الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 20 / أبريل 04:02

رحيل الأسد ومعركة المنصّات الجديدة - بقلم: سميرة المسالمة

كل العرب
نُشر: 03/09/17 22:31,  حُتلن: 22:35

 أبرز ما جاء في المقال:
بقاء الأسد أو رحيله ليس بالاتفاق بين المنصّات، هو بيد القوى الدولية والإقليمية الفاعلة

تحولت الهيئة العليا للمفاوضات ذاتها إلى مجرد منصة، وهي التي كانت تضم أكثر الهيئات والكيانات المعارضة

تختصر المعارضة السورية معركتها السياسية ـ التفاوضية بين "المنصات"، التي اجتمعت في الرياض أخيرا (21 أغسطس/ آب)، في بند رحيل الأسد، والخلاف حول إعلان ذلك، وتصدير هذه المعركة إلى السوريين عبر الإعلام، كأن كل ما أرادته في قيادتها المعارضة قد تحقق، أو أنجز، باستثناء هذه "الجزئية"، أي المتعلقة برحيل الأسد أو بقائه، في وقت تتسارع فيه الدول الراعية للمنصات ذاتها إلى التقليل من أهمية هذا البند الذي تراه الهيئة العليا للمفاوضات جوهر العملية التفاوضية، بينما تراه "منصة" موسكو شرطا مسبقاً مرفوضاً، وتراه "منصة" القاهرة تفصيلاً يمكن التعاطي معه بدبلوماسية تتيح التوافق، وتحول دون ازدياد الشرخ في معارضةٍ لم يلتئم شملها بعد.


وعلى الرغم من الإعلان عن حجم المشتركات بين "المنصّات"، إلا أن ما يثير الاهتمام أن هذه المشتركات هي نفسها مع النظام، بدءاً من التوافق على سورية الواحدة الموحدة إلى الحفاظ على مؤسسات الدولة، ما يعني أن الأصل في الاجتماع هو التوافق على المختلف عليه بينهم، والذي تم اختصاره، أولاً، بمصير الأسد، وثانياً، بالدستور الذي يحكم المرحلة الانتقالية، مع أهمية الأول، الأمر الذي تحوّل إلى همروجة إعلامية شعبوية، هدفها إثارة الرأي العام، وتحويل أنظاره عما هو أهم وأعمق في العملية التفاوضية، وما سبقها وسياقاتها ومآلاتها.

يس المهم اليوم مناقشة ما يمكن أن يطرحه اجتماعٌ لم يذهب إليه المجتمعون بناء على رغبة ذاتية تقتضيها لمصلحة الوطنية، أو "لتكتيكات" تفاوضية آنية، أو جزئية، وإنما تنفيذاً لإملاءاتٍ دولية، لوّحت لهم بها القرارات الدولية، وتم تجاهلها نحو عامين متتاليين، تحت شعاراتٍ تمسّكت بها الهيئة العليا للمفاوضات من دون أن تعي عواقبها، فهي التي رفضت بداية عقد مثل هذه الاجتماعات، ثم أعلنت على الملأ أن المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، غير مخول بدعوة وفود إلى التفاوض مع النظام "إلاها". وبعد ذلك، رضخت لهذا الأمر، بعد أن كانت قد رضخت لفتح مسار تفاوضي جديد هو مسار أستانة.


هكذا قام المبعوث الأممي بدعوة منصتي القاهرة وموسكو، وغيرهما، إلى جولات التفاوض، في حين برّرت الهيئة ذلك باعتبار الأمر مجرد مشاورات، وبسبب الإصرار على عدم قراءة قرار مجلس الأمن 2254 الذي صدر نهاية 2015 والذي ينصّ صراحةً على شراكة هذه المنصات، ومن يراها المبعوث الأممي أيضاً. وفي المحصلة، تحولت الهيئة العليا للمفاوضات ذاتها إلى مجرد منصة، وهي التي كانت تضم أكثر الهيئات والكيانات المعارضة، سواء المشكّلة خارج الأراضي السورية، كالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وممثلين عن فصائل عسكرية تعمل من داخل و"خارج" الأراضي السورية، وممثلين عن معارضة الداخل مثل هيئة التنسيق الوطنية، ومجموعة من المستقلين، وجميع المدعوين من هيئات أو أفراد كانت دعوتهم اسمية، ولاعتبارات الدول المقرّرة، أي أنها ليست نتاج انتخابات شعبية، أو لاعتبارات تمثيلية، ما يسقط فكرة تمثيل الشعب، ليضع مكانها تمثيل الكيانات والدول الداعمة فقط.


وبالعودة إلى القرار 2254 الذي يعد أحد أهم المرجعيات التفاوضية للمعارضة، وبعيدا عن القراءات العاطفية والرغبوية للمعارضة، فإنه يتضمن نصاً واضحاً على: "جمع أوسع طيف ممكن من المعارضة التي يختارها السوريون، والتي ستقرر ممثليها للتفاوض وتضع مواقفها التفاوضية بما يمكّن من إطلاق العملية السياسية، وإذ يأخذ علماً بالاجتماعات التي جرت في موسكو والقاهرة وغيرها من المبادرات، بغاية الوصول إلى هذا الهدف، وإذ يلحظ خصيصاً الفائدة الناجمة عن الاجتماع الذي جرى في الرياض في الفترة بين 9-11 كانون الأول/ديسمبر 2015، التي تسهم نتائجها في التحضير للمفاوضات تحت إشراف الأمم المتحدة حول التسوية السياسية للصراع، طبقاً لبيان جنيف وبياني فيينا".


فوفقاً لهذه الفقرة، وهي العاشرة في القرار 2254، فإن المسؤولية اليوم تتجلّى في التفطّن لإعادة قراءة هذا النص، بمسؤولية وطنية، وبواقعية، ومن دون مكابرة، قبل أن يصار إلى التعامل معها من جديد دولياً، في ظل المتغيرات على الأرض وفي ساحة المعارك. ويأتي ضمن هذه القراءة ملاحظة وجود قوة أخرى، غير متمثلة بعد، وسيُصار إلى فرضها لاحقا، وهي القوة الكردية، المتمثلة في قوات سورية الديمقراطية، التي تحظى بدعم أميركي مطلق، ليكون التعامل مع هذا الأمر وفقاً للأجندة السورية، وليس وفقاً للتوظيفات الخارجية، ووفقاً للتوافقات والمشتركات المتبادلة، بدلاً من تجاهل هذا الأمر ثم قبوله أمرا واقعا، كما حصل مع المنصات الأخرى. أيضا، هذه التطورات الحاصلة تطرح تساؤلاتٍ عن ماهية التسويات اللازمة مع كل من التحالف الجديد الإيراني والروسي والتركي، والذي يحقق مصالح متبادلة بين كل الأطراف، ويحفظ الأمن القومي التركي، من دون أن يتراخى بما يتعلق بحقوق الكرد في الدولة السورية الجديدة، وهذه، بعيداً عن الولاءات الحالية، هي مهمة وطنية، تدخل ضمن جهود العمل السياسي الذي يجب أن تضطلع به كيانات المعارضة بإرادة ذاتية، هدفها تحصيل حقوق كل السوريين ضمن المشروع الوطني البديل للنظام الاستبدادي القائم.

التعامل من منطلق فهم موازين القوى من دون التفريط بجوهر المطالب الشعبية في الحرية والكرامة وحق المواطنة، والتعاطي مع القرارات الدولية من منطق الواقع القائم، وليس القراءات السطحية، يدفع إلى القول فعلياً: إننا مازلنا أمام بابٍ مفتوح لشراكات تتجاوز المنصتين، كما ينص القرار في الفقرة العاشرة منه، بما يتعلق بدور الوسيط وصلاحياته التي يجب دراستها ورسم خطة تعامل واقعية معها، وتوظيفها في خدمة أهداف الثورة التي قامت من أجل إقامة الديمقراطية وإحقاق حقوق المواطنة لكل السوريين، أفراداً وقوميات. ومن دون ذلك، تتزايد جولات العملية التفاوضية من دون قطاف سوري لثمارها.

بقاء الأسد أو رحيله ليس بالاتفاق بين المنصّات، لأن هذا الأمر، وفقا لموازين القوى والمعطيات الراهنة، هو بيد القوى الدولية والإقليمية الفاعلة، خصوصا أن هذا الأمر لا يحل بمجرد تصريحات أو بيانات، ولكن بالعمل الذي مازالت خططه توضع لمصلحة أجنداتٍ غير سورية، وتغيب عنها المصلحة السورية الحقيقية للمعارضين والموالين بإنهاء الاستبداد، نظاما وشخوصاً.

مقالات متعلقة