الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 23 / أبريل 15:01

وفاءً لذكرى رحيل القائد شفيق خوريِّة.. رَجُل وطنه الكرامة/ بقلم: مارون سامي عَزّام

مارون سامي عَزّام
نُشر: 05/09/18 18:29,  حُتلن: 13:15

مَارون سَامي عَزّام في مقاله:

ميزتان ميّزتا شخصية الراحل شفيق خوريِّة، الأولى حبّه للسّير على الأقدام، بخطواتٍ ثابتة والميزة الثّانية والأبرز، كانت نبرة صوته الجهوريّة والثوريّة، والتي باتت علامة فارقة في حياته السيّاسيّة والاجتماعيَّة... 

رجل من أمثال أبي الوليد، كان وطنه الكرامة، لم يستطِع أن يضَع أغراض نضاله في حقيبة الخيانة السّوداء، ليغدُر به، رفض المساومة على مفاهيمه، رفض المتاجرة بأيديولوجيّته الفكريّة

يتسرّب الماضي بين ثقوب الأحداث، بعد أن نخرتها ظّروف الزّمن لا شعوريًّا، لكنَّ أثره يبقى شديدًا جدًّا... ينعكس على حاضرنا بحلوه ومُرِّه، هكذا سيبقى أثر ذكرى القائد الرّاحل شفيق خوريِّة، أبي الوليد قويًّا، حاضرًا في كافّة المناسبات العامّة، من خلال فرك ذهننا لفانوس الذّكريات السّحري، فتَخرج منه حالاً هذه الشّخصيّة القيادية الكبيرة بهيبتها، البسيطة بحياتها اليوميّة.

رحلت قامة وطنية، مشهود لها بالمواقف الرجوليّة، لعبت دورًا كبيرًا في بلورة تاريخ شفاعمرو، وحمايته من أعوان السُّلطة، الذين أرادوا كسر إرادة أبي وليد، ولكنهم فشِلوا في ذلك، لأنه بقي درعًا بشريًّا واقيًا أمامهم، لم يستطيعوا ثَنيها... قاوم مؤامراتهم، بشراسة، من خلال نشاطاته السياسية الشّعبيّة العديدة، لم يهَب أبدًا سطوة السُّلطات العسكرية حينها.
أبى أبو الوليد الخضوع لإملاءات المؤسّسة الحاكمة الظّالمة، ليس فقط على الصّعيد الحزبي العام، بل أيضًا على الصعيد السياسي البلَدي، الذي أغناه بثباته على مبادئه التي لم يحِد عنها، منذ نصف قرنٍ وأكثر، من خلال عضويَّته في بلدية شفاعمرو... ومن خلال خطاباته النّاريّة، المعروفة للذين عاصروه، التي أحرقت كلماته الملتهبة المخطّطات الطّائفيّة والأهداف التخريبيّة الدّفينة لعملاء الأجهزة الأمنية.

لقد نشأ الرّاحل في عائلة كريمة أصيلة، من سكّان شفاعمرو الأصليين... أنشأ أسرةً، علّمها أسمى المعاني الإنسانيّة، والقيَم الاجتماعيّة والأخلاقيّة التي شكّلت شُعلة شخصيّة لكل فردٍ في أسرته المتواضعة، تعَلّموا من والدهم معنى التّضحيّة في سبيل العطاء السّياسي المحلي، كما تشرّبوا منه مبادئ الحزب الشيوعي، وما زالوا يسيرون على هذا النّهج الحقيقي إلى يومنا هذا، شجّعهم على العِلم، كي يبنوا لهُم مستقبلاً آمنًا ليس فقط ماديًّا وحسب، بل ليحافظ على رِفعتهم بين النّاس وعزّة نفسهم في المجتمع.

لقد بقي مُخلِصًا لمبادئه الحزبية، ولم يتخلَّ عنها، رغم الأزمات التي مرَّ بها الحزب الشيوعي، من منطلق إيمانه، بأن فَجْر التفاؤل السّاطع بالوحدة، سيُنير لجميع الرّفاق درب الوفاق والاتفاق، ليستعيد مكانته الحقيقيّة التي تزعزعت على مرِّ السّنين، كما بقي مُخلِصًا لمجتمعه العربي عامّةً والشفاعمري خاصّةً، متمسِّكًا بعلاقاته الاجتماعية مع الجميع، وبالأخص مع رفيق طفولته في الحي والمدرسة، العم الرّاحل، الأستاذ شفيق صبري عزّام، كزميلٍ له في سِلك التّعليم، وقد تابع أبو الوليد السيرة التعليميّة لأبي زاهر عن كثب، لشدّة حبِّه له.
قدَّر عاليًا أبو الوليد عائلتنا، وحافظ على علاقته مع الّراحل شفيق عزّام، طيلة سبعين عامًا، لحين وفاته المفاجأة في تشرين أوّل من عام 2009، هذا الحدث اعتبره مصابًا شخصيًّا، أحزنه كثيرًا، لأنّه شَعَر باليُتم الاجتماعي، بعد رحيل صديق عمره، الرّاحل شفيق عزّام... لكن أبو الوليد ظلّ يتردّد إلى منزلنا، ليطمئنّ على والدي الرّاحل سامي عزّام، ليُسلّيه، فكنتُ أستمتع بحديثه الشَّيِّق والرّزين.

ميزتان ميّزتا شخصية الراحل شفيق خوريِّة، الأولى حبّه للسّير على الأقدام، بخطواتٍ ثابتة، رغم كِبَر سنِّه، كأن لسان حاله يقول للأرض: "لا تنسَي، أنا أيضًا كافحتُ من أجلكِ"، وكلّما التقيتُ به صدفةً، كنت أوصله بسيّارتي إلى منزله، فشعرتُ أن الذي يجلس بجانبي، رجلٌ عشِقَ الوفاء لأهل بلده... الميزة الثّانية والأبرز، كانت نبرة صوته الجهوريّة والثوريّة، والتي باتت علامة فارقة في حياته السيّاسيّة والاجتماعيَّة...
... وكان لي معه طُرفة جميلة، ففي أحد أيّام الثلاثاء من صيف 1996، نَشَرَت لي صحيفة الاتحاد العريقة مقالاً تحت عنوان، "العرب وسلام نتنياهو العُذري"، وفي نفس اليوم صدَرَ لي مقالاً عشقيًّا في صحيفة الصنّارة، حينها كانت تصدُر أيضًا في نفس اليوم، وكان تحت عنوان، "في لهيب الصيف"... جئتُ كعادتي في هذا اليوم تحديدًا، لزيارته في متجر عائلة خوريِّة التاريخي، الواقع في باب الحواصل، فاجأني دويّ صوته، وهو يُرعِد في أذُني قائلاً لي ممازحًا: "يا مارون بنفعِش هيك، يا حُب يا سياسة"، هذه الطُّرفة أعجبت جميع من سمعها، وتدُل على روح الدّعابة النّابعة من صميم واقعه السياسي، ونبرة صوته حينها زلزلت أركان المتجر، وما زال صداها يَقرعُ في أرجاء ذاكرتي إلى هذا اليوم.

رجل من أمثال أبي الوليد، كان وطنه الكرامة، لم يستطِع أن يضَع أغراض نضاله في حقيبة الخيانة السّوداء، ليغدُر به، رفض المساومة على مفاهيمه، رفض المتاجرة بأيديولوجيّته الفكريّة، رغم كل ما تعرّض له من مضايقات سلطويّة، بل بقي سائرًا في طريقه المشرِّف للنّهاية، ولكن، رغم ضعف نظره في أواخر حياته، لكنّه بقي محافظًا على بُعد نظَر سياسي، لم يستطِع أن يراهُ الآخرون... كما تَمتّع برؤيا مستقبليّة واضحة، وستظل أحاديثه وأفكاره، حديث الجيل الجديد من السياسيين، وأمانة محفوظة في أرشيف رجالات شفاعمرو.

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net     

مقالات متعلقة