الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 18:02

عن العنصرية، بصراحة ! / بقلم: بكر عواودة - كفركنّا

كل العرب
نُشر: 30/08/17 15:51,  حُتلن: 18:29

بكر عواودة في مقاله: 

رفض تعيين المدير إيال عيسمي، ابن دالية الكرمل، كمدير لثانوية كفرقرع فقط لكونه من خارج البلدة هو أمر في غاية الخطورة

لم تتأخر الاستنكارات من مثقفين وسياسيين وناشطين على المستوى القطري والمحلي، الذين استنكروا وأدانوا التوجهات العنصرية بطرق وبمستويات مختلفة

تختلف صور العنصرية وأشكالها، ولكن في مكنونها هي رفض وإقصاء الآخر المختلف. وفي الحقيقة مجتمعنا مصاب بهذه الافة بأشكال متفاوته دون استثناءات 

أنا أقرأ نص البيان البائس الذي يشدد على خصوصية الرحم القرعاوي،" لأننا على ثقة أن الأرحام القرعاوية لم تعجز أن تلد أصحاب كفاءات تدير المدرسة" كما ورد في بيان اللجنة الشعبية

لست خبيرا في مميزات الأرحام وعلاقتها بالكفاءات! ولكني على علم كبير بكيفية عمل اللجان الشعبية في قرانا العربية والدرزية التي تجيد وتتفنن وتتقن العمل "الوحدوي" اذا كان صاحب الشأن أو العنوان من خارج البلد بما فيها مؤسسات الدولة

ظاهرة " ابن البلد " منتشرة في مجتمعنا وواجب علينا التحذير منها ومحاربتها وفيما يلي بعض الامثلة من بعض القرى العربية بمن فيها الدرزية والتي خرجت ضد تعيين من أسمتهم " غرباء"، أو ضد أشخاص "غرباء" أقاموا مصالح تجارية أو اشتروا أراض في قرى أخرى 

الاغلبية الصامتة محليا وقُطريا هي المفتاح للتضييق على هذه الافة . فصمتها يقوي الاصوات التحريضية ويقوي النزعات المحلية والطائفية.

رفض تعيين المدير إيال عيسمي، ابن دالية الكرمل، كمدير لثانوية كفرقرع فقط لكونه من خارج البلدة، وما رافقه من لغط عنصري طائفي، مصور ومكتوب على صفحات الفيسبوك من بعض الشخصيات الدينية وغير الدينية، هو أمر في غاية الخطورة لعدة اسباب: أولا لأنه مؤشر لتردي مجتمعنا نحو الحضيض، وثانيا لكون هذا الحادث قَمَعَ الأصوات العقلانية من أبناء كفر قرع التي رفضت هذا التوجه ، واختزل كفرقرع المتنوعة والمتنورة بصوت عنصري بغيض طغى على كل الاصوات الأخرى. وثالثا بكونه أيضا صادَرَ القرار المهني من السلطة المحلية، وممن أرادوا التعامل مع هذا الموضوع بمهنية محضة، بعيدا عن النعرات الطائفية المقيتة والعائلية، أو الربح الإنتخابي. ورابعا في كون الحدث أصبح عاما أضر بمصالح المجتمع العربي عامة والذي يعاني من سياسيات فرق تسد، ومن سياسات التقسيم الموجه وساهم من حيث لا يدري في إضعاف الحصانة الاجتماعية لمجتمعنا. كل هذا يستدعى منا مسؤولية ومراجعة كبيرة ووقفة لفهم واقعنا الاجتماعي والسياسي كعرب على جميع مكوناتنا الدينية والثقافية والاجتماعية ويستدعى جرأة في تسمية الأمور بأسمائها الحقيقية من دون رتوش.

لم تتأخر الاستنكارات من مثقفين وسياسيين وناشطين على المستوى القطري والمحلي، الذين استنكروا وأدانوا التوجهات العنصرية بطرق وبمستويات مختلفة. وفي المقابل كانت ردود الفعل في أوساط الناشطين والسياسيين أبناء القرى الدرزية متباينة بين مستنكر غاضب ومعاتب، وبين من رفضوا التعميم، وبين من وجد في هذا الحادث غنيمة ليقوي نفوذه السياسي داخل أوساط الطائفة الدرزية. وتميزت الكتابات بأغلبها بكونها ترى بالأمر عملا غير أخلاقي يرافقه الاستهجان، فكيف اذا يُسمون غرباء بين أبناء شعبهم، وطبعا، مبدئيا هم محقون في هذا الاحساس ولا نقاش في ذلك.

