الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 02:01

الواجبات البيتية للتلاميذ بين السلب والإيجاب/ بقلم: جميلة شحادة

كل العرب
نُشر: 26/03/17 17:00,  حُتلن: 16:42

جميلة شحادة في مقالها:

ما أن تتواجد في جلسةٍ تضم أهالٍ لطلاب في مراحل تعليمية مختلفة، حتى تُثار قضية الواجبات البيتية مع الكثير من التذمر والتطرق الى إرهاق الطالب وذويه بسبب كثرتها

تعتمد فكرة معظم المربين في إعطائهم الواجبات البيتية لتلاميذهم بالأساس، على مبدأ تطبيق ما تعلمه التلميذ في المدرسة حتى يثبُت في الذهن

كانت هناك حاجة لدى الباحثين لتقصي مدى فائدة إعطاء الواجبات البيتية للتلاميذ ومدى فاعلية استخدامها في تنمية الاتجاه نحو التعلم الذاتي

من ينادي بأن تتبع المدارس العربية في اسرائيل الأسلوب الذي تنتهجه فنلندا في مدارسها، فليحضر فنلندا الى هنا، ليحضر ظروفها البيئية والمجتمعية والاقتصادية والسياسية، وعندها لا حاجة للواجبات البيتية

الواجبات البيتية هي قضية تربوية مثيرة للجدل، فهناك الكثير من الأصوات، تتعالى في السنوات الأخيرة وتنادي بإلغاء الواجبات البيتية للتلاميذ، وبالذات أصوات أهالٍ ومختصين بعلم النفس التربوي وغيرهم. فما أن تتواجد في جلسةٍ تضم أهالٍ لطلاب في مراحل تعليمية مختلفة، حتى تُثار قضية الواجبات البيتية مع الكثير من التذمر والتطرق الى إرهاق الطالب وذويه بسبب كثرتها واستنفاذ القدر الكبير من وقتهم لأدائها. أما بعض التربويين والمختصين بعلم النفس، فقد راحوا ينشرون نتائج الأبحاث التي بحثتْ مدى أهمية الواجبات البيتية وجدْواها للطالب، ويدعمون هذه النتائج باستنادهم على الكثير من النظريات التربوية والنفسية.

ليس هذا فحسب، بل لقد وجد هؤلاء، المنادون بإلغاء الواجبات البيتية، آذانا صاغية من قبل وسائل الإعلام المختلفة، فراحتْ هي الأخرى تثير هذا الموضوع من خلال نشرها لتحقيقات ومقابلات صحفية، وعرضها لأفلام فيديو وغير ذلك. فقبل شهرٍ تقريبا كان هناك تقريرا للقناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي بهذا الصدد، وقد عُرضت فيه آراء أهالٍ، ومربين ومديري مدارس ومختصين تربويين أبدوا آراءهم حيال الموضوع، وقد توزعت هذه الآراء ما بين مؤيد ومعارض. أما في شبكات التواصل الإجتماعي، الفيس بوك وغيره، فقد تداول العديدون نشر فيلم قصير يتحدث عن التعليم في فنلندا، ومن بين ما جاء فيه، هو أن لا واجبات بيتية تُعطى للتلاميذ في المدارس الفنلندية.

تعتمد فكرة معظم المربين في إعطائهم الواجبات البيتية لتلاميذهم بالأساس، على مبدأ تطبيق ما تعلمه التلميذ في المدرسة حتى يثبُت في الذهن، علاوة على أن التلميذ يتعلم إدارة فترة معينة من وقته في البيت بعيداً عن المعلم، كما أنَّ الواجبات البيتية تُعتبر شكلاً من أشكال التعلم الذاتي والتي يمكن أن تؤتي ثمارها إِنْ أُحسن استغلالها، زد على ذلك، فإن أهم أهداف الواجبات البيتية هو أنها تضع تحديات معينة أمام التلميذ لا تتوفر له في حصة التدريس داخل الصف، والتي قد تتطلب تصميماً مبتكراً ووقتا وأنماطاً معينة من التنفيذ.


وعلى ضوء هذه الفكرة، (التي أعتمدها معظم المربين في إعطائهم الواجبات البيتية لتلاميذهم)، كانت هناك حاجة لدى الباحثين لتقصي مدى فائدة إعطاء الواجبات البيتية للتلاميذ ومدى فاعلية استخدامها في تنمية الاتجاه نحو التعلم الذاتي، بالإضافة الى فحص سلبياتها على الطالب مقابل ايجابياتها في حال وجدتْ. وجاءت النتائج متضاربة، فهناك النتائج التي أظهرت عدم جدوى الواجبات البيتية والتعليل لذلك هو: أن الواجبات البيتية تحِد من متعة التلميذ وهي ثقل عليه، فبدل أن يرجع الطالب الى البيت بعد يوم دراسي شاق ليمارس هوايته أو يرتاح، تنتظره واجبات مدرسية عليه تنفيذها، وما أن ينتهي منها، الا ووقت النوم قد حان، وبذلك لا يستطيع التلميذ من اللعب مع أقرانه أو الجلوس مع عائلته أو ممارسة هواياته. وحتى يستطيع الطالب من تنفيذ واجباته بأسرع وقتٍ ليتسنى له الراحة أو ممارسة هواياته، فإنه يلجأ في الكثير من الأحيان الى أهله لينجزوا معه أو حتى عنه، الواجبات البيتية، وإن لم يتسنَّ للأهل ذلك، فإنهم يلجأون الى المدرسين الخصوصيين مما يثقل عليهم العبء الإقتصادي ويؤدي الى أن يشعر التلميذ بأنه ما زال في المدرسة. وهكذا تفقد الواجبات البيتية أهميتها، ولا تحقق الغاية التي أعطيت من أجلها. وهكذا أيضا تؤدي الى خلق شعور بالكراهية لدى التلاميذ تجاه المدرسة.


في المقابل، هناك من يؤيدون إعطاء الواجبات البيتية من بين الذين بحثوا هذه القضية وهم يستندون في ذلك على نتائج أبحاثهم التي أظهرت، أن الحافز الداخلي لدى الطالب ودرجة اجتهاده، هما اللذان يحددان معدل استفادته من الواجب البيتي ويحددان كذلك درجةَ اهتمام التلميذ بالتعلم وبالمادة الدراسية والفترةُ التي يحتاجها لأداء الواجب البيتي. كما وبيّنوا أن الواجبات البيتية مهمة لاكتساب مهارات التعلم الذاتي. أما مصطفى مخلوف، فقد تطرق إلى أن الواجبات البيتية تتيح للمعلم والمتعلم إنجاز عمل لم ينته خلال ساعات المدرسة، كما أن التلاميذ بسبب الواجبات البيتية، يتلقون كثيراً من الاهتمام الفردي الذي يحتاجونه والذي لا يستطيع المعلم تقديمه لجميعهم أثناء الحصص الدراسية (مصطفى مخلوف، 194، 1987).

إذن، ما دام الأمر كذلك، فمن المستحسن أن يأخذ المربون زمام الأمور بأنفسهم ويقرروا هم، ما هو مناسب لتلاميذهم ولتقدم موضوعهم التدريسي. إذ أنه من المفروض أن يكونوا هم الأكثر دراية بقدرات تلاميذهم وبظروفهم البيئية والإجتماعية وغير ذلك، مع الأخذ بالحسبان بأن تكون الواجبات البيتية هادفة، تشجع التلميذ على البحث وغير مرهقة له، وإن كانت تتطلب قدرا كبيرا من الوقت والجهد، فليعطى التلميذ مهلة ومدة متفق عليها للتنفيذ. كما أنه من المستحسن أن تكون هناك سياسة واضحة بالنسبة للواجبات البيتية في كل مدرسة، ومتفق عليها من قبل جميع الأطراف، فلا يبهرنا كل ما نسمعه أو نراه عند الآخرين فنتبناه. فمن ينادي بأن تتبع المدارس العربية في اسرائيل الأسلوب الذي تنتهجه فنلندا في مدارسها، فليحضر فنلندا الى هنا، ليحضر ظروفها البيئية والمجتمعية والاقتصادية والسياسية، وعندها لا حاجة للواجبات البيتية.

* جميلة شحادة – إختصاصية تربوية من الناصرة

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة