الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 10:02

قراءة في مقالة، ماذا لو كل العرب اختفوا جميعًا؟/ جميلة شحادة

كل العرب
نُشر: 12/01/17 10:17,  حُتلن: 16:13

جميلة شحادة في مقالها:

ألا يحِق لنا أن نسأل دكتورنا الفاضل، لماذا هذا الجزم في الطرح؟ ولماذا هذا التعميم في الحكم؟ ولماذا كل هذا الجلد للذات؟

عملية جلد الذات الناجمة في بعض الأحيان عن الشعور بالذنب، هي عملية هدّامة لا تؤدي عادة الى النتائج المرجوَّة منها

إذا أراد أحدُ، أي أحد، أن يلوم على العرب حالهم فلْيَلُم أولا أنظمة الحكم في بلادهم وتحالفها مع مصالح غير مصالح العرب وبلادهم

تساءل الكاتب والصحفي الفلسطيني، الدكتور أكرم عطاالله في مقالةٍ نُشرت له في جريدة نيويورك تايمز، "ماذا لو كل العرب اختفوا جميعا"؟ وماذا لو أفاق العالم فجأة واكتشف أننا لم نعُد موجودين؟

ولم يكتفِ الدكتور عطاالله بأن يتساءل فقط، بل راح أيضا يعطي الإجابات عن تساؤلاته مُطَعِّما إياها بالأمثلة، ليزيدَ من قناعاتنا، نحن العرب، بأَن وجودنا، عدمٌ في هذا العالم. حيث جزم، بأن العالم لن يخشى خسارة أي شيء إذا ما اختفى العرب. فلن ينقطع الإنترنت، ولن تتوقف الأقمار الصناعية، ولا مصانع السيارات... كما أنه لن يتوقف أي شيء في حياة المواطن الياباني، ولن يفتقد المواطن الأوروبي أي شيء، ولن يخشى الماليزي أو التركي أو الأميركي مِن تعطل حياته اليومية. فليس لنا نحن العرب أي دور في الإنتاج الحضاري ولا المعرفي ولا العلمي ولا الصناعي ولا الإنتاج المادي ولا الاكتشافات أو الاختراعات، على حد تعبير كاتب المقال. والآن، وحتى إن وافقنا على بعض ما جاء في المقال من ذكرٍ لبعض عيوب العرب، ألا يحِق لنا أن نسأل دكتورنا الفاضل، لماذا هذا الجزم في الطرح؟ ولماذا هذا التعميم في الحكم؟ ولماذا كل هذا الجلد للذات؟

يتضح لقارئ هذه المقالة بعين ناقدة، بأنها مقالة كشفت في معظم ما جاء فيها عن عملية جلد للذات. ومعروف، أن عملية جلد الذات الناجمة في بعض الأحيان عن الشعور بالذنب، هي عملية هدّامة لا تؤدي عادة الى النتائج المرجوَّة منها. بل على العكس تماما، قد تؤدي الى عدم الثقة بالذات، والى كرهها ونبذها وإنكارها، وبالتالي الى فشلها أو حتى تحطيمها، ولا أظن أن أحدا منا يرغب بذلك. إذن، لعله من الأجدر والأنفع لنا، أن نتَّبع أسلوب التقييم بهدف التقويم، لا جلد الذات الذي لا طائل منه، ويكون ذلك، عن طريق النقد البناء. فالنقد البناء هو عملية ضرورية، بواسطتها نستطيع أن نكشف عن مواطن ضعفنا وعن مكامن قوتنا، ومن ثمة تُبنى الخطط وتوضع الإستراتيجيات للتغيير نحو الأفضل، هذا، إذا ما توفر المناخ الذي يتيح حرية الرأي وحرية التعبير.

لا أحد منا ينكر أن الدول العربية اليوم متخلفة علميا وتكنولوجيا عن الدول الأوروبية وأمريكا واليابان وغيرها من دول صناعية، ويعود هذا للعديد من الأسباب لا مجال لذكرها هنا، كما أنه لن يُجدينا نفعا كنس قمامتنا ووضعها تحت السجادة، ولكن في نفس الوقت، يجب أن لا نتجاهل أمورا ايجابية يمتلكها العرب، والحديث هنا عن الحاضر وليس عن الماضي، حتى لا يُفهم أننا العرب نُجيد التغنّي في الماضي والبكاء على الأطلال فقط.

إن العرب يملكون الطاقات، وبالطبع هم لا يفتقرون الى الأدمغة الفذة والعقول النيرة والذكاء الحاد، ودليل على ذلك تفوُّق أبنائنا العرب في مجال العلوم والتكنولوجيا والطب والإقتصاد... عندما يجود عليهم حظهم بفرصة التعليم والعمل في بلاد الإغتراب، كأمريكا أو إحدى الدول الأوروبية. بل كذلك نجد في الدول العربية أيضا، ناجحين ومبدعين في العديد من المجالات ومنها مجال الصحافة والأدب والفن. وليس صحيحا أن العرب لم ينتجوا سوى الكلام والأغاني الوطنية الكاذبة والهابطة فقط، كما جاء في المقال، بل قدَّموا فنًا راقيا وأدبا جيدا وفِكرا لا يُستهان به، وهذا ليس عيبا لنعيب العرب عليه وندَّعي بأن العرب لم يقدموا أي خدمة للعالم سوى الكلام... كما جاء في المقال.

أما عن الخدمة الأخرى التي قدمها العرب للعالم، وهي صور القتل في الصحف ونشرات الأخبار كما كتب الدكتور عطاالله في مقاله، فهي خدمة مدفوعة الأجر على يدي تلك الدول، والتي نسميها "بالعظمى"، حيث دفعت هذه الدول ثمن هذه الخدمة سلاحا فتاكا، قتل به العرب بعضهم البعض لصالح غيرهم. ولا حاجة هنا لأي عربي لأن يقف على مسافة في أية عاصمة غربية خارج وطنه، كما أوصى كاتب المقال، ليراقب خيط الدم من ليبيا حتى العراق مرورًا بمصر وسورية واليمن والصومال وما بينهما، لأن العرب يعيشون مأساتهم الدامية كل لحظة، ويموتون هربا من شبحها كل يوم. وهنا، تجدر الإشارة الى أن صور القتل والدماء غير مقتصرة على العرب وبلادهم فقط، فقد علَّمنا التاريخُ دروسا كثيرة عن أوروبا الدامية ومجازرها في حق الإنسانية.

ليس خفيا على أحد بأننا، نحن العرب، نعيش اليوم الحروب والإنقسامات والأوضاع الإقتصادية والإجتماعية الصعبة، وأن حجم العقبات التي تجتاح طريق الإنسان العربي كبير، وكبير جدا، الأمر، الذي حال بينه وبين تحقيق أحلامه وطموحاته. إذن إذا أراد أحدُ، أي أحد، أن يلوم على العرب حالهم فلْيَلُم أولا أنظمة الحكم في بلادهم وتحالفها مع مصالح غير مصالح العرب وبلادهم.

مربية وأخصائية تربوية

الناصرة

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة