الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 08:01

تركيا على فوهة بركان..كيف سيتذكر التاريخ أردوغان؟/ بقلم: ثائر أبو راس

كل العرب
نُشر: 28/12/16 14:31,  حُتلن: 19:55

ثائر أبو راس في مقاله:

شهدت تركيا عشرات العمليات الارهابية بالاضافة لمحاولة انقلابية فاشلة غيرت مجرى الامور كليا في ذلك البلد

فقد الاقتصاد التركي اكثر من 40% من الاستثمارات الخارجية في الاسابيع الاولى للمحاولة الانقلابية الفاشلة

اما على المستوى العسكري فقد عاد الجيش السوري وحلفائة الى مدينة حلب، تلك المدينة التي لعبت المخابرات التركية دورا جوهريا بالسيطرة عليها في العام 2012 

يضاف الى الانتكاسات الاقتصادية والعسكرية، الانتكاسات التركية الاستراتيجية وعلى رأسها العلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة من طرف وروسيا من طرف اخر

السبب الرئيسي لفشل تركيا هو خطأ التقدير والايمان المفرط بقدرات تركيا

بالرغم من النمو الاقتصادي التركي في اخر 15 سنة، تواجه تركيا العديد من المشاكل الانمائية التي تؤثر سلبا على قدراتها الاستراتيجية في الاقليم والعالم

المشاكل الداخلية التي فضل النظام التركي تجاهلها لصالح استثماراته الاقليمية هي السبب الاساسي للتراجع التركي

مهما كان رأيي الشخصي في حزب العدالة والتنمية، الا انه لا يمكن نكران الدور المحوري الذي لعبه الحزب بنمو تركيا اقتصاديا وحتى تقوية دعائم الديمقراطية في السنوات الاولى لحكمهم

الا أنّ سوء التقدير الاستراتيجي بالاضافة للاخطاء التكتيكية و ربما انتهاج نهج استعماري تجاه المنطقة اعاد عقارب تركيا الى الوراء 

التحليلات الاقتصادية للبنوك الاوروبية تصنف تركيا كدولة "على حافة الانهيار الاقتصادي في العام 2017". هذا الوصف لم يفاجئ الكثيرين في انقرة او في العالم حيث كان العام 2016 اسوأ اعوام تركيا في القرن الجديد. شهدت تركيا عشرات العمليات الارهابية بالاضافة لمحاولة انقلابية فاشلة غيرت مجرى الامور كليا في ذلك البلد.

فحسب صحيفة زمان التركية، فقد الاقتصاد التركي اكثر من 40% من الاستثمارات الخارجية في الاسابيع الاولى للمحاولة الانقلابية الفاشلة. اما على المستوى العسكري فقد عاد الجيش السوري وحلفائة الى مدينة حلب، تلك المدينة التي لعبت المخابرات التركية دورا جوهريا بالسيطرة عليها في العام 2012 حسب مدير المخابرات التركية حكان فيدان.

اما على المستوى التكتيكي، تعاونت تركيا، حسب الاعلام الغربي، مع منظمات ارهابية كداعش وجبهة النصرة على امل اسقاط النظام والهيمنة على المرحلة الانتقالية. ووفق الامم المتحدة شهدت سوريا دخول ما يقارب ال 20 ألف ارهابي من الحدود التركية ليعودوا اليها كإرهابيين بعد فشل مخططاتهم في سوريا. بالإضافة لكل هذه " الكوارث" التي تتعامل معها تركيا يبدو ان اتفاق السلام التركي الكردي الذي عملت علية انقرة لمدة 10 سنوات قد انتهى مع حلول الحرب السورية. فقد أصبح الاكراد في أفضل وضع استراتيجي منذ الحرب العالمية الاولى حيث يسيطرون على الشريط الجغرافي الممتد من القامشلي على الحدود العراقية حتى منطقة جرابلس على ضفة نهر الفرات. هذه المساحة الجغرافية التي تعادل مساحه قلسطين التاريخية اصبحت تحت هيمنة الاكراد وحلفائهم الامريكان دون قدرة تركيا على طردهم الى جبال جنوب الاناضول كما كان علية سابقا.
يضاف الى الانتكاسات الاقتصادية والعسكرية، الانتكاسات التركية الاستراتيجية وعلى رأسها العلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة من طرف وروسيا من طرف اخر. بعد اسقاط الطائرة الروسية، تقربت انقرة من واشنطن. اما بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة، ابتعدت تركيا عن الولايات المتحدة وتقربت الى روسيا من جديد، لكن هذة المرة التقارب كان حسب الشروط الروسية، ما جعل موقف تركيا في سوريا أضعف مما كان علية بالسابق.

