الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 11:02

رسالة مفتوحة الى رؤساء السلطات المحلية - بقلم: د. صالح نجيدات

د. صالح نجيدات
نُشر: 08/11/18 07:38,  حُتلن: 16:15

د. صالح نجيدات في مقاله:

 كلنا ندرك المشاكل الاجتماعية الصعبة لمجتمعنا والعنف المنتشر في كل زاوية

حتى يتم علاج هذه الظواهر والمسببات لأمد طويل، على السلطات المحلية، والاهل والمدارس، الاهتمام بتنمية الفرد منذ الصغر والاهتمام بتعليمه وتربيته وتهذيبه

هنالك عدة قضايا هامة جدا يعاني منها مجتمعنا، وهي السبب في انتشار العنف والجريمة، وارجو ان تكون في اول سلم افضلياتكم، من اجل علاج العنف وتقليصه قدر الإمكان في المجتمع

الاخوة رؤساء السلطات المحلية ، أولا ، اهنئكم بفوزكم بالسلطة المحلية في بلداتكم، راجيا من الله ان يوفقكم ويسدد خطاكم ويقدركم على حمل عبء الأمانة الثقيلة والمسؤوليات الجسام، وخدمة أبناء بلداتكم بكل اخلاص وتفاني .

الاخوة الأعزاء: كلنا ندرك المشاكل الاجتماعية الصعبة لمجتمعنا والعنف المنتشر في كل زاوية، والقتل بين الحين والآخر، وانتشار المخدرات بين شبابنا والاتجار بها، والاتجار بالسلاح غير المرخص، والعصبية العائلية التي تنخر اساسات مجتمعنا ، وظواهر سلبية أخرى كثيرة، سببها تقصير الاسرة بتربية أولادها ، وتقصير السلطات المحلية ووزارات الحكومة المختلفة، وكذلك تقصير الشرطة بالقيام بدورها، وحتى يتم علاج هذه الظواهر والمسببات لأمد طويل، على السلطات المحلية، والاهل والمدارس، الاهتمام بتنمية الفرد منذ الصغر والاهتمام بتعليمه وتربيته وتهذيبه، وغرس القيم الإنسانية الأصيلة في نفسه وارشاده وتوجيهه ، وتهيئته لدخول معترك الحياة ، بواسطة الاذرع التربوية والاجتماعية للسلطة المحلية ، كالمدارس ومكاتب الخدمات الاجتماعية ، وغيرها من مؤسسات ، حتى يصبح الفرد مواطنا صالحا ، يهتم بالمصلحة العامة ، ويحافظ على مجتمعه ويغار عليه ، وينبذ العنف والشجارات ، والعصبية القبلية والطائفية ، فبناء الانسان وتربيته تربية صالحه ، من اهم الأمور التي تساعد على تقليص العنف الى ابعد الحدود ، فالإنسان يقاس بعلمه وتربيته واخلاقه ، فأبنائنا هم العمود الفقري والسند والدرع الواقي لمجتمعنا وهم مستقبله ، فكما تعرفون الشعوب والمجتمعات لا تتقدم ولا تتطور الا بالعلم والمعرفة والتربية السليمة.

قضايا هامة
رؤساء السلطات المحلية الكرام، هنالك عدة قضايا هامة جدا يعاني منها مجتمعنا، وهي السبب في انتشار العنف والجريمة، وارجو ان تكون في اول سلم افضلياتكم، من اجل علاج العنف وتقليصه قدر الإمكان في المجتمع، ومن هذه القضايا:

أولا: مدارسنا بحاجه الى نوعية المعلم ، والى المناهج والأساليب المتطورة لتصقل ثروة الطالب وتفجر مكامن إبداعاته المكبوتة، المحزنة داخله ، ولذا يجب الاهتمام بنوعية المعلم ، لإصلاح حال التعليم والمتعلم، لأن التعليم أو التدريس مهنة لا تصلح لمن يعتبرها وظيفة فقط لا غير، ومن يعتبرها هكذا تنعدم وتنهدم كل قواعد وأساسات نقاوة التعليم السليم ، فمهنة المعلم هي رساله مقدسه ، لان المعلم كما قال امير الشعراء " كاد ان يكون رسولا ". وللمعلم الدور المهم في تربية وتنشئة أولادنا ، وباستطاعته هندسة وصياغة عقولهم وثقافتهم وبناء شخصياتهم نحو الأفضل ، وتقوية انتماءهم الى مجتمعهم ، وتعليمهم الآداب والأخلاق ، وأدب الحوار والتسامح ، وكذلك غرس القيم والمفاهيم الاجتماعية والدينية الصالحة للأبناء ، وتهيئتهم للمجتمع ليكونوا ابناءً صالحين ،وكذلك تنمية الضمير الحي والرقابة الذاتية فيهم ، وتعويدهم على الانضباط ، وجعلهم يتفاعلون ايجابيا مع قضايا مجتمعهم ، فالمعلم هو الرافعة والأساس في رقي الشعوب ، والعمود الفقري في بناء المجتمعات ، والمجتمعات التي اهتمت وتهتم بالمعلم والتعليم هي في مصاف المجتمعات المتقدمة ، ولذا يجب تقويه ودعم مكانة المعلم من أجل تحقيق هذه الأهداف ، وكذلك يجب ان يكون دور مهم للمسجد والكنيسة في الوعظ والإرشاد والتوعية وغرس القيم وتقويه الوازع الايماني ومنع التعصب والفكر الضال من اجل خلق مجتمع الفضيلة.

ثانيا: علاج انتشار المخدرات ، المخدرات منتشرة بشكل كبير بين شبابنا وطلاب الجامعات وطلاب المدارس الثانوية ، وحتى عند بعض الفتيات . بعض الشباب تعاطى حبوب الهلوسة " اكستازي " واليوم يعانون من اضطراب عقلي من الصعب علاجهم ، مما جعل أبناء عائلاتهم يعيشون في جحيم ، هذه الظاهرة بازدياد مستمر بين الشباب على مختلف أجيالهم وثقافاتهم ، وزاد الطين بله سماح الشرطة لكل فرد ان يكون بحوزته لغاية 15 غرام من " المرحوانا " أو "الحشيش " دون مخالفة القانون ،فخطر المخدرات شديد يعبث بعقول أبنائنا وبناتنا ويدمر مستقبلهم ويجعل حياتهم وحياة اسرهم جحيم ،ولذا يجب بذل كل الجهود من أجل علاج هذا الموضوع الهام جدا ، بإعطاء محاضرات لطلاب المدارس الاعدادية والثانوية وللشباب ، للوقاية من استعمال المخدرات ، ولتكون هذه المحاضرات الضوء الذي يضيء لهم الطريق المظلمة ويوعيهم من مخاطرة الشديدة ، ويجب تجنيد أفراد الأسرة وكل من يستطيع أن يؤثر بالعمل الوقائي لزيادة الوعي بعدم استعمال المخدرات والمسكرات العقلية الاخرى كأقراص الهلوسة والكحول ، وتشجيع المشاركة التطوعية لأفراد المجتمع ومؤسساته في مجال مكافحة هذا الوباء الخطير ، ومحاربة هذا الوباء والوقاية منه مسؤولية الجميع وبالذات السلطات المحلية ، بواسطة مكاتب الخدمات الاجتماعية ودوائر الشبيبة في كل سلطه محلية ، والمجتمع ينتظر من مؤسساته من خلال مسؤوليتها الاجتماعية أن تشارك ببرامج اجتماعية تخدم التوعية المستدامة وعدم الاكتفاء بتقديم برامج ذات صفة وقتية ، فخطر المخدرات يهدد جميع شبابنا وعلى الجميع الصحوة والحذر .

ثالثا: موضوع الخلل الكبير في تربية اولادنا ، فنحن كمجتمع تعثرنا وفشلنا في نقل موروثنا الحضاري من عادات وتقاليد وقيم لأولادنا ، وهناك تقصير وإهمال عند الكثير من الاهالي في تربية الابناء ، بل أن الكثير من الاسر تنصلت من مسؤولياتها التربوية ، فحصل فراغ تربوي ان صح التعبير ،ملأته محطات التلفاز الهابطة ومواقع الانترنت وغيرها من وسائل الاتصال التي تبث سمومها لتدمير اجيالنا ، فعلى سبيل المثال نشرت منظمة ويكيليكس ان مئات من رجال المخابرات الغربية يعملون ليل نهار من اجل نشر الرذيلة ومعلومات وفتاوى غير صحيحة للشباب العربي من خلال هذه الوسائل من اجل تدمير اخلاق الشباب وخلق عدم الثقة بين الشاب العربي ودينه وموروثه الاجتماعي ، فأصبحت محطات التلفاز ومواقع الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعية بغياب دور الاهل هي التي تربي اولادنا .
وبسبب هذا الإهمال التربوي عندما يكبر الطفل تكبر معه مشاكله ، وكما قيل: "من حسنت بدايته حسنت نهايته " فالتخلف والجريمة في مجتمعنا لا تحدث من فراغ بل نتيجة الاهمال .
وبما انه هنالك اهمال وخلل في تربيه الاولاد لعائلات كثيرة ، والذي ينتج عنه مشاكل اجتماعيه كثيرة وجرائم تهز اساس المجتمع ، يجب على كل سلطه محليه بواسطة أذرعها الاجتماعية والتربوية المتمثلة في مكاتب الخدمات الاجتماعية والمدارس ورجال التربيه ،أن تأخذ على عاتقها قدر الامكان مهام التربيه للوالدين محدودي المعرفة والثقافة ، وحماية الطفل وتنشئته وتنميته ، وعمل برامج خاصة للأطفال ، ومراقبة أداء الحضانات وتطوير مناهجها التعليمية والتربوية ، حتى نضمن بناء شخصيات أطفالنا بشكل سليم وبعيدا عن الاجواء السلبية التي تسبب الانحراف ، لعلى وعسى ، هذا الشيء يساهم في تغيير المجتمع نحو الافضل ويقلص قدر الامكان حدوث الجرائم.

رابعا: التسرب المبكر للطلاب من مقاعد الدراسة ، فهناك نسبه من الطلاب يتسربون من المدارس في سن صغير دون الاهتمام بهم ، فكثير من ضباط الدوام קצין ביקור סדיר لا يقومون بواجبهم كما يجب ، وقانون التعليم الالزامي غير مطبق بمعظم مدارسنا ، وهناك من المدراء من يريد التخلص من الطلاب الضعفاء فيشجعونهم على التسرب ، فالطالب المتسرب في حالات كثيرة لا يجد اطار تربوي ولا عمل نتيجة صغر سنه ، ولا يجد من يرشده ويوجهه ، فيتسكع في الشوارع ، ويدخن السجائر والارجيله ويصاحب رفاق السوء وينحرف ويتعلم كل انماط الانحراف ، وعندها الطريق قصيرة ليصل الى استعمال المخدرات وارتكاب الجرائم عند الكبر ، وأثبتت ابحاث علم الجريمة ان من هذه الفئة يخرج اخطر المجرمين ، وأن بعض الدراسات حول انحراف الأحداث او حتى من الذين احترفوا السرقات والجرائم الأخرى ووصلوا إلى سن متقدمة ، تؤكد بأن بداية الانحراف كانت نتيجة ابتعادهم عن مقاعد الدراسة وانخراطهم بسوق العمل وهم في سن الطفولة.
أتأمل أن يحتل موضوع التسرب من المدارس الأولوية القصوى لدى المسئولين وأن تكون هناك برامج لتوعية وحماية الأطفال من التسرب من مقاعد الدراسة ،وكذلك برامج لرفع مستوى وعي الاهل حول الأضرار المترتبة على تسرب اولادهم من المدارس.

خامسا:
موضوع علاج خرجي السجون ، هذه الشريحة لا تلقى العناية والاهتمام والعلاج اللازم وهي مهمله ولا يمد لها يد العون والعمل على تأهيلهم وإرجاعهم الى حضن المجتمع ، فتبقى هذه الشريحة في مستنقع الجريمة وناقمة على المجتمع ، ومن هذه الشريحة يخرج تجار المخدرات وتجار الاسلحة غير المرخصة والقتلة. أقترح التنسيق مع دائرة السجون بإدخال رجال دين الى السجناء العرب في السجون لتأهيلهم وإصلاحهم قبل نهاية محكوميتهم ، كما يسمحون بدخول رجال دين يهود الى السجناء اليهود لإصلاح مجرميهم بما يسمى חזרה בתשובה وذلك لتقوية النازع الديني بهم وتعليمهم القيم والمعايير الاجتماعية وتأهيلهم تعليميا داخل السجون قبل رجوعهم الى المجتمع ، وهذا من شأنه تقليص دائرة العنف في داخل المجتمع .وطريقة اصلاح المجرمين على يد رجال الدين منتشرة جدا في امريكا والمانيا لأنهم وجدوا ان تأثير رجل الدين على المنحرف أقوى بكثير من تأثير العامل الاجتماعي والاخصائي النفسي.

سادسا: العائلات المفككة ، على مكاتب الخدمات الاجتماعية الاهتمام بالشكل الكافي بالعائلات المفككة أو محدودة الثقافة التي لا تمتلك القدرة والمعرفة والأسلوب على تربية اولادهم ، ولذا يجب الاهتمام وعلاج مشاكل هذه العائلات ، ووضع اولادهم منذ الصغر في مدارس داخليه والعناية والاهتمام بهم ورعايتهم حق رعاية ، لإبعادهم عن الانحراف والوقوع في الجريمة في المستقبل ، فأبناء العائلات المفككة نتيجة اهمالهم وعدم الاهتمام بهم وعلاجهم عند كبرهم يخرج منهم مدمن المخدرات وتاجر السلاح غير المرخص والقاتل والسارق.

سابعا: القوى العاملة في الحقل الاجتماعي من عمال اجتماعيين في مكاتب الخدمات الاجتماعية ودوائر ارشاد الشبيبة ، عددهم غير كافي لعلاج المشاكل الاجتماعية المزمنة والانحرافات على انواعها ، ولذا يجب المطالبة بزيادة عدد العمال الاجتماعيين ثلاثة أضعاف ما هم عليه الان ، فهناك يأس وإحباط عند العمال الاجتماعيين نتيجة تراكم الحالات الاجتماعية الصعبة وإيجاد الحلول لها ، ولذا يجب زيادة طواقم العمال الاجتماعيين بشكل كبير حتى يستطيعوا علاج المشاكل الاجتماعية المتراكمة ، وبدون ذلك يبقى المجتمع يعيش في دوامة العنف والجريمة.

ثامنا: نتيجة تأزم الاوضاع الاجتماعية وكثرة انتشار العنف والقتل في مجتمعنا ، اقترح استحداث مكتب للإصلاح الاجتماعي في كل بلد على غرار مكاتب الشؤون الاجتماعية من اصحاب الاختصاص يضم محامين وعمال اجتماعيين وخريجي كرسات ادراة الخلافات وحل المشاكل بكل سلطه محليه ، وظيفته حل النزاعات والمشاكل في قرانا ومدننا قبل استفحالها ووقوعها ، لان استحداث وظيفة مكتب للإصلاح من شأنه تقليص المشاكل والحد من المشاجرات والعنف المستشري في مجتمعنا والتي تكلفه ثمنا باهظا.
واخيرا وليس آخرا ، اسمحوا لي أن اقول لكم ، لا نستطيع علاج الجريمة، اذا لم نقم بعلاج القضايا التي ذكرتها علاجا جذريا ، وكذلك اذا لم نصل مباشرة الى الشباب المنحرفين وجها لوجه ونتحدث معهم ونعالجهم ، وإلا سنبقى كم يقول المثل : " نسمع جعجعة ولا نرى طحينا " ، وندور في حلقه فارغه .

* الدكتور صالح نجيدات –محام اختصاص علم جريمة ومدير جمعية "الطابور" للدفاع عن حقوق ألاطفال 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net   

مقالات متعلقة