الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 09:02

أوسلو، أمّا بعد.../ بقلم: طارق طه

طارق طه
نُشر: 13/09/18 18:35,  حُتلن: 11:20

طارق طه في مقاله:

الأمر المصيريّ في هذه الاتفاقيّة كأول اختبار حقيقيّ وضعته اسرائيل أمام تصرّف منظمة التحرير الفلسطينيّة هو بعد ايهامهم بنوع من السيادة على جزء من أرض الوطن

منذ أوسلو حتى يومنا هذا شهدت السّاحة الفلسطينيّة تغييرات جذريّة في المناخ السياسيّ، قد يُفلسف ويبرر البعض ما وراء القصد من اتفاقية اوسلو أو اعتبارها حالةً مرحليّة، لكن في الواقع التبريرات كلها لن تجدي نفعًا

أوسلو في سياقه الاقتصاديّ وأثره الواضح على عمليّة تخدير الشعب الفلسطينيّ، ربما نجحت السّلطة الفلسطينيّة ببناء الهيكلة الاقتصاديّة بعد 1993، ونشّطت الحياة التّجاريّة الاستثماريّة بعض الشيء، لكنّها فشلت فشلًا ذريعًا بفصل مصالح توسيع المستوطنات والاستثمار بقطاعات الاستعمار عن التطوير الهيكلي لبنيويّة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربيّة. 

من حالة الاحتلال الى حالة السلام، فرضت انتاج ظروف جديدة من شأنها أن تحقق هذا الإنتقال، تم الاعلان عن الانتقال من الاحتلال كحالة مؤقتة من حيث التعريف القانوني وحالة دائمة بالفعل على أرض الواقع إلى احتلال كحالة مؤقتة بالفعل على ارض الواقع ومن حيث التعريف القانونيّ، في هذا التكتيك القانوني او في بنود هذه الاتفاقيّة، يصبحان العامل الزمنيّ والمماطلة السياسيّة هما سيّدا الموقف وهما طريقة السّيطرة الدائمة على الواقع تحت الاحتلال ويسعيان إلى أن يستبعدا من بساط البحث اليات وعلاقات السيطرة الثابتة التي تجذّرت تحت قناع الوقتيّة وتوقعات التوصل إلى حل دائم، وهكذا أصبحت "عمليّة السلام" محاكاة لديمومة الوضعية الاحتلاليّة ومحاكاة لإنهاء الاحتلال في نفس الوقت، يسعى الفلسطينيون إلى اثبات ان الاحتلال مستمر وأن ليس للإسرائيليين نية حقيقية لإنهائه، وما زال الإسرائيليين محاولين اثبات ان الإرهاب مستمر وليس لدى الفلسطينيّين أي نية حقيقية لوقفه.

الأمر المصيريّ في هذه الاتفاقيّة كأول اختبار حقيقيّ وضعته اسرائيل أمام تصرّف منظمة التحرير الفلسطينيّة هو بعد ايهامهم بنوع من السيادة على جزء من أرض الوطن، في أيار 1994 بدأ الجيش الاسرائيليّ بالانسحاب من بعض مناطق ومدن الضّفة الغربيّة ما عدا الخليل، وسلّم مساحات متواضعة جدًا والتي حُوّلت كمناطق سيطرة لأجهزة الأمن الفلسطينيّة، أول أثر ايجابيّ ومفرح حقًا لإسرائيل بعد أوسلو، هو انحراف فوّهة البندقيّة الفلسطينيّة وتحويل الصّراع من فلسطينيّ- اسرائيليّ إلى صراع فلسطينيّ- فلسطينيّ، حيث تولّت قوّات الأمن مسؤوليّة الدّفاع عن القيادة الفلسطينيّة وتوفير الحماية لهم من معارضي الاتفاقيّة من الفلسطينيّين، وهذا ان دلّ على شيء فهو يؤشر نحو اجهاض القضيّة الفلسطينيّة وكبت الانتفاضة الشعبيّة، خصوصًا أن أحد المهام المشروطة أو بنود الاتفاق بين الطّرفين كانت مكافحة عمليات المقاومة ضد أهدافٍ اسرائيليّة ومنعها.

هذه العوامل والمتغيرات التي طرأت على منظمة التحرير الفلسطينيّة أو من خلالها، هي بالضرورة مرتبطة بشكلٍ مباشر مع الحالة الاقتصاديّة للفلسطينيين داخل الضّفة الغربيّة، وأحيانًا تحسين ظروف المعيشة الاقتصاديّة ليس بالضرورة مؤشر ايجابيّ لنهضة الشعوب، أستعرض بإيجاز خطورة تطوير الجودة الحياتيّة اقتصاديًا للفلسطينيّ في الضّفة. من ذكاء ودهاء الاحتلال هو عمليّة انتاج طبقة واسعة منتفعة من وجود الاحتلال، فيصبح بالضرورة عمليّة انهاء الاحتلال هي عمليًا القضاء على هذه الشريحة التي اصبحت مصالحها متوافقة مع وجود الاستيطان والاستعمار على ارضه، ثم ينتج حالة اقتتال داخلي فتصبح عمليّة مقاومة المقاومة مستباحة.

منذ أوسلو حتى يومنا هذا شهدت السّاحة الفلسطينيّة تغييرات جذريّة في المناخ السياسيّ، قد يُفلسف ويبرر البعض ما وراء القصد من اتفاقية اوسلو أو اعتبارها حالةً مرحليّة، لكن في الواقع التبريرات كلها لن تجدي نفعًا، أن تبعات أوسلو ضربت وما زالت تضرب الفلسطينيين بشكل يومي صفعات على الرّأس ازاء ما يسبب لهم الاحتلال على مدار السّاعة، حين ما سمحت اسرائيل للضفّة الغربيّة بالتّنظم وإدارة بعضًا من شؤونها الدّاخليّة، كانت هناك مخططات اسرائيليّة واضحة لتحسين الأوضاع الاقتصاديّة للطبقة الارستقراطيّة والبرجوازية الفلسطينيّة، كي يدخل عامل الرأس مال الفلسطينيّ إلى عقر بيوت الفقر والكادحين أبناء الانتفاضة الأولى ويأخذ عنهم بعضًا من ضيقتهم الماديّة ويلزمهم بالانخراط بالتزامات الحياة اليوميّة وأن يتعايش مع الاحتلال وكأنه أمر طبيعيّ.
نظام البنوك الفلسطينيّة التي استثمر فيها رجال أعمال فلسطينيون بعض منهم يحمل أجندات سياسيّة والتي سنلاحظها لاحقًا وبعض منهن رأى في ذلك مصلحة فرديّة تطغى على الهم الجمعيّ، وبعض من الرأس مال الفلسطينيّ خشي الاستثمار في مصارف البنوك الفلسطينيّة خوفًا على أمواله لأنه على يقين أن الضّفة الغربيّة تحمل كم هائل من الانتفاضات التي تُطبخ على نار هادئة والتي قد تقذف نيران براكينها عليهم في أي وقت غير معروف، الإعلانات الحديثة (2005-2018) التي ملئت الضفة الغربيّة، "بدّك سيارة؟!، تعال منعطيك قرض" و" بيتك حاضر خليه علينا"، هذه الاعلانات هي نتيجة عمل دءوب منذ اوسلو 1993، فلم تتردد السلطة الفلسطينيّة بتطوير وبناء منشآت سكنيّة حديثة أحياء ومدن مع كامل شروط الرّاحة والبيوت المثاليّة والتي تُبعد الفلسطينيّ بتفكيره عن الجدار الفاصل وعن حالة الاحتلال التي تحدد حركته، وتعطيه الأمل والحياة فقط داخل جدران الضّفة وتفرض عليه عصبة سوداء على عينيه لا يرى سوى نفسه، فلذلك النظام البنكيّ والسلطة الفلسطينيّة اجتهدا لعرض سلعهم للشارع الفلسطينيّ وإغرائهم في ملذات هذا العصر الحديث، الرفاه، ومستوى المعيشة في الحيّز الخاص.
كيف يؤثر ذلك؟ وهنا قد تلتقي بعض النقاط المشتركة بين الفلسطينيّ في الضّفة الغربية والفلسطينيّ داخل دولة اسرائيل، اذا التزم الفلسطينيّ في الضّفة الغربيّة للبنك ورهن حياته لهذا النظام الرّأس المالي، كيف له أن يفكر خارج هذا المربع وبحق، من غير قصد يصبح اداة انتاج لهذه الماكينة الرّأس ماليّة، فيتحوّل الجمعيّ إلى فردانيّ، الانتفاضة إلى سِلم، والتسليم في الأمر الواقع والتعايش مع الاحتلال هو النهج.

06/09/2018

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net   

مقالات متعلقة