تختلف صور العنصرية وأشكالها، ولكن في مكنونها هي رفض وإقصاء الآخر المختلف. وفي الحقيقة مجتمعنا مصاب بهذه الافة بأشكال متفاوته دون استثناءات وأحيانا تأخذ هذه المستويات من العنصرية شرعية ما خلال تبريرها وأحيانا اخرى من خلال تجاهلها.

ولنبدأ بالانتماءات المحلياتية الجغرافية (الجهوية)، لدينا في مجتمعنا حالة بدائية من انتماءات جغرافية مكانية، نتعامل من خلالها باستعلاء على جيراننا أبناء القرى المجاورة فهذا كناوي وهذا يركاوي وهذا سخنيني وهذا نصراوي، الخ... ويعتقد الاهالي بوجود صفات جماعية تنفرد بها بلداتهم عن سواها من البلدات الاخرى، وغالبا ما نسمع شعور الاحتقار والسخرية ممزوجا بنكته أو بممازحة اتجاه أبناء قرية اخرى مجاورة، هذه الأمور تؤخذ وتُنمى كأنها مسلمات وتبنى عليها قصص وأساطير ومن ثم هويات تَميُّز، وفي حقيقتها ليست سوى أحاسيس عنصرية استعلائية تغذي ال" نحن" اتجاه آخر شبيهنا في كل شيء نصنعه بأيدينا ومن ذاتنا لنحتقره. هذه الانتماءات تأتي على حساب الانتماء الوطني العام الذي يرى بأفراده متساوين ويرى بالوطن وحدة واحدة .
وبالرغم من أن أغلب القرى العربية بما فيها الدرزية متشرذمة سياسيا واجتماعيا. عائلاتها تتطاحن فيما بينها، ناهيك عن العنف والاعتداءات على الملك العام من قبل بعض المارقين في كل بلدة، إلّا أن في جميعها لجملة "ابن البلد أولى" وقع سحري حيث تبدو شرعية تماما في حيزنا القبلي المحلي، فتجد آذان صاغية. ومن المؤسف أن يتناسى هؤلاء العنصرين المحرضين على إختلاف انتماءاتهم طوابير سياراتهم الخارجة صباحا من بلداتهم ليعملوا خارج قراهم.

تحت قبة ابن البلد ومن نفس المنظور تتربع قبة "ابن العيلة" وهو إنتماء قبلي عشائري بدائي يستطيع من خلاله أزعر عطال بطال ابن حمولة كبيرة التفوق على أي شاب كُفء ومثقف ابن عائلة صغيرة والأمثلة كثيرة على امتداد قرانا. وبين هذا وذاك، تشمخ قِباب الانتماءات الطائفية الدينية. ففي بعض الأماكن تجد الموظفين على لون ونسق واحد للأسف. وفي أماكن اخرى بعض الوظائف صبغت بألوان طائفية دينية يتوارثها فقط من يتبعون لطائفة معينة. وفي القرى التي فيها أقليات دينية تتعرض هذه الأقليات إلى الإقصاء اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، ويكونون عرضة للابتزاز السياسي والاجتماعي والاقتصادي تماما كما هو الحال مع العائلات الصغيرة في البلدات التي تتناحر بها الحمائل الكبيرة على السلطة والنفوذ. وهنا لا استثني أحدا فحتى أبناؤنا من المهجرين الذين يسكنون القرى العربية منذ سبعين عام يُنعتون بالغرباء احيانا، وعندما يَحتدم النقاش العائلي أو الطائفي في قراهم خاصة في الانتخابات يتم تذكيرهم بأنهم ضيوف وعليهم التصرف حسب برتوكول الضيف.

وعودة إلى كفرقرع حيث اجتمع أعضاء لجنتها الشعبية لينتصروا الى ابن الرحم القرعاوي الذي لم يفز في العطاء. ووقفوا أبطالا متناسين خلافاتهم الداخلية السياسية والعائلية والشخصية ضد "الغريب" . وأنا أقرأ نص البيان البائس الذي يشدد على خصوصية الرحم القرعاوي،" لأننا على ثقة أن الأرحام القرعاوية لم تعجز أن تلد أصحاب كفاءات تدير المدرسة" كما ورد في بيان اللجنة الشعبية. خطر ببالي كيف اختارت مدينة لندن العاصمة رئيسا من أصل باكستاني!!

