الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 10:02

قصة قصيرة: حامل ولكن عذراء/ بقلم: عناق مواسي

كل العرب
نُشر: 15/01/17 12:06,  حُتلن: 17:13

يحين دوري في الزواج وفقاً للترتيب الأبجدي لنسل أبي وأمي.
تزوجت أختي سارة قبل أيامٍ وعّم الفرح بيتنا ولاحت أطياف السرور ترقص على شبابيك الأمل.
وهكذا انتقلت أختاي سناء وسارة إلى بيتهما عروستان لؤلؤتان... والآن دوري. المفروض الان دوري.. نحن بانتظار ابن الحلال.
يرفض أبي ان يزوج الأولاد قبل البنات، وأهم ما في الامر ألا تتزوج أي بنت قبل أختها الأكبر منها. لا زال على قناعته أن القطار لا يمر عن محطة ويعود اليها... وكلما كانت تفاتحه أمي بسيرة العرسان كان يملأ وجهه صوتاً وقافية ويقول: اللي عليها الدور يا بنات...
يقع ترتيبي الوسطى بين أخواتي سارة وسناء أكبر مني وسهى ودلال أصغر مني...
ولمن يحين دورها تبدأ أمي بإحناء المواعظ من عُليها لتنتحني أمام العروس تهيئاً للزفاف، ملاحظات، انتقادات، تعلم فنون إعداد المأكولات حفظ أقوال مشهورة، التدرب على كليشيهات وأمثال، تكثيف زيارات عند مصففة الشعر والاهتمام بالجسم وطقوسه أضعاف مضاعفة، لكي يأتي العريس والاستعداد باسط كفيه مستعد لإطلاق الأجنحة.
لكن شيئاً ما كان خطاً فيّ.. في تركيبتي!
شعور الاختلاف كان يلازمني، وإن جاز القول أن الشعور بالنقص كان يتكلل علي.. لا لشيءٍ يذكر، سوى أن الريبة تخيم عليّ لأنه كان من المفروض أن أكون ولداً، وعندما ولدتني أمي أنثى كانت جدتي، والدة أبي تقول:
تأخرتِ! الهي يأخر قدومك..
وورثت التأخر بكل شيء.
تأخرت في الزحف، في المشي، في انطلاق اسناني، في كلامي وفي كل مراحل نموي.
ورافقتني عقدة تأخر وصول الاشياء سنوات طويلة، إضافة لخوفي على عريسي أن يتأخر.
مريرة هي المرات التي كانت تمررها أمي وهي تخبرني عن مسيرة نموي وأنا اشعر ان حياتي كانت تزحف ببطء شديد.. ولذلك مستقبلي كاد يكون زاحفاً مرًا تباعاً.
بعض السنين لاشت الفوارق بيني وبين الأخريات في سني، وخبأتُ خوفي مراراً تحت جناحي وثبتُ قدماي بالأرض كيلاً أطير فاقعُ.
حشرجة أخرى بدأت تتكور في بطني، ربما انتقل التوتر الى أعضائي الباطنية، كاد الوجع يقتلني وكنت أترقب الدورة الشهرية وأولي كل التغيرات في جسدي إليها كضريبة الأنوثة والخصوبة، بضع أيام وأعود غزالة كيفما كنتُ لأنتظر العريس.
لكن الأوجاع في بطني تزداد وخشيتُ أن أخبر أمي وآبي وأن أصارح أحداً.
اتصلت بصديقتي وردة ودعوتها لزيارتي نشرب الشاي مع كعكة التفاح الشهية، يمكن أن ينسينا الحديث المتعمد عن أريج إبنة صفنا التي يحبها فارس حباً جنونياً وجعاً في جوارحي كلها وليس فقط في منتصف جسدي..
أخذت حمامًا دافئا واعدت لي أمي شوربة الفريكة اللذيذة معتقدة انها تخفف من أوجاعي لكن الوجع كان عنيداً .. وأصبح بطني يتكور قليلًا. وانتظرت قدوم الدورة بترقب شديد ليهدأ روعي. شربت ماء كثيرا وما أن إرتاح وجعي من وجعي الى حين كنت أغفو على سريري وأنا أربط بطني بمنديل ليرتاح حتى الصباح.
بدأت امي تلاحظ عليّ اوجاعي وهي تعلم ان هناك ظواهر ترسم ملامحها على جسدي، كنت أشعر بها تختنق في نظرها إلي ولم افهم السبب، اكتفت بسؤالها: ما بك يا سلمى؟
- وجع بطن.. لا تقلقي!
ثم حبستُ نفسي في غرفتي لأحبس وجعي وأنين القلق يعزف على أوتار صوتي.
صبيحة اليوم التالي، صحوت مرهقة لكن شيئاً أعظم مني حدث!
كان بطني يشبه بطن امرأة حامل في منتصف أشهرها.
نظرت لنفسي في المرآة، لم يختلف شكل جسدي المتكور عن جسدها، كان جسمي ناضجاً الى درجة الحمل!
لكن كيف يحدث هذا ؟ كيف حدث هذا؟
اعتدت على اوجاع في بطني وعلى انتفاخ كان يتبدد مع وصفات امي ونساء الحارة، أرهق لبعض الايام ثم تنجلي الامور بضيق حتى يسرٍ.
هذه المرة بدا الوجع مريباً وشكلي ما عاد يلائمني كعذراء بانتظار الدور، وبدأت اصرخ الى ان توقفت ساقاي على حملي وأغمي علي..
خاف والداي نقلي للمستشفى، او اجراء فحص دم لي ! الاحتمالات ضئيلة جداً امام شكلي وتفاصيل بطني المستدير، ومؤشرات كثيرة اعياها الانتفاخ. اتوجع وفقط !
استدعت امي اختي سارة وسناء وتوتر البيت بسببي وبسبب بطني المتكور الممتلئ القاسي. كان الانتفاخ هذه المرة مختلفاً، صلباً وعنيداً .. لم تفدني شوربة الفريكة ولا معجنات الزعتر ولا كعكة التفاح بل كلما وضعت لقيمات اخرى في بطني زادني الوجع وجعاً. وشهقت وزفرت أنيني ..
قضيت أياما بل أشهرَا وأنا اتوجع وكان يخيفني عمل فحوصات معمقة،
ضاق خلقي وتقلصت رئتاي وزادت حساسيتي تجاه كل شيء، الأشخاص الريبة التساؤلات الأطباء إجراء الفحوصات، ملابسي الداخلية وأغراضي الشخصية وأي مواجهة لي مع الآخر رافقها الانفعال والعصبية في غالب الاحيان.
العذارى لا يجرين فحوصات دم وتحاليل وكشوفات قبل الزواج، ذلك لان قطار الزواج يمكن أن يغير مساره بالكامل إذا ما لاح عن بعدٍ دخان متسرب من شك القدر مهما كان...
والدور علي ولا تزال أختاي الأصغر مني يترقبن العريس. ربما أهون على أمي أن أموت في البيت من أن يكشف أحد الأطباء علي ويعرف الاخرون أني مشكلة في بطني تتكور وتتدور مع الأيام.
انكمشت مع الايام وتحجبت بالخجل من الاخرين لخوفي المتصاعد من كل ريب، خشيت إلحاح الآخرين علي في تناول الأكل الشهي اللذيذ الذي لا يوافقني، أدعى لوجبة شهية في مطعم واكتفي باليسير خلافًا لبقية المدعوين الطامعين في أشهى الأكلات خشيت من إحراج حبيب لي لآكل مداراة لمشاعره.
الخوف من كل شيء كان أكبر من تحملي...
خوفاً على مستقبلي المهدد بعدما عرفت سبب حملي لهذا الحِمْل الثقيل في دمي
كنت أشعر بأني سنبلة تحمل قمحاً فانحني وجعاً ..
كنت عذراء ولا زلت على يقيني لكن حامل بجين الحساسية
حساسية لكل شيء خطًأ
بيدر يحمل سنابل القمح...

(باقة الغربية)

 موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net


مقالات متعلقة