الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 10:02

الصيام والاكراه والذوق العام/ بقلم: د. منصور عباس

د. منصور عباس
نُشر: 30/05/18 17:44,  حُتلن: 16:44

د. منصور عباس في مقاله:

نرى ان ملايين الصائمين وغير الصائمين، المتدينين وغير المتدينين، يتقاسمون الحيز العام وحتى البيت الواحد، ويحترمون خيارات بعضهم البعض، الا في حالات شاذة وقليلة

لا اعلم كم حالة اعتقال لغير الصائمين تمت على خلفية الافطار في رمضان في واقعنا الفلسطيني مثلا، ولكن اذا وجدت حالة واحد العام الماضي في السلطة الفلسطينية، فهذا ليس دليلا ان ثلاثة ملايين فلسطيني يصومون في الضفة الغربية

المساجد تمتلئ يوم الجمعة، ولكن من يبقون خارج المساجد بلا صلاة هم أيضا كثيرون. ومع هذا لم نسمع ان حشود مصلي الجمعة خرجوا يزحفون على اللا مصلين

نحتاج الى قليل من الواقعية والعلمية في رصد الظواهر الاجتماعية، حتى لا نقع في التعميم والتشويه

لا اقبل كصائم او متدين ان استجدي تعاطفا او مراعاة لخصوصيتي، فكذلك لا اقبل ان يستجدي غير الصائم او غير المتدين تعاطفا ومراعاة لخصوصيته 

فريضة الصيام في رمضان وقاعدة "لا اكراه في الدين" من نفس مشكاة الشريعة، يُكلَّف بها من قَبِل على نفسه الدخول في جملة المخاطَبين بصفة الايمان، قد يفعلها المؤمن طاعة، وقد لا يفعلها معصية لله. لكن من واجب المخاطَب المكلف بهاتين الفريضتين، ان يستجيب للنداء الأول فيصوم، ومن واجبه ايضا ان يحمي حق غير المكلفين بداعي النداء الثاني "لا اكراه في الدين"، حتى كان على يقين وقناعة أن سلوكهم هو خطيئة، فالله تعالى لم يكلف الانبياء الا بالدعوة والبلاغ في قوله تعالى "إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب".

في الواقع نرى ان ملايين الصائمين وغير الصائمين، المتدينين وغير المتدينين، يتقاسمون الحيز العام وحتى البيت الواحد، ويحترمون خيارات بعضهم البعض، الا في حالات شاذة وقليلة، ممن يتعمدون استفزاز بعضهم البعض.

لا اعلم كم حالة اعتقال لغير الصائمين تمت على خلفية الافطار في رمضان في واقعنا الفلسطيني مثلا، ولكن اذا وجدت حالة واحد العام الماضي في السلطة الفلسطينية، فهذا ليس دليلا ان ثلاثة ملايين فلسطيني يصومون في الضفة الغربية، وانما هو دليل ان مئات الالاف من غيّر الصائمين يفطرون ولا يتعرض لآحادهم احد. المساجد تمتلئ يوم الجمعة، ولكن من يبقون خارج المساجد بلا صلاة هم أيضا كثيرون. ومع هذا لم نسمع ان حشود مصلي الجمعة خرجوا يزحفون على اللا مصلين. لذلك نحتاج الى قليل من الواقعية والعلمية في رصد الظواهر الاجتماعية، حتى لا نقع في التعميم والتشويه.

أما مسألة مراعاة المشاعر والعواطف أو احترام ظروف واوضاع الناس، سواء للصائمين أو لغيرهم فهذه متروكة لتقدير الافراد بأنفسهم، ولطبيعة العلاقات الاجتماعية والانسانية وللذوق العام، وهذا يختلف من بيئة لأخرى ومن زمن لآخر .
قديما تعارفنا أنه اذا توفي قريب او جار او صديق، كنا لا نشاهد التلفاز اياما معدودات ، واليوم ما زلنا لا نشوي اللحم مثلا لفترة بعد الوفاة، مراعاة لمشاعر اهل الفقيد .

كنت الطالب المسلم الوحيد في الصف العاشر ، وخرجت في رحلة مدرسة وانا صائم، ووجدت نفسي أشوي اللحم طواعية وبرغبة مني لأبناء صفي. لم ينتبه احد اني صائم، الا عندما طلب مني مربي الصف ان اجلس لاكل مع زملائي، فاضطررت للاعتراف أني صائم، فأحتضنني المربي بعاطفة، وما زال يحدث منذ ثلاثين سنة عن هذا الموقف .
لقد تعلمت كثيرا من هذه التجربة، تعلمت العطاء والتضحية والصبر والجلادة، لقد عبرت عن معنى الصداقة والزمالة والمحبة، فاكتسبت محبة وتقدير زملائي وأساتذتي، تعلمت قيمة الا احرج احدا بصيامي او بفِطري.

لذلك عندما اتحدث عن الذوق العام، لا أقصد بالضرورة الذوق باتجاه واحد وانما باتجاهين، من المفطر للصائم ومن الصائم للمفطر.
وكما لا اقبل كصائم او متدين ان استجدي تعاطفا او مراعاة لخصوصيتي، فكذلك لا اقبل ان يستجدي غير الصائم او غير المتدين تعاطفا ومراعاة لخصوصيته ، ولكني أرضى أن نستقبل الناس بقيمة الاحترام والود والمراعاة دون إكراه ولا إحراج، تمتينا للعلاقات الانسانية وحفظ تماسك نسيجنا الاجتماعي والوطني.

ولنترك اعزائي الامر لخيارات الافراد وذوقهم دون اكراه ولا احراج ولا استفزاز.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 

 

مقالات متعلقة