لست خبيرا في مميزات الأرحام وعلاقتها بالكفاءات! ولكني على علم كبير بكيفية عمل اللجان الشعبية في قرانا العربية والدرزية التي تجيد وتتفنن وتتقن العمل "الوحدوي" اذا كان صاحب الشأن أو العنوان من خارج البلد بما فيها مؤسسات الدولة، ولكنها تصمت وتختفي إذا قام ابن البلد بسرقتها ونهبها أو انتهاك الملك العام فيها أو حتى بيع المخدرات. اما بخصوص الخدمة العسكرية فهو موضوع قابل للنقاش بأريحية اكثر وتوجد من حوله تفاهمات واسعة وعريضة بين كافة شرائح وأطياف المجتمع ولا يميز على اساس الدين والطائفة او المكان ،علما ان عددا لا بأس به من العرب المسلمين منخرط بالخدمة المدنية والعسكرية ، وحبذا لو كان هو العنوان الرئيسي للرفض، لكونه موضوع سياسي وقيّمي وخاصة في وظيفة حساسة مثل التربية والتعليم. ولكن للأسف لم ار هذا البند في بيان اللجنة الشعبية ورأيته لاحقا في تعليقات مختلفة لناشطين. وهنا تكمن خطورة الخطاب الطائفي المجيش في انه يطغى على الاصوات الاخرى المبدئية ويخرسها وتصبح ثانوية تبريرية.


من الطبيعي أن يتجاوب ويتعاطف الكثيرين من أبناء القرى الدرزية خلف التفسير الطائفي لرفض توظيف المدير ايال العيسمي. وأتفهم جيدا غضب الأخوة الدروز من هذا التصرف ومن حقهم أن يشعروا بالظلم والقهر جراء هذا الامر.

بعض المعلقين في القرى العربية بمن فيها الدرزية من سياسيين وناشطين استنكروا العمل وكأنهم يقولون هذه ليست من شِيمنا، ومنهم من اعتبر الحادث زلة وكأن هذا الحادث خارج المألوف مع العلم أن موضوع الغرباء حدث مرارا وتكرارا في الكثير من القرى العربية بما فيها الدرزية التي رفضت " غرباء". وربما تأتي هذه الحادثة لتقرع جدران الخزان، بأن ظاهرة "ابن البلد اولى" تعزز الانتماءات المحلية وتضر بالانتماء الوطني العام. اخشى ان يأتي يوم وعلى نفس المنوال ان يقال عندما تدعونا لجنة المتابعة للإضراب بسبب حدث معين في احدى القرى العربية ان يقال اهل تلك البلد أولى بالإضراب!!

ظاهرة ابن البلد
ظاهرة " ابن البلد " منتشرة في مجتمعنا وواجب علينا التحذير منها ومحاربتها وفيما يلي بعض الامثلة من بعض القرى العربية بمن فيها الدرزية والتي خرجت ضد تعيين من أسمتهم " غرباء"، أو ضد أشخاص "غرباء" أقاموا مصالح تجارية أو اشتروا أراض في قرى أخرى .

النقب:
قبل عدة سنوات أقدم أولياء امور مدرسة العزازمة في قرية وادي النعم في النقب، على الإضراب وتغييب طلاب المدرسة عن مقاعد الدراسة على خلفية رفض لجنة الآباء تعيين مديرة للمدرسة من خارج القرية .
جسر الزرقاء:
في سنة 2009 وُقِعت عرائض في جسر الزرقة ضد تعيين مديرة من جارتهم الفريديس في المدرسة الابتدائية، وتم تعليق الدراسة في المدرسة. عندما سئل أحد منظمي الاعتراضات، قال: " أبناء البلد احق" ولكنه نفسه كان يعمل في أحد المجالس خارج قريته.
عين ماهل :
في سنة 2010 رفض مجلس عين ماهل تعيين مديرة من الناصرة بحجة أن هذه الوظيفة لأبناء البلد. وتطور الامر إلى عنف حيث تم مهاجمة المديرة من قبل الأهالي وطلاب المدرسة وتدخلت قوات الشرطة لحماية المديرة المعينة وأصيب عدة اشخاص .
عرب الهيب
خلال سنة 2017 تم تعليق يافطة كبيرة على مدخل القرية تشير الى ان قسائم العمار عرب الهيب ليست للغرباء.
دبورية:
وفي شهر 8 سنة 2015 تم تعيين مدير مدرسة من قرية من اكسال في دبورية، مما اثار موجة عارمة من البيانات والجدل السياسي وإضرابات في المدرسة وتوتر وتدخلت الشرطة لفرض الأمان .

