطْ.. وَخَرَّ مِنْ وَقْتِهِ وَما لَبَطْ.

تُشاغِبُني ذاكِرَتي الَّتي تُشاغِبُها عَصافيرُ الـمَدى هَوًى، تَسْرِقُني مِنِّي إِلَيْكِ

سَيِّدَةَ الـمُخْمَلِ مُنْذُ كَنْعانَ حَتَّى نَقْضِ العَوْلَـمَةِ، تُلَقِّنُني هِجاءً جَديدًا لَمْ يَكُنْ

قَبْلَ هٰذا الشُّروقِ، وَتَنْشَطِرُ الدَّقائِقُ أَنْصافًا لِتُنْصِفَنا، وَتَطْلُعُ مِنْها غَجَرِيَّاتُ الزَّمانِ

تُرَتِّلْنَ أَغاني جِلْجامِشَ وَما خَلَّفَ في بابِلِهِ قَبْلَ خُلودِهِ خَلْفَ جِدارِ الكَيْنونَةِ،

تَرْكُضُ أَساطيرُ الجِهاتِ كُلُّها في مَوْكِبِ أَفْراحِ الرُّوحِ راقِصَةً عَلى إِيقاعِ وُجودِنا

العَبَثِيِّ في دَمِنا الـمُؤَرَّخِ بِالرَّصاصَةِ وَالنَّشيدِ، تَرْكُضُ مِنْ أَوَّلِ نَسْجٍ فيها حَتَّى

آخِرِ قُبْلَةٍ، تَكْتَنِزُ الأَزْمِنَةُ الآنَ رَحيقًا وَأَنْتِ قابَ لَـمْحٍ مِنِّي، أَراكِ بِكُلِّ ما فيكِ، بِكُلِّ

ما قالَتِ العَنْقاءُ قَبْلَ رَمادِها وَما أَلْقَتْهُ الرِّيحُ عَلى رِمالِ الجَزيرَةِ مِنْ غُبارِ رِحْلَتِنا

قَبْلَ الطُّوفانِ، تَطْلُعينَ الآنَ عَروسَ الزَّمانِ وَالـمَكانِ فَأَشْتَهيكِ خُلْدَيْنِ وَغَفْوَتَيْنِ

في جِوارِ عُمْرِ القَصيدَةِ كَيْ يَتَوالَدُ الكَوْنُ الَّذي حَدَّثَنا عَنْهُ الرَّاوي قُبَيْلَ سُقوطِهِ

في آخِرِ نُقْطَةٍ في سَطْرِ قُبْلَتِنا.

تَواتَرَ هٰذا الخَفْقُ مُطَّرِدَا .. فَسَلْسَلَ نايَ الرُّوحِ وَاحْتَشَدَا

وَنادَتْ فَراشاتُ التِّلالِ عَلى .. أَزاهِرِها وَالأَرْضُ خَفْقُ مَدَى

وَكُنْتِ عَلى جُرْحَيْنِ، حَيْثُ أَنا .. أُقَطِّبُ في الجُرْحَيْنِ ما انْفَصَدَا

وَأَجْمَعُ أَطْرافَ الكَلامِ رِضًى .. كَجَمْعِ بِساطٍ مُدَّ مُحْتَفَدَا

فَتَمْشينَ حَسْناءَ الزَّمانِ كَما .. بِبابِلَ عَشْتارٌ مَشَتْ غَيَدَا

عَلى خَطْوِكِ النَّاياتُ راقِصَةٌ .. وَنَهْداكِ يَنْبوعانِ مُذْ وُلِدَا

فَلا الشِّعْرُ يَرْوَى مِنْهُما أَبَدَا .. وَلا السِّحْرُ إِذْ حازاهُ قَدْ نَفِدَا

يَزيدانِ نَفْثًا كُلَّما نَهَضَتْ .. بِساقَيْ قَصيدي النَّارُ فَاتَّقَدَا

وَساقاكِ في الـمَلْقى عَلى قَصَبٍ .. وَعاليكِ نَهْرٌ طابَ مُبْتَرَدَا

وَعْيْناكِ ما في الرُّوحِ عِنْدَهُما .. جَلِيٌّ فَلا يَخْفى وَإِنْ رَقَدَا

وَتَدْعينَني أَقْبِلْ كَفاكَ نَوًى .. وَنورُكِ يَهْمي وَالدُّجى وُصِدَا

تَقومُ رُقى الأَحْلامِ حارِسَةً .. تُطَوِّقُ مِعْراجَ اللَّظى رَصَدَا

نَفيضُ لُهاثًا غَيْرَ مُنْقَطِعٍ .. وَنَقْتُلُ فينا جَهْرَةً لُبَدَا

تَميسينَ حَوْلي وَالرِّضى أُفُقٌ .. يُسَرِّبُنا في الوَقْتِ مُتَّئِدَا

نَصْعَدُ الدَّرَجَ القَديمَ إِلى خارِجِ القَبْوِ لَحْنَيْنِ كانا عَلامَةَ العُبورِ مِنَ الصَّقيعِ إِلى

الخُشوعِ، نَتَبَتَّلُ غِبَّ انْهِمارِ الرَّحيقِ فينا وَيَشْتَعِلُ التَّهَجُّدُ في مِحْرابِ اللُّغَةِ

الجَديدَةِ، وَتَكْنُسُ الـمَواقيتُ في كُهوفٍ غَيْرِ ذاتِ لَيْلٍ، وَفي الجِوارِ كَلامٌ يَتَفَصَّدُ

ثِمارًا تَتَدَلَّى فَوْقَ ناصِيَتَيْنا، نَمُدُّ لَها يَدَ الإِعْرابِ وَحِبالَ البَلاغَةِ تَسْتَعْصي قِطافًا،

وَيُدْرِكُها الضُّمورُ فَتَنْطِفُ شَهْدَ رَغْبَتِنا وَنغيبُ تَحْتَ الظِّلاِل، وَشَمْسٌ تَذْرَعُ

السَّحيقَ حَتَّى أَقاصي الشَّفَقِ، وَأَنْتِ ازْدِحامُ الجَمالِ انْتِباهًا بِحَضْرَةِ الرُّخامِ

الصَّقيلِ، يَسيلُ عَنْكِ الجَمالُ، وَأَغْرِفُهُ حَتَّى يَصيحَ عَلى السَّديمِ البَعيدِ قَمَرٌ، كُنْتُ

زَرَعْتُهُ ذاتَ قَصيدَةٍ حُبْلى بِكِ: لا تَفُضَّ بَكارَةَ القَصيدَةِ دَعْها تَتَناسَلْ رَياحينَ

صَباحِيَّةً.

أَقومُ عَلَيْكِ قِيامَ مُصَلٍّ .. حَريصٍ عَلى الصَّلَواتِ وَأَنْتِ

أُوَسِّعُ مَدْخَلَ دَرْبِ الكَلامِ .. إِلَيْكِ لِيُفْضي لِأَنْتِ كَأَنْتِ

وَتُشْرِقُ فيكِ العُصورُ غَرامًا .. وَأَحْمِلُ أَنْتِ فَناءً بِأَنْتِ

وَنَكْرَعُ خَمْرَةَ لَيْلٍ وَنَعْدو .. إِلَيْنا بِنا في فَضا أَنا أَنْتِ

فَأَنْتِ أَنايَ اتِّحادًا وَصَهْرًا .. وَأَنْتِ أَنايَ امْتِلاءً بِأَنْتِ

خَواءٌ يَلوحُ عَلى مَدارِجِ هُبوطِ الكَمالِ يُحاوِلُ نَفْيَكِ عَنِّي، يُطارِدُهُ يَقيني أَنَّك هُنا

أَنا، وَتَنْثالُ النُّجومُ دُروبَ ضَوْءٍ حَديثٍ، وَيَقيني يَصْطادُ ظِباءَ السَّماءِ لِرَقْصَتِنا

القَريبَةِ في ما تَبَقَّى مِنْ صَهيلِ الكَلامِ في عُروقِ القَصيدِ، وَيَشْرَبُ اللَّيْلَ بِحَفَناتِ

الصَّباحِ الَّذي تَقْرَئينَ، كُلَّما هَبَطْنا إِلى وادي الكَلامِ مِنْ جِبالِ الصَّمْتِ الجَريحَةِ،

وَسِرْنا نَحْوَ بادِيَةِ الخَيالِ عِناقًا وَافْتَرَشْنا ظِلَّ غَيْمَةٍ عابِرَةٍ إِلى مَدينَةِ القُنوتِ كَيْ

تَنْفي القُنوطَ بِأَنْ نَكونَ، ثُمَّ انْطَلَقْنا عائِدَيْنِ نَحْوَنا في أَوَّلِ الرِّحْلَةِ الوَرْدِيَّةِ في

قِطارِ الشُّروقِ، وَتُطْلِقينَ في عُروقي الخَدَرَ الـمُخَبَّأَ في تَضاعيفِ اكْتِنازِكِ بي،

تَقولينَ حانَ نَوْمُكَ فَقَدْ أَرْهَقَتْكَ غَيْماتُ روحي وَرَذاذُ مَشاويري، فَنَمْ كَيْ أُرَوِّيكَ

وَأَضُمَّ اسْتِلابَكَ القَديمَ لِتَصيرَ أَنا، وَتَنْبُتَ فِيَّ وَجْهًا أَعْرِفُهُ مُنْذُ احْتِراقي بِأَوَّلِ

قَصيدِكَ قُبْلَةً لَمْ أَنْطَفِئْ.

سَقى دِيارَكِ غَيْثُ الحُبِّ ظامِئَتي .. وَأَمْطَرَتْ غَيْمَةُ التَّهْيامِ واجِدَتي

وَأَزْهَرَ الصُّبْحُ لا لَيْلٌ يُطارِدُهُ .. عَنِ الـمَغاني فَتَغْنى فيكِ ساكِنَتي

أَبُثُّكِ الوَجْدَ مَشْبوبًا وَمُتَّقِدًا .. وَأُرْسِلُ الشِّعْرَ مَفْتونًا بِفاتِنَتي

وَتِلْكَ جَفْرا وَهَلْ جَفْرا إِذا ذُكِرَتْ .. سِواكِ وَقْعًا مَعَ الإِيقاعِ واصِلَتي؟

يَجِلُّ ما بي إِذا غَنَّيْتِني زَمَني .. قَدْ طِبْتِ ذِكْرًا مَلا آمادَ ذاكِرَتي

أَلْقَيْتُ عَنِّي صَدى الأَسْفارِ مُذْ سَكَبَتْ .. عَلَيَّ روحُكِ إِشْراقًا وَحاضِرَتي

سَلي الجُنونَ وَقَدْ أَوْدى بِداثِرَةٍ .. تَدَثَّرَتْ شَهْوَةَ الإِيقاعِ عازِفَتي

يَرودُها الوَعْيُ وَالإِدْراكُ مُضْطَرِبًا .. تَنوشُهُ ظُلَلٌ وافَتْ لِقائِلَتي

هَبَّ الجُنونُ وَميضًا جاسَ بَيْنَهُما .. وَالدَّهْرُ يَرْقُبُ ميلادًا لِعاقِرَةِ

أَرْداهُما انْتَثَرا وَالأَرْضُ قَدْ فَهَقَتْ .. بِكَوْثَرٍ وَسَقَتْ أَجْذاعَ وارِفَتي

وَكُنْتِ أَنْتِ عَلى الأَغْصانِ ثَمْرَتَها .. وَكانُ عَزْفُكِ كُنِّي، كُنْتُ كائِنَتي

وَخُضْرَةُ الوَقْتِ قَدْ عادَتْ مَسارِحُها.. وَالـمَتْنُ عادَ نَقِيَّ النَّصِّ ذا مِقَةِ

يَحْنو عَلَيْكِ حُنُوِّي ثُمَّ يَشْرَبُني .. يَأْتيكِ ذائِقَةً تَحْيا بِذائِقَتي

كوني عَلى ثِقَةٍ تَرْويكِ عَنْ ثِقَةٍ .. بِالدَّرْبِ واثِقَةَ الـميثاقِ واثِقَتي

بِأَنَّنا واحِدٌ وَالفَصْلُ مُمْتَنِعٌ .. قَيْدَ الحَياةِ وَبَعْدَ الـمَوْتِ عاشِقَتي

تَتَكَوَّرُ الآنَ شُموسُ القَواميسِ تَقْذِفُ الحِمَمَ عَلى الـمَغْلوطِ وَالـمُشَوَّهِ مِمَّا زَرَعَهُ

عابِرُ الـمَكانِ بِتُرْبَةِ اللُّغَةِ، فَاسْتَطالَ شَوْكًا وَرامَ عَناقَ وَرْدٍ زَرَعَهُ الجاهِلِيُّونَ الرُّحَّلُ

في حُضورِ ثُبوتِنا، في رِحْلَةِ التَّفْسيرِ بَحْثًا عَنْ حُضورِهِمْ فينا لُغَةً، كَيْ نُدْرِكَ يَوْمًا

أَنَّنا وَجْهُهُمْ في عَصْرِنا، وَحاضِرِنا اليَقينِ بِلا غَبَشِ التَّوَهُّمِ وَالظُّنونِ، فَسيري بِنا

إِلى مَساكِبِ نَعْناعِ الجَدِّ وَأَحْواضِ اللُّغَةِ نُعَشِّبُ ما عَلِقَ بِها مِنْ غُبارِ الغُزاةِ

وَزَحْفِ لُكْنَةِ الغُرَباءِ، فَالأَصالَةُ تَكادُ تَخْتَنِقُ، وَلْنُتابِعْ بَعْدَها صَوْبَ خَيْمَتِنا كَيْ نولَدَ

في ما نَلِدُ مِنَّا، وَكَيْ لا نَحِلَّ يَوْمًا في الغائِبينَ الرَّاحِلينَ، فَقَدْ عَلَّمَتْني جَدَّتي أَنَّ

الثَّابِتَ لا يَغيبُ، فَاسْتَعْجِلي كَيْ نُؤَدِّي حَقَّ ما تَرَكْنا مِنْ تَمامِ القُبَلِ عَلى

الطَّريقِ قَبْلَ يَقْطِفُنا اللَّيْلُ الغَريبُ.
--
(1) ابن الجَزَري: هو إمام الحُفَّاظ وحجَّة القُرَّاء، مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عليِّ بن يوسفَ ابن الجَزَريِّ، رحمه الله تعالى (751- 833 هـ ، 1350- 1429م)، وقد لُقِّب بشيخ القُرَّاء. المقدِّمة، هي منظومة المقدِّمة فيما يجب على قارئ القرآن أَنْ يعلمه، وهي أُرجوزة من نظمه، والأبيات المرفقة مقتطعة من ثناياها.

مقالات متعلقة