الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 24 / أبريل 04:01

أبو نيع/بقلم: احمد الصح

كل العرب
نُشر: 09/03/17 09:58,  حُتلن: 07:33


اختلط آذان الفجر مع صفير الرياح الشديدة مع صوت المطر المرتطم بسقف التخشيبة فجاء صوت المؤذن ضعيفا كأنه آت من واد سحيق ، سمع أبو سالم طرقات على الباب حسبها في البداية دقات كلبه " شحرور" أتاه مستنجدا من شدة البرد والمطر. الذي هطل في هذه الليلة القاسية فأبو سالم لم يذق طعم النوم في هذه الليلة فمنذ عودته من العمل عمل جاهدا لتغطية سقف التخشيبة التي بناها على أرضه على ساحة تلة في طرف القرية . ليأوي إليها هو وزوجته وطفله الصغير ولكي تقيه من برد الشتاء وحر الصيف ، لكن جرت الرياح بما لا يشتهي فهذه الليلة لم يشهد مثلها منذ سنوات عديدة. فقد فتحت السماء أبوابها فهطلت أمطاراً غزيرة بلا توقف والريح العاتية لم تقصر هي الأخرى فساعدت على تمزيق الغطاء وطيرت الألواح فبدأ السقف بالدلف وبدأ الرحيل داخل التخشيبة من زاوية لأخرى دون جدوى لم يترك وعاء الا ووضعه تحت الثقوب الدالفة كي يحمي ارض التخشيبة من البلل وكل ما تمناه في تلك الليلة بأن يتوقف المطر حتى لا يمرض طفله وحتى يخلد الى الراحة حتى يستطيع النهوض في الصباح الى عمله فهو بحاجة الى المال كي يعيل أسرته ويبني بيتا حتى يستريح من هذا العذاب. توالت الطرقات على الباب . سأل :" من الطارق؟"
ــ "افتح الباب شرطه" . لم يصدق في بداية الأمر لانه ليس له شأن مع الشرطة لا من قريب ولا من بعيد . نظر من الثقب رأى شرطيا يرتجف من البرد بعد أن بلله المطر . سأله" ما الأمر؟"
ــ " نريد أن ترافقنا الى مركز الشرطة"
ــ " ما السبب؟"
ــ " هناك نخبرك".
ــ " لكن الصباح رباح انظر الى الوضع والعيال بحاجة لي لحمايتهم من البرد والمطر".
ــ" اخرج وإلا ... "
في مركز الشرطة سألوه أين قضى ليلة البارحة ؟ أجابهم بأنه لم يغادر بيته فأمس كانت ليله ماطرة وحتى في أيام غير ماطرة نادرا ما يخرج من بيته لأنه يعيش في الخلاء وبعيد عن بيوت القرية وكثيرا ما هاجمت الذئاب والثعالب قن الدجاج وعندما نصب فخا ووقع الثعلب في الفخ امسك بقضيب الزعرور وأراد أن يؤنبه فأشفق عليه وأطلق سراحه لمعرفته بأنه لو لم يكن جوعانا لما أتى الى هنا . ألح الشرطي : " أين كنت ليلة البارحة؟" اقسم له انه لم يغادر بيته . فصرخ في وجهه: " أنت كذاب".
ــ " أنا في جيل والدك كيف تقول لي هذا الكلام؟"
ــ " كذاب وستين كذاب يلعن أبوك " .
ــ" أبي علمني أن لا أتكلم كلاما ساقطاً" .
ــ " الآن اريك من الساقط". خرج من الغرفة وعاد مع ثلاثة من زملائه وانهالوا عليه لكما ورفسا وتركوه كالخرقة يلحس آلامه فهذه أول مره ترفع عليه يد وتضربه. تكوم في زاوية الزنزانة وأخذ يحك ذاكرته ليعرف سبباً لاعتقاله فلقد ضربوه وأهانوه وهو لا يعرف سببا لذلك ومر بذاكرته خلافه على الأرض مع أبو نيع ولكنه استبعد الأمر بأن أبو نيع يشي به واشتبكت أفكاره حول هذه المسألة صحيح أن أبو نيع هدده عدة مرات ولكن الخلاف حل عن طريق أهل الخير لكن بقي طمع أبو نيع بالأرض. مرات عديدة أغراه كي يبيع أرضه وكل مرة كان جوابه بأن الأرض ليست للبيع وأنه سوف يعيش ويدفن فيها وعندما لم ينفع الإغراء بدأ أبو نيع يهدده بتهديد مبطن وكثير ما كان ينهر زوجته عندما كانت تقول له بأن أبو نيع يعمل سمسارا للحكومة . كان يقول لها :" يا حرمة خافي ربك أن بعض الظن إثم ." وكانت تجاوبه :" بعضه أبو سالم بعضه مش كله" . وكان يضحك ملء فمه ويقول:" يا ناس حرمتي بدها تصير فيلسوفه"
عاد الى بيته ورجلاه لا تقويان على حمله ، وعندما رأته زوجته على هذا الحال بدأت تصرخ وتولول :" مين عمل فيك هيك ؟ "
ــ" ولاد الحرام يا حرمه"
ــ " والله ما في غيرو أبو نيع مبروم ، من يوم ما أخذوك حضر بجلالته وقال لي :" شو رأيك أروح اطلع زوجك من الحبس بس على شرط تقنعيه بان يبيع الأرض ". انتفض أبو سالم ــ"وبماذا أجبته؟"
ــ" اطلع من هون رجل ما بتستحي ولا بتخجل، تفو على لحيتك تفو على شواربك يا هامل ".
قهقه أبو سالم كالرعد المدوي رد الوادي القريب صداه وانفجرت زوجته بالضحك وكان طفلهما الصغير في سريره يكغكغ . عندها تأكد أبو سالم بان زوجته حقاً أصبحت فيلسوفه.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net



 

مقالات متعلقة