في جميع الحالات أعلاه كان المديرون مسلمين، والرافضون مسلمين مثلهم وعلى ملتهم وذريعتهم العنصرية هي " ابن البلد أولى ". وأمّا في القرى العربية الدرزية الشقيقة فالأمر ليس مختلفا أو بعيدا عن الواقع أعلاه وفيما يلي سأستعرض بعض الأحداث التي وقعت في القرى الدرزية على النحو العنصري الذي حدث في القرى العربية.

عسفيا:
في سنة 2014 قامت مجموعة عسفاوية بتوزيع مناشير في البلدة ضد المصالح التجارية، التي يديرها من أسمتهم بالغرباء، وتهديدهم بترك البلدة لأهلها، وتم لاحقا إطلاق عيارات نارية ليلا على المصالح التجارية. وتم اغلاق مصالح لمواطنين عرب من خارج عسفيا.

دالية الكرمل :
في أيلول 2014 قام أهالي حارة الجنود المسرحين في دالية الكرمل بالخروج بمسيرة، يطالبون من خلالها الحق في العيش في بيئة نظيفة خالية من الغرباء على جميع أنواعهم دون تفضيل.
وفي شهر 9 سنة 2015 في أعقاب فوز "غرباء" من خارج القرية بقسائم في حارة دالية الشابة ،قامت مجموعة من قبل أهالي الحارة بتصعيد النضال بمسيرة وبتعليق لافتة عند مدخل الحارة كتب عليها:
"حارة دالية الشابة، لسكان وشباب الدالية فقط. ونحن نقول لا للغرباء".

المغار:
وفي آب 2017 اجتمع العشرات من وجهاء المغار الدروز مطالبين بإلقاء الحرمان الديني والاجتماعي، على من يبيع أرضه لمسلمين ولأشخاص من خارج البلدة .

يجب التنوية ان في جميع الحالات لدى الجميع هي ليست فعل جماعي يمثل كل اهل البلدة بل هي مبادرات فردية لمجموعات صغيرة تطغى بأصواتها النشاز على الاصوات العقلانية وصمت الاكثرية يعطيها صبغة شرعية .

ومن ثم تجد هذه الاصوات الطريق الى الاعلام والانتشار لكونها غريبة وخطيرة وتزيدها ردود الفعل انتشارا. فما كان الاعلام سينشر او يتناقل خبر مثل مباركة من الشيخ فلان لايال عيسمي ولكنها تناقلت خبر رفضه وتحريضه. وعلى نفس المنوال ما كان الاعلام سينشر خبر يافطة ترحب بالضيوف في حارة دالية الشابة ولكنه نشر خبر "لا مكان للغرباء " ردود الفعل لا تقل عنصرية وقبحا وتتضمن الشتم والردح مما يزيد من البغضة والسلبية ويوزيد من انتشار أي حدث ويصب في مصلحة المحرضين. ولا أغفل أن البعض يحاول الاصطياد في المياه العكرة من خلال الاستفادة من الواقعة من خلال تدعيم زعامتهم ووطنيتهم المحلية او الطائفية كحماة للكرامة . مع العلم ان لا كرامة في الفعل العنصري ولا في رد الفعل العنصري.

الاغلبية الصامتة محليا وقُطريا هي المفتاح للتضييق على هذه الافة . فصمتها يقوي الاصوات التحريضية ويقوي النزعات المحلية والطائفية. ولا شك لدي ان تقهقر العمل الحزبي الوطني داخل قرانا وتحول الاحزاب الوطنية الى لاعب تنظيري قُطري ترك فراغا خطيرا داخل المجتمع ادى الى بروز مجموعات تقود المجتمع بحسب رؤى ومنطلقات غير مقبولة ولكنها تأخذ شرعيتها من خلال صمت الاغلبية.

صوت المسؤولية ينادينا ويقول جميعنا في قارب واحد ونعاني من تمييز وتضييق، علينا جميعا تقع مسؤولية ايجاد حلول، وأول الخطوات الاعتراف بوجود هذه الظواهر بمستويات مختلفة في مجتمعنا، والتوقف عن انكارها. ومن ثم فتح نقاش بنّاء وجريء على مستوى القيادات المجتمعية داخل مجتمعنا.

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة