الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 05:02

حتى أنتِ يا شجرة؟/ بقلم: د.جوني منصور

كل العرب
نُشر: 21/12/16 10:51,  حُتلن: 08:27

 د.جوني منصور:

الشريعة اليهودية تقضي بامتناع اليهودي من العبور من هناك، بل الالتفاف من حول المبنى منعا للنجاسة

أي نور تنثره اليهودية هذه على الغرباء؟ أي غرباء يقصد؟ أصحاب البلاد أم حجاجها؟ المسيحيون ام المسلمون؟ أم الاثنين معا؟ هذه النظرة الاستعلائية والفوقية مكانها ليس في معاهد التربية والتعليم والهندسة

أثار نصب شجرة عيد الميلاد في بيت الطالب الجامعي في معهد التخنيون للهندسة والعلوم التطبيقية في حيفا حفيظة وغضب حاخام هذا المعهد العاد دوكوف. وكتب هذا الحاخام موقفه على صفحة الفيسبوك داعيا إلى تحريم دخول أي طالب إلى مقر بيت الطالب أعلاه لوجود شجرة الميلاد فيه، وهذه الشجرة هي رمز غير يهودي بل وثني، على حد تعبيره.

والشريعة اليهودية تقضي بامتناع اليهودي من العبور من هناك، بل الالتفاف من حول المبنى منعا للنجاسة. وأضاف دوكوف على صفحته في الفيسبوك أن ما قامت به لجنة الطلاب في التخنيون هو تشويه للهوية اليهودية في الحرم الجامعي. وان نصب شجرة السرو في الحيز العام هو منح شرعية للهوية الدينية المسيحية في التخنيون. وأضاف أن الحديث عن رمز غير يهودي، وقال بالحرف: هل يعقل أن نسمح للطلاب التصريح بأن اورشليم ليست ملكا لشعب إسرائيل كما فعلت اليونسكو؟ هل علينا تقبل كل امر دون حدود؟ هل يمكننا القبول بمهرجان أطعمة اسبانية يدرج الخنزير في مقدمة قائمة المآكل؟

والأصعب من كل هذا ان الحاخام المذكور هو محاضر في قسم الرياضيات في المعهد نفسه، تابع بتفسيراته قائلا:" ليس الحديث عن حرية العبادة، إنما الحديث عن الحيز العام في الحرم الجامعي. هذه الدولة اليهودية الوحيدة في العالم. ولها دور وظيفي وهو ان تكون "نورًا للغرباء"(أور لاجوييم)، وألا نقبل بكل فكرة دون رقابة".

إن هذه الأقوال والمواقف لشخصية اكاديمية ودينية يهودية يشتم فيها رائحة عنصرية باتجاهين: الأول ديني والثاني قومي – سياسي. فمن حيث كونها عنصرية دينية بالدلالة إلى النظرة المغلقة التي تميزه بعدم رؤية الآخر وتقبله كما هو. وعدم فهمه لطبيعة الواقع الجاري من حواليه، بأن هذا المعهد يتعلم فيه عرب ويهود وأجانب. وأن هذا المعهد قد غير من سياساته تجاه الطلاب العرب بحيث فتح ابوابه لاستيعاب عدد كبير منهم خلال العام الدراسي الحالي وعدد من الأعوام التي سبقته. وأن حيفا التي فيها هذا المعهد مدينة مشتركة (أو هكذا من المفروض أن تكون) يعيش فيها اليهود والعرب وأجانب من اديان مختلفة وقوميات عدة. وان فهمه للدين هو فهم متجمد ومتشدد غير قابل للمرونة والانفتاح. وعلى ما يبدو ان تشدده الديني هو بوصلته في تمسكه بالمقولات القديمة التي مضى زمانها، بأن اليهود هم "نور للغرباء". أي نور تنثره اليهودية هذه على الغرباء، أي غرباء يقصد؟ أصحاب البلاد أم حجاجها؟ المسيحيون ام المسلمون؟ أم الاثنين معا؟ هذه النظرة الاستعلائية والفوقية مكانها ليس في معاهد التربية والتعليم والهندسة، وليس في أي حيز عام. لم تعد شعوب العالم بحاجة إلى هكذا نور. ما لديها من أنوار تكفيها لترى ببصرها وببصيرتها ما يتوجب عليها القيام به.

أما على الصعيد السياسي فإن هذا الحاخام وهو رجل دين وأكاديمي في الوقت ذاته في المعهد المذكور يتماهى مع الخط السياسي الذي تسير فيه الأحزاب والتيارات اليمينية وحكومة إسرائيل الحالية وسابقاتها بأن فلسطين هي دولة اليهود الوحيدة في العالم، ومن حق اليهودي ممارسة شعائره وطقوسه الدينية فيها لوحده دون اتباع الديانات الأخرى. هذه الغطرسة والعليائية والفوقية بوصلة كريهة لتوجهات عنصرية ضد كل ما هو غير يهودي. وبالتالي فإن تعمقها وتجذرها سيساهم في المزيد من تفشي روائح العنصرية الكريهة في المستوى الجامعي، والذي من طبيعته التمتع بحرية التعبير عن الرأي والاحتفال بكل مناسبة تضفي روحا إيجابية وتساهم في التقارب بين شرائح مختلفة من المجتمعات التي تعيش في حيّز واحد.

الخطوة التي تبنتها لجنة الطلاب في التخنيون فيها الكثير من الانفتاح والرؤى الايجابية وتبنٍ للمستقبل. وهذه فيها دلالة على أنه يمكن أيضا مشاركة الآخرين(غير اليهود بهذه الحالة) في مناسباتهم، وخصوصا ان عيد الميلاد هو عيد عالمي غير مقتصر على المسيحيين، وهو عيد يحمل في أساسياته رموز وعلامات السلام والمحبة والانفتاح.

مثل هذ الصوت (الحاخام دوكوف) وغيره كثيرون يجب اخراسها وعدم اتاحة الفرصة امامها لتنتشر وتبث من سمومها في عقول ونفوس طلاب العلم والمحيط القريب وحتى البعيد عنها.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة