الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 00:02

اساطير الإنس والجان ... في دولة برهان الزّمان ... بقلم : نمر القدومي / القدس

نمر القدومي
نُشر: 22/09/18 23:28,  حُتلن: 08:26

اساطير الإنس والجان ... في دولة برهان الزّمان ... بقلم : نمر القدومي / القدس
مسرحية اساطير الإنس والجان ... في دولة برهان الزّمان للكاتب الفلسطينيّ الجليليّ "إبراهيم خلايلة
جاؤونا من بقايا الوطن، يلملمون شتات الفراق، يتذوّقون طعم الحنين وينادون بين الأحياء والأموات عن شهادة أو حِجَّة أو برهان يفقأ عيون المُحتلين الغاشمين !! جاؤونا من قرى نبضت وتنبض بالوطنية، وتراب التين والزيتون كسجادة عجميّة، ورائحة حِصن الثّوار ( عكا ) المدينة البحريّة قاهرة الإستعمار وغُزاة الشّرف والضمائر العربية الأصيلة !!
( مجد الكروم ) هي برج العُنف بالكنعانية، ومن حولها قرى البِعنة ودير الأسد ويركا وجولس وشعب البروة. كلّها ثائرة أبتْ الهجران وفراق الأرض، وآثرت طلب الشهادة على الخزي والعار وتسليم البلاد للأعداء الصهاينة. هاجر مَن هاجر واستشهد مَن أستشهد، وأُعدم مَن أُعدم، لكن باقي الهمم العالية ما زالت صامدة...
الكاتب ( إبراهيم خلايلة ) في مسرحيته " راس عروس " المأخوذة عن نص كتابه "أساطير الإنس والجان في دولة برهان الزمان" يعرض على الجمهور، غَيْثٌ من فَيْض، مآسي المهاجرين واللاجئين الفلسطينيين في الأرض بعيدًا عن موطنهم ومسقط رأسهم وذلك الحُلم الذي تبدّد عبر السنين والإنتظار العقيم ؟؟
جاؤونا بإسم "راس عروس" بروحٍ جليليّة عَطِرة تفتح المواجع والآلام وذلك في مسرحية دراميّة هزليّة عميقة المحتوى، بسيطة الهيئة وتُحاكي قلوب مَنْ غابت عن ذهنهم أصل القضية، وتستذكر حُطام السنين والأيام التي عاشها أجدادنا النبلاء بكل بساطة وعفوية. "راس عروس" هو اسم قرية مجازي خيالي من إبداع الكاتب، وهي ترمز الى كل القرى التي أصابها ريح القتل والغدر وتشريد الإنسانية. أمّا أهالي القرية فيبحثون عن منقذٍ يُعيد لهم الكرامة. إنتعلوا الشَّوك وعاشوا قساوة الجوع والبرد وغادروا الحدود وعلى رأسهم الصُّرَّة، يبحثون عن مأوى لِعَلَّ العروبة تستفيق من وهن الثورة وخرطوش بارودة تالفة ؟!
إنها قصة المختار وفرش ريشه كالطاووس وهو زعيم الديوان، الآمر النّاهي صاحب السّلطة والقوّة كملك الزمان. يعيثُ في الأرض فسادًا من فوق فساد، ومَنْ يُعارضه يلقى العذاب والحرمان، او يهرب تاركًا من خلفه الأرض والأهل والوِلدان!
إستخدم (خلايلة) مجازات وصور بليغة في احداث المسرحية، فقد شبّه بذور السمسم التي يفلحها المزارع ليل نهار، فقد شبهها بالرزق كالرُّوح، يَوَدُّ لو أنه ينام بين أحضان أعشابها الذهبيّة. إعتبر الكاتب بأنَّ حبّة السمسم هي أوكسير الحياة لكلِّ فلسطينيّ مُهَجَّر ومنكوب، لكلِّ مَنْ ضاع عن بلده وتقاذفت به ريح الغدر من القريب والغريب !!
وفي الحقيقة، هناك لحظات من المسرحية ينصهر فيها القلب حُزنًا وقهرًا على ما آلت إليه أحوال شعبنا العظيم، وهناك لحظات أخرى تجمّدتْ فيها الدّمعة في المُقلة خجلًا واستحياءً؛ فقد نبتسم في خِضَمِّ الوجع إبتسامة إستنكارية هزليّة ؟؟
ويبقى (برهان) يُحاكي المذياع وهو في خيمة اللجوء، وينتظر ساعة الفرج والإنتصار ودحر المُحتل الغاشم .. لكن شاب الرأس وتحدَّبَ الظَهر وترّهلت الوجوه، وفي رقبته مفتاح بيته في راس عروس لا يغادره ابدًا، وكأنه بذلك يُناشد النخوة العربية المريضة أن تفي بوعودها. وأبى المذياع أن ينطق كلمة الحق وقراءة بيان رقم واحد ؟؟
وتصوّر المسرحية كذلك الوجه الآخر للمُحتل عن طريق (هالة) العاملة الإجتماعية، التي تعرض على (برهان) المساعدة والتعويض بدل الأرض ، وتمسكه من يده الجريحة وتبدأ المفاوضات لتتحدّث عن حياة جديدة مليئة بالملذات هي الأفضل له!!
وتضع حرب الكمامات المصطنعة أوزارها، لتُلهي العباد عن قضية الأجداد، وتدخل الأزمات أوجها، ولا عودة للأصل من بعدها.
أمّا سِرُّ حبات السمسم فهو حقٌّ للمشاهد أن يُعطيها كل المعاني والعِبر حسبما تفيض به مشاعره وافكاره وأحاسيسه. بينما المذياع هو صوت الحق الذي غاب عن الكون جميعه، وظلَّ صامتًا حتى يومنا هذا... وراح الباب وراحت الدار، والمُحتل سيصنع ل(برهان) بابًا جديدًا على حساب العروبة يتناسب والمفتاح !!!!!
بقي الحال على حاله، وأصبحنا كأوراق اللعب يلعبون بنا كيفما يشاؤون ومتى يشاؤون، وعلى أنين أصواتنا يسكرون ويرقصون .. هكذا شبّه لنا الكاتب (خلايلة) في إحدى المشاهد الهزليّة. القليلون جدًا ما زال الأمل يراودهم، بينما الكثيرون اندمجوا وتورطوا دون ان يعلمون؟
المسرحية كانت من الرّوعة بمكان وزمان في الأداء وإيصال الفكرة، ناهيك عن الإضاءة وعن المؤثرات الصوتية والإخراج، فقد تلاءمت جميعها مع موضوع المسرحية.الغموض كان من سماتها حيث لاحظنا أنَّ المحتوى قُدِّم بطريقة غير مباشرة، إلاّ أنَّ المُشاهد الذي عاش مأساة الاحتلال، او قرأ ذلك التاريخ الأسود الذي حلَّ على شعبنا العظيم، يعي كل كلمة وكل حركة وكل صرخة كانت على خشبة المسرح، وعندما يُوَلّي المُشاهد ظهره تاركًا المقاعد، سيكون بالتأكيد حاملًا لجسدٍ ثقيلٍ وروحٍ متشظية وقلبًا مُحطمًا لا محالة !!
الشكر كل الشكر من مدينتكم "القدس" لفرقة مسرح "راس عروس " في أول عرضٍ لها على خشبة المسرح الوطني الفلسطيني الحكواتي والذين حضروا قلبًا وقالبًا مَحبّة في أهلها.
تنحني لكم الهامات تقديرًا على هذا المجهود العظيم الذي يُبقي شرارة الحرية دائمًا مضيئة.
نمر القدومي / القدس

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com

مقالات متعلقة