بذلك دخلت تركيا الى موقف استراتيجي لم تعهده من قبل، فهي معزولة من كل جيرانها. بل أنّ اليونان، العدو التاريخي للأتراك اصبحت الدولة الاقل خطرا من بين الدول المجاورة. اضافة للعلاقات السيئة مع دول المنطقة، فقدت تركيا سندها الاستراتيجي المتمثل بالولايات المتحدة. ان استمرار الحروب بالمنطقة والنمو البطيء للاقتصاد الاوروبي بالاضافة لابتعاد السياح عن المنتجعات التركية لأسباب امنية ساهم ايضا بتعقيد الوضع الداخلي.

تحاول الحكومة التركية استباق الاحداث حيث طالب الرئيس التركي الشعب بتحويل كافة العملات الاجنبية لليرة التركية بهدف تقوية العملة المحلية بالاضافة لحملات دعم للاقتصاد المحلي. هذه المشاريع بإمكانها ان تخفف من وطئه الازمة المالية لكنها لن تمنعها. خيار تركيا الوحيد هو القضاء على الاضطرابات الامنية على حدودها والتعاون مع القوى العالمية وصون مصالح الدول الكبرى في تركيا والشرق الاوسط عموما.

بانتهاجها سياسة مستقلة ونشطة ببداية الازمة السورية، حاولت تركيا أن تقود تحول استراتيجي في المنطقة تكون هي اللاعب الاساسي فيه على حساب اسرائيل والعرب. فالاتراك يشعرون ان مكانتهم الجغرافية والاقتصادية والتاريخية تؤهلهم ان يلعبوا الدور الرئيسي في المنطقة، الا ان واقع الدكتاتوريات العربية من جهة والاحتلال الاسرائيلي من جهة ثانية يجبر تركيا على لعب دورا ثانويا في الاقليم. منذ صعود حزب العدالة والتنمية للحكم في العام 2002 تهدف تركيا لان تصبح لاعب مركزي بالشرق الاوسط، والازمة في سوريا كانت الفرصة الذهبية للاتراك لفرض اجندتهم. ظن أردوغان ان الشعبية التي يمتلكها بالشارع العربي واعجاب العرب بالنهضة الاقتصادية التركية سيكفي للهيمنة على دول المنطقة لا سيما الدول الجمهورية "السنية" مثل سوريا، مصر، ليبيا وتونس. محاولة تركيا للهيمنة على المنطقة انتهت بتحالف غير واضح المعالم مع السعودية وتحالف اقتصادي مع قطر مقابل عداء باقي الانظمة العربية (وشرائح واسعة من الشعوب العربية) لتركيا.

السبب الرئيسي لفشل تركيا هو خطأ التقدير والايمان المفرط بقدرات تركيا. بالرغم من النمو الاقتصادي التركي في اخر 15 سنة، تواجه تركيا العديد من المشاكل الانمائية التي تؤثر سلبا على قدراتها الاستراتيجية في الاقليم والعالم. فتركيا تعاني من نسبة بطالة عالية تفوق ال 10%، كما ان نسبة العقول المهاجرة هي من الاعلى في العالم. كذلك تعاني تركيا ايضا من نسبة قليلة من المتحدثين باللغة الانكليزية اضافة لمشاكل سياسية متفاقمة اساسها عدم الثقة المستشرية بين الحزب الحاكم والنخب السياسية المعارضة.

هذه المشاكل الداخلية التي فضل النظام التركي تجاهلها لصالح استثماراته الاقليمية هي السبب الاساسي للتراجع التركي. فالرئيس اردوغان حاول تحويل بلده من دولة مؤثرة الى دولة مهيمنة بالرغم من ان تركيا كانت في خضم تحولها الطبيعي ولم تكن قادرة على الهيمنة حتى وان كانت معنية وهذا ما فشلت قيادة العدالة والتنمية بفهمه.
مهما كان رأيي الشخصي في حزب العدالة والتنمية، الا انه لا يمكن نكران الدور المحوري الذي لعبه الحزب بنمو تركيا اقتصاديا وحتى تقوية دعائم الديمقراطية في السنوات الاولى لحكمهم. الا ان سوء التقدير الاستراتيجي بالاضافة للاخطاء التكتيكية و ربما انتهاج نهج استعماري تجاه المنطقة اعاد عقارب تركيا الى الوراء.
يبدو ان عام 2017 سيكون عاما مصيريا لتركيا وحزبها الحاكم. فان تمكنت بتخطي البركان بسلامة نسبية ، ستتمكن تركيا من اعادة نفوذها مستقبلا. اما اذا تأزم الاقتصاد اضافيا، فستواجه تركيا مخاطر وجودية تنتهي اما بحرب اهلية او تغيير نظام الحكم بشكل جذري. التاريخ سيتذكر رجب طيب أردوغان كأهم زعيم تركي منذ انشاء الجمهورية في العام 1923، السؤال الوحيد هو: هل سيتذكره التاريخ كمنقذ تركيا الذي اعاد للبلاد عظمتها، ام سنتذكره كمن دمر تركيا ومكانتها. فقط اردوغان وسياسات حزبه في العام القادم سيجيبون عن هذا السؤال.

* الكاتب - طالب لقب ثالث بالعلوم السياسية في جامعة ماريلاند في الولايات المتحدة.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة