الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 00:02

وداع العمر/ بقلم: يوسف حمدان

يوسف حمدان
نُشر: 27/08/18 09:22,  حُتلن: 08:10

كان الوقتُ غروباً
ودموع سماءٍ تذْرِفُ دافئةً
وأنا كنتُ المِنديلْ..
هل ترحلُ يا ولدي؟
هل تتركني الآنَ
وما ظلَّ من العمرِ قليلْ؟
هل تبصرُ عيني وجهَك ثانيةً
والعمر قصيرٌ والليلُ طويلْ؟
سأعودُ إلى حِضنك يا أماهُ
فلا تُؤْكَل أقراصُ الزعترِ
إلا إن كانت من صُنع يديكْ
ولأن حياتي ليست أبديَّهْ
سأظلُّ أهيمُ على وجهي
بحثاً عن شيءٍ يُدعى الحُرّيهْ
سأعودُ إليك..
حين أرى ظهرَ قَبيلَتِنا يتعافى
ويعودُ الرشدُ إلى رأس قبيلتِهم
سأعودُ أليك..
تمضي أعوامٌ
في أثَرِ الأعوامْ..
جاءت زائرةٌ من بلدي
وتلاقينا في المهجرْ..
جاءت حاملةً من يد أمي
أقراصَ الزعترْ..
يقْتلُني الحزنُ لأن قبيلتَنا
لم تتغيرْ..
زعماء قبيلتنا
فقدوا حِسَّ الخَجَلِ
لم يبق بجُعبَتهِم شيءٌ
غير الدَجَلِ
يقتلُني الشوقُ
لأن زيارةَ أمي قد تتأخرْ.
***
دارت بي أصنافُ الأيامِ
وألوانُ الأيامْ..
ماتت أحلامٌ
وانبعثت أحلامْ..
عاينتُ تضاريسَ
البلدانِ الأخرى
ومشيتُ بكل زحامْ..
شاهدتُ بناءً يعلو
وبناءً صار حُطامْ..
آخيتُ قبائلَ أُخرى
صادقتُ وصارعتُ البحرَ الهادئَ
والبحرَ المجنونْ..
في الليل أغمِّضُ عيني
فأرى أمي تخبزُ أشهى خبزٍ
في الطابونْ
وأرى أمي تقطفُ زيتوناً
وتدُقُّ الزيتونْ
في الليل أنامُ ويغفو الدمعُ
على جفن العينْ..
ذات نهارٍ
حملتني الريحُ إلى بلدي
جئتُ أرى وجهِكِ يا أمي..
فوقفتُ أمام القبرِ طويلاً
أسألُ أسئلةً تتزاحمُ في القلبِ
وتوقظ قُرَّةَ عيني
هل تُبصرُني؟
هل تسمَعُني؟
لك حُبي ودعائي يا أمي
حين تَحدثنا بالهاتفِ
قُلتِ لأهلِ البيتِ: رَأيْتُه..
حينَ دُعيتِ إلى الهاتفِ
قُلتِ لأختي:
هاتي قِنّينَةَ عِطْري!
لم أعلمْ حين تحدثنا..
وكأنك أنت حدَستِ..
بأن لقاءَ الهاتفِ
سوف يكون وداعَ العُمرِ..
سأظَلُّ أرى وجهَك يا أمي
ببصيرةِ قلبي..
سيظل شَذاكِ
هواءً في صَدري.
***
كم أشتاقُ إلى تقبيل يديْها
كم أشتاق إليها وهي تُعانِقُني
وأعانِقُها ..
لم تتدفأ من قبلُ
على نارِ عِناقي
كم أشتاقُ إلى وقفة حُبٍّ
بين يديْها
وأُعبِّرُ عن حبي الباقي
وأراها تتقبلُ أعذاري..
كم أشتاقُ إلى يدها
تمتد إلى قلبي
كي تطفئَ بعضاً من ناري..
أذهبُ للدارِ
لكي أتلَمَّسَ أثارَكِ يا أمي
كنتِ تخافين عَليَّ صغيراً
حين تسلقتُ إلى أعلى السرْوَهْ
كانت باسقةً لا تُخفيها
أشجارُ البياراتِ، ولو بَعُدتْ،
كانت عَلَماً مرتفعاَ، كانت
بوصلةَ العودةِ من أسفاري..
آه من السروة يا أمي
حتى السروةُ صارت
بفضاءِ الذِكرى فَجْوهْ
لم يبقَ من السروةِ
شيءٌ للتذكارِ..
يغفو الدمعُ على جفنِ العينْ
وأنامُ حزيناً وسعيداً في داري.

نيويورك

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net 


مقالات متعلقة