الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 14:02

حمارة ابوي الشهيد.../ بقلم: زاهر عامر

كل العرب
نُشر: 23/10/17 11:19,  حُتلن: 14:21

القصة من وحي احياء الذكرى ال 61 لشهداء كفر قاسم

بالرغم من مرور اكثر من ستين عاما مازلت اذكر تفاصيل ذلك اليوم المشؤوم ..اذكرعند الفجر ع صياح ديوك الحارة قبل اخوتي كالعادة اصحيت ...رفعت الفرشة على الصندرة فوق فرشة الحج والحجة امي اللي صبحت صوتها خلف البيت في الطابون ابتستدعيلنا .. وابوي بدماية الشغل عند عتبة البيت جاهز امصلي وبمسبحته قاعد جنب البابور بهلل وفيده الثانيه كاسة شاي فيها قصفة مرامية ريحته بتفحفح وعقدته مصرورة جنبه ع الارض فيها ملفوف رغيف البركة ..الاول من خبيز اليوم وعدة بيضات مسلوقة من دجاجاتنا ف الحوش وحبتين بندورة من الجونة اللي ع الرفة وراس بصل من محصول السنة اللي ما زال منشور ف الشمسية وشوية زيتون دق مع قرص جبنه مالح صلب مثل الحجر اشترينا تنكة من الحجة ام عمر جوزها المسكينة فقع فيه لغم فشغل المحجر اول البلد ومن بعده عايشة هي واولادها ومستورة من ورا البقرة وكرم تين صغير بجانب واد عمران ..الكل بهتف باسمها مرة رزينة ومدبرة وشاطرة وصارت مثل ف البلد..
"فش ازلم من ام عمر".
اتأفأف ابي....ووقف بعصبية وضرب كف ع وكف وقال :
عمره ما بتغير هالزلمة..
قصده عن جارنا ابو علي ابو البغلة العرجة ..معاه ع حمارتنا كل يوم بنزلو ع شغل الحراثة في بيارات البصة عند اليهودي حزكل.. ومبين اتأخر عليه كعادته..
طلبت منه وترجيته اغيب عن المدرسة ومرافقته للشغل .. صرت ف الصف الثاني ..، اليوم بعرف اقرأ عربي وحافظ اكثر من ٢٠سورة من القران وكثير شاطر وبحب الحساب ... ازهقت المدرسة وضليت بس لحالي من الحارة.. كلهم دشروها وصارو مثل الزلام بسوقو الحمير وبركبوها وبشتغلو مع اهلهم في المراعي وزراعة البندورة فالسهل بطلعو ع السلالم امكيفين يقطفو البرتقال في البيارات ....
مسح ايده ع راسي قبلني وحضني وقال:
اصبر يا ابني ليش مستعجل ع هموم الدنيا.. خليك لما عودك يقوى..ساعد امك وتنساش اتصلي مع اخوتك..واهم اشي تطلعوش من الحارة..
ولما اروح بتساعدني فغسل الحمارة..
وبوعدك رح اخليك تصير اجدع حراث ف البلد ..و تستلم مكاني والكل يقول فرخ البط عوام.
اتفاجأنا في هذا اليوم لملمتنا امي من الحارة .. وفرشنا فراش النوم بدري. وهي ضلت ع الشباك واقفة ع غير عادتها وكل ما اقرب عليها استفسر تنهرني بعصبية : خليك قاعد عند اخوتك..
وفي نهاية المطاف راحت عليّ غفوة مع كل علامات استفهامي .
اصحيت في الليل على صوت فتح باب الغرفة بقوة منه اندفعت امي تصرخ وتمزق ثيابها وتشد شعرها ووراها دخلن نسوان الحارة ارتمت ع وجهها بين اخوتي الصغار..تبكي بقهقة غريبة وحالة من الهستيرية سيطرت عليها.. وكل محاولات تهدئتها عبثا...
هربت ووقفت جانب الباب احاول استوعب . ..هل انا في حلم ام حقيقة..
رشت عليها ام احمد ميه ومسحت وجهها وقالت :
استهدي بالله يا ام حمزة .. الغائب حجته معاه..
وام فتحي ضافت.. الصباح رباح يا اختي ان الله مع الصابرين.. بكرا الصبح بطلع وبرجعلك جوزك..
وكملت الحجة صفية وقالت: بكرا ع الصبحية ابنطلع ع المختار اكيد بعرف شو صار..،
خرجت من بيتنا الحجري اتحسس اصوات جمهرة شباب في زقوقنا وقفت عن كثب استرق اطراف الاحاديث... وانا اشعر بسيلان دموعي على ثنايا خدودي مع فقدان كامل لكل احاسيس..
الشباب في حالة استنفار وخوف ويحاولو تجميع معلومات عن حقيقة ما يحدث عند مدخل البلدة ..الكل اجمع على سماع اصوات عيارات نارية بكثافة وقصة ابو علي ابو البغله العرجة دعمت مخاوفهم .. مر عنهم بوجه اصفر يرتجف وبحالة يرثى لها من كلامه المتقطع فهمو انه هرب من رصاص الجنود ومن المسا انبلع في بيته واقفل على نفسه ولم يخرج...
خرجت قبل قليل ام علي وبكل حماقة وبدون مقدمات ولا تمهيدات صعقت امي بخبر استشهاد ابي ... .
بدون تفكير وبخطى مثقلة وبوجه ثلجي توجهت مباشرة الى شباك دار ابو علي .. رفعت يدي ودقيت عليه بكل عزم وقوة الامر اللي لفت انتباه الشباب وفضولهم .. بعد لحظات فتح الشباك وظهر وجه ابو علي الشاحب وعيونه حمرا تمتم كلام غير مفهوم .. قاطعته وبسذاجة طفولية سألته :
ابو علي ..........وين حمارة ابوي؟!

كفرقاسم

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net


مقالات متعلقة