الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 16:02

إني اتهم/ بقلم :مصطفى عبد الفتاح

مصطفى عبد الفتاح
نُشر: 04/11/18 11:47,  حُتلن: 15:39

أبرز ما جاء في مقال مصطفى عبد الفتاح:

ان الانتخابات "الديمقراطية" عندكم هي صراع على الكرسي، على المنصب، وعلى الزعامة

هل فرض علينا ان نكون قبائل وحمائل وملل وشلل سياسية واجتماعية بغيضة؟ الى متى؟؟ وعلى ماذا؟ ولماذا؟

إني اتهم نفسي لأنني لا اكتب ولا اعمل كفاية عن انتمائنا الإنساني والحضاري والوطني والجمعي لكي نكون ونبقى شعبا واحدا موحدا يطيب لن الانتماء اليه!

مع انقشاع غبار الانتخابات وما واكبها من احداث، ورافقها من شوائب ونوائب وتصرفات همجية غير مبررة، فقد تسنى لي بحكم صلة القربى، ان احضر أحد أفلام الرعب من الغرب المتوحش في قرية جارة، والتي تقوم بها فرق من الرعاع والغوغاء من أبناء القرية، شباب صغار ضائعون تائهون، معبأون، لا يحكمهم رادع ولا ضمير، توجههم اصابع خفية، وقيادات ساقطة، فيقومون بالاعتداء الوحشي، الفظ، والغير مبرر على حرمات أناس امنين، وبيوت محترمة امنة امينه.

كنت في بيت عائلة محترمة متعلمة مثقفة واعية تعرف ما لها وما عليها، صاحب البيت خادم لبلده وشعبه، يعمل بصدق وامانه واستقامة، هاجمهم الرعاع، كان الهجوم عليهم والمس بحرمتهم وكرامتهم ليس لسبب، الا لان اسم العائلة يختلف، وقد يكون الموقف يختلف، وهذا ليس أكيدا، مما استدعي هجوما شرسا ظالما عليهم.

هذا البيت يقع في وسط شارع مغلق من الطرفين تحاصره من طرفيه مجموعة من الرعاع تعدادها بالعشرات ان لم يكن بالمئات، وانا لا ابالغ، فيقومون بالهجوم على المنزل وأهله والاعتداء على الأشخاص والممتلكات دون وازع من ضمير، مخلفين الخراب والدمار والاذى الجسدي والنفسي، فتقول من هنا مرَّ البرابرة، وعندما حضرت الشرطة "واليسام" وبالعشرات، لتقف وسط الشارع دون ان تحرك ساكن، دون ان تعتقل من اساء ومن اعتدى على الحرمات ومن تطاول على الجار والصديق وابن البلد والقريب وغيره دون وازع من ضمير او رادع من قائد، لو كان الحادث يمس امن الدولة لكانت الاعتقالات بالعشرات ولكن... !.
ا

لقصة حقيقية، والواقع في القرى العربية قد يكون أسوأ، في الحقيقة حديثي ليس صدفه، فقلبي على قريتي وعلى أبناء شعبي، واهلي وناسي، اردت ان أعرض عليكم ما يمكن ان تؤول اليه الأمور أيضا في قريتي الامنة "كوكب"، والقصة ما هي الا مقدمة للحديث عما يجري في قريتنا وتحت بصرنا، فانا يا أصدقائي ابن قريتي التي اعتز وافتخر بالانتماء اليها، وعندما سألوني هناك في القرية المجاورة، عن المشاكل عندنا في قريتي اجبتهم ان هذا المشهد لم ولن يحدث عندنا، فسألوني عن السبب فأجبت:
الفرق بيننا، ان الانتخابات "الديمقراطية" عندكم هي صراع على الكرسي، على المنصب، وعلى الزعامة، تعبِّئون الناس وخاصة هذا الشباب المسكين المٌضلَّل بالفكر العائلي الضيِّق، خلال أربعة او خمسة شهور من التعبِئة التي لا تنقطع، وبدل ان تكون رسالة جميلة في حب القرية وتطورها وتقدمها، تتم عملية غسيل ادمغة لكره الاخر "الخصم" ومعاداة الجار "العدو" والانتقام ممن لم يقبل الرأي والضغط على فلان من اجل ان يخضع للفكر العائلي ويعمل لمصلحة القطيع.

عندما تنتهي الانتخابات يكون الميدان جاهزا، والأشخاص معبأين كرهاً وحقداً على من يخالفهم، ومستعدون لخوض غمار "الحرب" حتى للقتل او التدمير او الهدم من اجل اعلاء فكرهم، وحفظ كرامتهم. وهكذا ان فشلوا فسيكون السبب من خالفهم، وليس قصورهم، وان نجحوا سيعاقبون من وقف ضدهم لشعورهم بالقوة، فيبحثون عن الحلقات التي يمكن ان تُضرب دون ان تُعاقب، فلم يبق امام الضحية الا ان تخضع لضغطهم، وسيطرتهم وسطوتهم، وارهابهم الداعشي على اقل تقدير، والرفض يعني، ان يحترق هو او يدمر بيته وربما زوجته وأولاده او يقتل.
قالوا حسنا وماذا عندكم فقلت:

نحن من البداية، وضعنا أسس التعامل وقوانين اللعبة ، من سبق من الرؤساء واقصد تحديدا رئيس المجلس المحلي السابق "احمد الحاج" الذي ارسى قاعدة، منع تلويث الجدران بالملصقات الانتخابية، أيا كانت الجهة المعلِنة، فبدون الملصقات بدت القرية اجمل واقل استفزازاً، وهو من وضع أسس، ان نسمي المعركة الانتخابية، المنافسة لخدمة القرية، وليس معركة من اجل الكرسي او السلطة، هو من وضع أسس، من ينجح في وظيفته من عمال وموظفين سنقول له يعطيك العافية لا ان ندير له ظهورنا، ومن يفشل سنأخذ بيده وسنساعده كي ينجح، لا ان نرميه في الشارع، هكذا نحافظ عليه ونحميه واسرته من الضياع.

لا يوجد عندنا صراع ولا توجد عندنا معارك، عندنا منافسة ليس على السلطة وليس جلوسا على مقعد الرئاسة او الزعامة، بل منافسة على من يخدم الناس ويخدم القرية ويطورها أكثر، وهكذا نحن لا نبني احقاد ولا نزرع عداوات’ من يصل الى كرسي السلطة عليه ان يخدمني ويعمل المستحيل لإرضائي والعمل على خدمتي فانا من اوصلته الى هناك وانا من اجلسه على الكرسي ليقوم بخدمتي.
ومن ينجح عندنا بالمنافسة يقوم باحتضان من يخسر ويتمنى له النجاح لاحقا بل ويدعوه الى العمل المشترك والمساعدة في خدمة البلد وتطورها. من ينجح منهم في مهمته سنشكره وندعمه ونشد على يديه ونعطيه فرصة أخرى، ومن يفشل في أداء مهمته سنقول له يعطيك العافية حاولت، عليك ان تبحث عن مجال اخر تنجح فيه، هات يدك، ونحن أيضا معك.

في قريتنا أيها الاخوة الجيران والأصدقاء حاولنا ان لا نخوض انتخابات رئاسية من منطلق ان من في السلطة قد نجح في أداء مهمته ونجح في أداء رسالته في خدمة قريته وعلينا ان ندعمه لفترة أخرى حتى يستنفذ كل الطاقات الكامنة فيه، وان ينفذ البرامج التي وعد بتقديمها وتنفيذها لمصلحة القرية، وقد خاضت جبهة كوكب نقاشا مستفيضا وجدالا ونقاشا عميقا من اجل الوصول الى صيغة انتخابات تخدم القرية وتبعد عنا الفكر العائلي السياسي الى الابد، لقد زرعنا البذرة الصالحة وغرسنا غرسة جديدة ما زالت خضراء يانعة قبلها الكثير من الأهالي وانا على يقين انها ستنمو وستترعرع ان عاجلا ام اجلا وستعطي أُكلها في حينه وسيشعر الأهالي بعمق الاطمئنان والأمان ، سيشعرون بالديمقراطية تخدمهم ولا تخذلهم ، وسيشعرون بالسلم الأهلي والتآخي العائلي وسيطبقون العيش المشترك والاكل على طبق واحد كما فعل اجدادنا ونحن ننقل رسالتنا الى أبنائنا ، ان صونوا كوكبنا كما تصونون بؤبؤ العين .

ما ان انهيت حديثي امامهم والا قنبلة دخان تلقى امام المنزل محدثة دوياً مرعباً، استدعى تدخل اهل الخير وتدخل الشرطة الخَجِل والمُعيب والذي حسب رأيي المتواضع بإمكانها اجتثاث المشكلة من جذورها في دقائق لو تعاملت معها بكل جدية وصرامة، والقت القبض على المتلبِّسين بالجُرم المشهود، الذين يمارسون الإرهاب النفسي والجسدي والفكري في آن واحد أياً كان مُرسلهم وأياً كانت دوافعهم تحت اعينهم وعلى مرأى ومسمع منهم، ولكنَّها وعلى ما يبدو لهم اجندتهم ولهم دوافعهم الخاصة، "بطيخ يكسر بعضه".
المحصلة النهائية، غوغاء في الشارع العام، يطيحون بكل القيم الإنسانية، يرهبون الناس، ويعتدون على الحرمات، القيادات التي عبأت وجيشت، والتي كانت بالأمس تنادي وتتغنى بالبلد ولُحمةِ أبنائه، وبناء الانسان والمكان، تبخرت واختفت من الساحة كلياً، اهل هؤلاء الصعاليك غير موجودين غائبين كليا لا يعرفون عن أبنائهم شيئا وبالتالي لا يهمهم الامر، وشرطة تُفتِّلُ عضلاتها بالشارع دون ان تُحرِّك ساكناً، او دون ان تحمي المواطن كي ينام ليلته مطمئناً على امنه وامانه في المنزل وخارجه.

عدت الى بيتي وبي حنين الى قريتي، عدت وانا اتقيَّأ حزناً على مجتمعي الذي يرزح تحت سيطرة قيادات جاهلة، وأُسرٌ مُعدمة مُنهارة لا تربي أبنائها ولا توجههم، وبحكم جهلها وممارستها للعنف المستشري في جميع أجزاء المجتمع فإنها رويدا رويدا تسيطر بالقوة والعربدة على مفاصل المجتمع، شئنا ذلك ام ابينا، وهذا سيحدث وقريبا ان لم يكن قد حصل فعلا هنا وهناك، عدت وانا أقول لنفسي، يجب ان نحمي كوكبنا برمش العين، فهي ملاذنا وجوهرتنا التي لا تُقدَّر بثمن، ولكن يا للمفاجئة.
ما ان نزلت من السيَّارة حتى سمعت صوت المُفرقعات امام بيت الجيران، وصراخ طفل وصياح امرأة، حدثني ابني انها المرة الخامسة التي يقومون بفعلتهم المشينة، وبالجرم المشهود، اعتداء فظ وشرس، وغير انساني، وغير مبرر، على بيوت امنة، من جهلة ومتخلفين عقليا سياسيا اجتماعيا واخلاقيا.

لقد ذقت طعم هذا المشهد المقرف المنفر قبل سنوات، في انتخابات سابقة، وظننت انه قد انتهى على الأقل من قريتي، ولكن يبدو لي الان انه مسلسل سافل ليس له اخر، الاعتداء على جاري هو اعتداء عليَّ وعليك وعلينا. الاعتداء على ابن قريتي هو اعتداء على شعبي وعلى سمعته، هل نريد هذا؟ اليوم انا وغدا جاري وبعد غد ابن بلدي وأخي وغيرهم فإلى متى؟ أقول لكم الصدق لقد تقيأتُ سخطاً، لقد كرهت نفسي ومجتمعي في هذه اللحظات، وسألت نفسي هل كُتِب علينا التخلف والجهل؟ هل كُتب علينا هذا الفكر الضيق وهذه الانتماءات الصغيرة الملعونة الى الابد؟، هل فرض علينا ان نكون قبائل وحمائل وملل وشلل سياسية واجتماعية بغيضة؟ الى متى؟؟ وعلى ماذا؟ ولماذا؟ وعليه فاني اتهم:
إني اتهم تقصيرنا الذاتي كمجتمع في التربية البيتية، لا يعقل ان نكون مجتمعا لا يستطيع ضبط أبنائه او توجيههم، كفانا لعباً بالنار.
إني اتهم الاهل في ترك أبنائهم دون موجه ودون ان يكون لهم أدنى معرفة بتصرفاتهم.
إني اتهم الحركات السياسية في مقدمتهم وعلى راسهم الجبهة، والتجمع وباقي الأحزاب بانها لم تقم بدورها الكافي والموجه في تثقيف وتوعية وترشيد وضبط الشارع وتسيسه على الفكر الوطني وحب الناس وثقافة العيش المشترك والمصير الواحد.
إني اتهم رئيس وأعضاء المجلس البلدي وخاصة في هذه الأيام بأنهم لم يقوموا بدورهم الفعلي العملي والمباشر خاصة في هذه الظروف بقطع دابر هذه الظاهرة من الجذور ومنعها، وخاصة ان من يطلقها هو باسمهم ومن مقربيهم.
لا يكفي اعلان ولا يكفي بيان شجب، لان خطاب المرشحين نحو الناخب لم يكن موجها ومنظما للفكر والنهج، بل كان تعبوياً وعدائيا مغلوطا من أساسه، يجب منعهم دون تلكا يجب تغيير الخطاب، مرة والى الابد والا سيحدث عندنا ما حدث لجيراننا في القرى المجاورة وعندها لن ينفع الندم.
إني اتهم المدارس والمؤسسات الثقافية والتربوية التي لا توجه كفاية الى الفكر الجمعي الوطني الشامل، الى حب الخير وحب الاخر والانتماء الوطني والإنساني بدل الانتماء الطائفي والعائلي.
إني اتهم نفسي لأنني لا اكتب ولا اعمل كفاية عن انتمائنا الإنساني والحضاري والوطني والجمعي لكي نكون ونبقى شعبا واحدا موحدا يطيب لن الانتماء اليه!

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   

مقالات متعلقة