الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 18 / أبريل 18:01

ما هي الأهداف التي يخفيها التعديل الاخير لقانون التنظيم والبناء؟/المحامي قيس ناصر

كل العرب
نُشر: 10/04/17 13:37,  حُتلن: 15:38

المحامي قيس يوسف ناصر في مقاله :

يرمي القانون الاخير في نظري إلى عدة اهداف غير دستوية وهي مستترة بين السطور

الخطاب الذي يروّجه مبتكرو هذا القانون وكأنه لا يوجد "تطبيق" كافٍ لقانون التنظيم والبناء في البلدات العربية هو ادعاء غير صحيح على الاطلاق

القانون يهدف قبل كل شيء الى منع رقابة قضائية ناجعة على قرارات الهدم وهذا يتجلى مبدأيا بالحد من صلاحية المحكمة تجميد أمر هدم وتحديد المدة القصوى للتجميد

مبتكرو القانون يعتبرون المحاكم التي تجمّد اوامر الهدم والتي ترأف باصحاب البيوت حجر عثرة امام مشروع "تطبيق القانون" والهدم في البلدات العربية

الهدف الثاني الذي يتوخاه القانون هو شل قدرة المواطنين العرب الاقتصادية على الدفاع عن بيوتهم غير المرخصة وجعل كل من ينوي أن يبني بيتا جديدا ان يفكر مليا في ذلك

سيحول القانون ايضا شريحة كبيرة واوسع من المجتمع العربي الى مجرمين في نظر القانون

لست ادعو في مقالتي هذه الى البناء دون رخصة او أشجعه، ولكن حق كل انسان في الدفاع عن نفسه وعن بيته امام المحكمة اذا تورط في مخالفة من هذا النوع

حينما سُئِلت متصرفة لواء المركز في وزارة الداخلية، مؤخرا، علام لم تهدم البيوت غير المرخصة في قرية دهمش حتى اصبحت هذه البيوت مع الزمن قرية قائمة، أجابت: "المحاكم هي المشكلة"! معللة قولها بان اصحاب البيوت نجحوا تجميد الهدم بعد توجهم للمحاكم! كان هذا التصريح للسيدة روت يوسف متصرفة لواء المركز في جلسة عقدتها لجنة الداخلية في الكنيست يوم 7.3.17 بخصوص قرية دهمش غير المعترف بها والمهددة بالهدم وقد تلتها فورا بعد ذلك جلسة صاخبة اخرى حول اقتراح تعديل قانون التنظيم والبناء وما يعرف لدى الجمهور "بقانون كمينيتس" الذي صادقت عليها الكنيست الاسبوع الماضي، ليكون المجتمع العربي على موعد مع فترة قاسية من محاولات هدم البيوت وتجريم المواطنين العرب بتهمة "البناء غير المرخص" وتحميلهم أقسى العقوبات كالغرامات المادية العالية وحتى السجن في ملفات معينة وهي كثيرة!

يرمي القانون الاخير في نظري إلى عدة اهداف غير دستوية وهي مستترة بين السطور، ولكن قبل ان اسرد قسطا منها، اود ان اؤكد بداية أنّ الخطاب الذي يروّجه مبتكرو هذا القانون وكأنه لا يوجد "تطبيق" كافٍ لقانون التنظيم والبناء في البلدات العربية هو ادعاء غير صحيح على الاطلاق. هناك مئات المباني والبيوت السكنية التي هدمت في العقد الاخير في البلدات العربية بحجة البناء غير المرخص وآلاف المواطنين العرب قدموا للمحاكمة بملفات جنائية وغرموا بغرامات مادية كبيرة جدا بتهمة "البناء غير المرخص"، بل ان جزءا كبيرا منهم سجنوا لعدة اشهر. عدا عن ذلك في مسحٍ مهنيّ أجريته مؤخرا تبين ان المواطنين العرب دفعوا نحو 70 مليون شاقل للجان التنظيم والبناء كغرامات مادية عما يسمى "البناء غير المرخص" وذلك في الخمس سنوات الاخيرة فقط!!! ولكن يبدو ان هذا "التطبيق" الكبير والقاسي لقانون التنظيم والبناء لا يرتقي في نظر مبتكري القانون الى الحد المنشود، ليأتي القانون الاخير ويشد الوثاق أكثر على المواطنين العرب الذين لا يبتغون من وراء البناء سوى مسكنٍ لعوائلهم وهو حق انساني طبيعي يعد من اسس الحياة.

اما فيما يخص اهداف القانون المستترة، فأراه يهدف قبل كل شيء الى منع رقابة قضائية ناجعة على قرارات الهدم وهذا يتجلى مبدأيا بالحد من صلاحية المحكمة تجميد أمر هدم وتحديد المدة القصوى للتجميد، وبالتالي الحد الى درجة كبيرة من قدرة المواطن على التوجه للمحاكم ضد السلطة التنفيذية واذرعها، ولتصبح قرارات الهدم واجراءات لجان التنظيم والبناء منزهة عن أي رقابة ومسائلة قضائية! هذا لان مبتكري القانون يعتبرون المحاكم التي تجمّد اوامر الهدم والتي ترأف باصحاب البيوت حجر عثرة امام مشروع "تطبيق القانون" والهدم في البلدات العربية. في نظرهم "المحاكم هي المشكلة"! وفي نظري ان تقليص صلاحيات المحاكم بل وتحويلها من جهة قضائية تفصل في النزاع القضائي بين المواطن والدولة إلى آلة وأداة تستعملها الدولة في مشروع الهدم والتجريم، هو إخلال خطير في موازين اي نظام ديموقراطي مبنيّ على استقلالية المحاكم وعلى احترام حق المواطن في التوجه للقضاء، والحفاظ على القضاء كجهة محايدة منفصلة عن باقي السلطات لا كأداة بيد سلطة اخرى او خادما لها كما يهدف القانون الاخير.

الهدف الثاني الذي يتوخاه القانون هو شل قدرة المواطنين العرب الاقتصادية على الدفاع عن بيوتهم غير المرخصة وجعل كل من ينوي أن يبني بيتا جديدا ان يفكر مليا في ذلك لان الكلفة المادية التي سيتكبدها من اجل الدفاع عن البيت ومنع هدمه ان كان غير مرخصٍ ستكون عالية ومنهكة وتفوق كلفة البيت نفسه أضعافا مضاعفة. ويقوي هذا القانون من التوجه الذي تغذيه الدولة منذ سنوات طويلة في تحويل مخالفات التنظيم والبناء إلى أمرٍ غير مجدٍ اقتصاديا لاصاحاب البيوت وذلك عند إلزامهم بغرامات مادية عالية وبنفقات الهدم والتي تبلغ مئات آلاف الشواقل في حال هدمت الدولة المبنى، وكل هذا يضاف الى كلفة المحامين والخبراء الذين قد يحتاجهم اصحاب البيوت في معركة الحفاظ على البيت. ومع ان الغرامات التي تفرضها المحاكم حاليا عالية جدا، يطرح القانون الجديد غرامة مادية يومية وسبلا ادارية جديدة للتعامل مع المباني غير المرخصة على نحو سيحول مهمة الدفاع عن البيوت غير المرخصة لدى الكثير من المواطنين العرب من المعوزين الى مهمة شاقة ومضنية. واذا ما اخذنا في الحسبان ان نصف المجتمع العربي في البلاد تقريبا هو تحت خط الفقر يبدو لي ان القانون الاخير يهدف ايضا إلى إفقار المجتمع العربي اكثر فاكثر ليعجز عن مواجة سياسات الدولة في سائر مجالات الحياة وليس مجال الارض والمسكن فحسب.

سيحول القانون ايضا شريحة كبيرة واوسع من المجتمع العربي الى مجرمين في نظر القانون. ذلك ان القانون يزيد العقوبات الجنائية على مخالفات البناء غير المرخص واستعمال المباني غير المرخصة ولا يعطي المواطن المتورط في هذه التهم فرصة حقيقية لترخيص المبنى حسب القانون، بل هو كما ذكرت يمنع المحاكم من تجميد اوامر الهدم اكثر من عام وعليه بعد انقضاء هذا العام يصبح صاحب البيت اذا لم يهدم بيته او لم يحصل على رخصة البناء متورطا في مخالفة تحقير المحكمة وعقوبة هذه المخالفة غرامة مادية عالية وسجن. واذا ما اخذنا في الحسبان ان نسبة كبيرة من البلدات العربية لم تنه حتى اليوم المخططات التفصيلية المطلوبة التي تمكن المواطنين العرب من ترخيص بيوتهم فان احتمال استمرار تقديم اصحاب البيوت للمحاكمة الجنائية عن مخالفات التنظيم والبناء هو احتمال كبير جدا. وهذه الملفات الجنائية عدا عن كونها تجرّم المواطنين هي في الوقت ذاته مصدر ماديّ كبيرٌ للجان التنظيم والبناء وذلك جراء الغرامات المادية الكبيرة التي تحوّل لها في هذه الملفات. أرى تجريم المزيد من المواطنين العرب بمخالفات التنظيم والبناء يعزز الطرح الحكومي السائد في تصوير المواطنين العرب وكأنهم مجرمون بل "مجرمون بالفطرة" وذلك دون تفهم ضائقة السكن الخانقة التي اضطرت اغلب المواطنين العرب للبناء دون رخصة لا لنزعة لديهم او هواية بل لحاجتهم الانسانية الطبيعية للسكن.

لست ادعو في مقالتي هذه الى البناء دون رخصة او أشجعه، ولكن حق كل انسان في الدفاع عن نفسه وعن بيته امام المحكمة اذا تورط في مخالفة من هذا النوع. للقاتل والسارق حق في الدفاع القضائي فكم بالحري من بنى على ارضه الخاصة مسكنا للعيش بكرامة وسلام. القانون الاخير يرسل الدولة وهي المتهم الاول في انعدام مسطحات البناء في البلدات العربية حرة طليقة دون عقاب وينزل أقسى العقوبات الادراية على من بنى مكرها بيتا دون رخصة، ليخلو القانون بهذا من شرعية إنسانية ومن ثوابت دستورية تميّز المجتمعات الديوقراطية في العالم.
علينا الا نترك هذا القانون يدخل حيز التنفيذ دون مسائلة قضائية امام محكمة العدل العليا وامام المحافل الدولية المختصة والعمل شعبيا وقضائيا وإعلاميا على تدويل ما يعانيه المواطنون العرب في مجال الارض والمسكن.

* محام مختص في قضايا الأرض والتخطيط وباحث للقب الدكتوراة في القانون.

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة