الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 20 / أبريل 09:02

بدون مؤاخذة- الانتحار العربي في صفعة القرن/ بقلم: جميل السلحوت

جميل السلحوت
نُشر: 08/10/18 08:06,  حُتلن: 09:51

جميل السلحوت في مقاله:

لا يمكن التّغاضي عن المشروع الأمريكي "الشّرق الأوسط الأوسخ الجديد" الذي أعلنت عنه كونداليزا رايس وزيرة الخارجيّة الأمريكيّة السّابقة عام 2006 من وسط بيروت

 يخطئ من يعتقد أن ما يسمّى "فصعة القرن" الأمريكيّة قد بدأت في عصر الرّئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، لكنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة اختارت الوقت المناسب للاعلان عنها، والذي يتمثّل بالضّعف والهوان العربيّ الذي يتواصل منذ زيارة الرئيس المصري أنور السّادات لاسرائيل عام 1977 وحتّى يومنا هذا، وما تبع ذلك من قبول النّظام العربيّ الرّسميّ المشاركة في مؤتمر مدريد في أكتوبر 1991 ضمن وفود منفردة، ووقوع منظّمة التّحرير الفلسطينيّة في فخّ المفاوضات السّرّيّة التي تمخّضت عن اتّفاقات أوسلو التي أعلن عنها في سبتمبر 1993، تلك الاتّفاقات التي أجهضت عليها اسرائيل وأمريكا من أجل تحقيق المخطط الصهيونيّ التّوسّعيّ، والتّنكّر لحقّ الشّعب الفلسطينيّ في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلّة بعاصمتها القدس الشّريف حسب القانون الدّوليّ وقرارات الشّرعيّة الدّوليّة.

وعند الحديث عن فصعة القرن لا يمكن التّغاضي عن المشروع الأمريكي "الشّرق الأوسط الأوسخ الجديد" الذي أعلنت عنه كونداليزا رايس وزيرة الخارجيّة الأمريكيّة السّابقة عام 2006 من وسط بيروت، أثناء حرب اسرائيل على لبنان عام 2006، والذي مُهّد له باحتلال العراق وتدميره وقتل وتشريد شعبه وهدم دولته في مارس 2003. لكنّ صمود حزب الله اللبناني المدعوم من سوريّا وإيران قد عرقل تنفيذ ذلك المشروع الذي يهدف إلى تقسيم الوطن العربيّ إلى دويلات طائفيّة متناحرة.

ومع ذلك فإنّ أمريكا لم تتخلّ عن مشروعها الجهنّميّ، وقد استطاعت تقسيم السّودان، كما أنّها أشعلت ما يسمّى "بالربيع العربيّ، معتمدة على كنوزها الاستراتيجيّة في المنطقة، التي غذّت وموّلت وسلّحت ودرّبت وخلقت قوى الارهاب المتأسلم كداعش وأخواتها، والتي استطاعت اسقاط نظام القذّافي في ليبيا، ولا تزال تواصل القتل والتّدمير في ذلك البلد العربيّ، كما استطاعت استبدال نظام حسني مبارك في مصر بعد أن استنفذ مهمّاته. لكنّها لم تكتف بذلك في مصر، فواصلت دعمها لقوى الارهاب في مصر خصوصا في صحراء سيناء؛ لإضعاف الدّولة المصريّة وتدمير اقتصادها، كون مصر أكبر دولة عربيّة، وما تمثّله من قلب العروبة النّابض.

وواصلت تنفيذ مشروعها بإشعال نار الاقتتال الدّاخليّ في سوريا منذ العام 2011، واستطاعت تجنيد قوى الارهاب المتأسلم من مختلف دول العالم لتدمير سوريّا وقتل وتشريد شعبها من أجل تقسيمها طائفيّا، تماما مثلما هو التّخطيط لتقسيم العراق أيضا. ومن المحزن أنّ تشارك دول عربيّة في تمويل وتسليح وتدريب قوى الارهاب نيابة عن أمريكا وإسرائيل.

ولم يجانب الرّئيس السّوريّ بشار الأسد الحقيقة عندما صرّح يوم أمس بأنّ ما جرى ويجري في سوريّا لا يمكن فصله عمّا يسمّى "صفقة القرن".

وما حرب ما يسمّى التّحالف العربيّ على المستضعفين في اليمن ببعيدة هي الأخرى عن المشروع الأمريكيّ، ولا عن "فصعة القرن".

وقد نجحت أمريكا واسرائيل في جوانب من مشروعهما لتصفية القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيونيّ التّوسعيّ، وتجلّى ذلك بتطبيع دول عربيّة لعلاقاتها مع اسرائيل، كما استطاعت جرّ دول عربيّة للتّنسيق الأمنيّ مع اسرائيل لمواجهة ما يسمّى "بالخطر الإيرانيّ الشّيعيّ"، في حين لا تزال اسرائيل تحتفظ بالأراضي العربيّة المحتلّة، بل تسابق الزّمن في مصادرة تلك الأراضي واستيطانها؛ لفرض حقائق على الأرض ستمنع الشّعب الفلسطينيّ من حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلّة، وهذا يعني تخلي النظام العربيّ الرّسميّ عن "المبادرة العربيّة". ولا يمكن القفز عن الاعتراف الأمريكي يوم 6 ديسمبر 2017 بالقدس عاصمة لاسرائيل، وتشير كلّ الدّلائل أنّه كان هناك تنسيق مع دول عربيّة وإسلاميّة قبل الاعلان الأمريكي. وسيجّل التّاريخ صمود السّلطة الفلسطينيّة في مواجهة الصّلف الأمريكيّ.

وبما أنّ سوريّا على عتبات الانتهاء من حربها على قوى الارهاب، وانتصار جيشها بمساعدة حلفائها في هذه الحرب، فإنّ ذلك لن يكون انتهاء للأطماع الأمريكيّة والاسرائيليّة في المنطقة، بل ستزداد شراسة، خصوصا وأنّ كنوزها الاستراتيجيّة في المنطقة، يزدادون ولاء لها في سبيل الحفاظ على بقائهم في الحكم، بدلا من ولائهم لشعوبهم ولأوطانهم، ولن يكون ذلك اليوم الذي ستتخلى فيه أمريكا عنهم ببعيد عندما يستنفذون مهمّاتهم، وما جرى لنظام مبارك في مصر ليس بعيدا أيضا كي يتّعظوا منه.

8 أكتوبر 2018 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com 

 

مقالات متعلقة